الواقع الراهن والتفاصيل السياسية..

الواقع الراهن والتفاصيل السياسية..

عقاب يحيى

تتلاطم شحنات التناقض بين الإيمان بأهمية وحدة عمل ورؤى المعارضة.. كأساس مهم في بناء معادلة صحيحة، وتغيير ميزان القوى، وربما : الدخول المتسق، والفاعل في عملية سياسية حقيقية منتجة، تتجاوز التكتيك، والتدليس إلى صلب الجدوى...

وبين كومة من التخوّفات التي ترسمها، وتثبتها مجموعة وقائع ناتجة عن معطيات حقيقية تخصّ طبيعة النظام من جهة، وسمات الوضع الدولي والإقليمي من جهة ثانية، والقدرة الفعلية على " فرض" حل سياسي ينهي نظام الفئوية والاستبداد ويشرع في عملية انتقالية واضحة الشروط والبنود والزمن، من جهة ثالثة ..

ـ واقع المعارضة ضعيف بدءاً، ووقد برز جلياً وبصور متعددة على مسار أوضاع الثورة السورية وما عرفته من تحولات ومناقلات وتطورات، وعديدها ركب عليها من خلفية التجيير والشدّ، والاحتواء.. فاتسعت الفجوة بينه وبين سياقاتها ومتطلباتها، وتباينت المواقف في الهدف والوسيلة، ثم وضع البعض عديد الأغطية على الهدف المغاير كي يساير، بينما ظلّ الخلاف كبيراً في الوسائل وطرق الوصول للهدف....بينما يولّد الضعف ـ غالباً ـ مزيد الشرذمة، والتفتت، وتبادل الاتهامات ..وإلقاء المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك .

ـ في مرحلة صعود العمل المسلح تحت رايات الجيش الحرّ الفضفاضة، وقبيل نمو، وتغوّل، وسيطرة القوى المتشددة، "فداعشّ" تراجع موقع ودعاة الحل السياسي، واعتلى الأمل بإسقاط النظام بالقوة في زمن منظور، وسيطر على نظرة ومواقف أشدّ دعاة السلمية، والحلول السياسية... وقد انعكس ذلك بطريقة واضحة في مؤتمر القاهرة للمعارضة ووثائقه، خاصة لجهة الاتفاق العام حول الحل السياسي المشروط ب" تنحي رأس النظام وكبار رموزه وتحويل المتورطين بالقتل إلى المحاكم" ، ووثيقة المرحلة الانتقالية الشاملة، ودلّت جميع المعلومات الموثوقة أن النظام يقارب السقوط والانهيار حين جاءته الأوامر والنجدات الإيرانية، والمليشيات التابعة لإيران.. وبدء استعادته لزمام المبادرة في عدد من المواقع، وإحداث توازن بدا فيه الحل العسكري بعيداً لأي جهة، وما أعقب ذلك من ظهور داعش بتلك الحجوم، والتأثير، وانعكاس الأمر على تراجع العمل العسكري المحسوب على الجيش الحر، وإنهاء وجود عديد الكتائب المنتمية إليه لصالح القوى المتطرفة، وبالتالي تراجع الحل العسكري تماماً ، والعودة من جديد، وبصيغ متباينة للحل السياسي الذي مثل جنيف خيمته الكبرى، والإطار الأفصح .

ـ في أساس المعضلة السورية طبيعة النظام السوري بكل مواصفاته المعروفة : الأمنية، والعنفية، والطائفية ورفضه الكلي، والخبيث لأي حل سياسي حقيقي من شأنه توفير شروط الانتقال إلى نظام آخر، لذلك استكت مواقفه ـ في هذا المجال، وكعادته ـ بالمراوغة والمناورة، والعمل على كسب الوقت، واستغلال الظروف كلها للمضي في نهجه التدميري ـ الإبادي، ورهانه على الحسم بالقوة، ثم إجبار الآخرين ممن يصنفهم بالمعارضة الوطنية، أو المعتدلة على القبول بما يقدّم لهم من فتات..

ـ يساعده في ذلك، وعلى طول مسارات الثورة ومنعرجاتها موقف دولي اتسم بالميوعة، والتواطؤ، وبإرادة أمريكية ترفض بذل الجهد المقتدر في أيّ من الصعيدين : العسكري باتجاه تغيير ميزان القوى لصالح المعارضة، وبالتالي فرصة إنهاء النظام، أو في حل سياسي يفرض على النظام الامتثال، ويدعو الهيئة الأممية إلى ضمان ذلك الحل وجعله واقعاً ...

ـ هذا الوضع سمح لحلفاء وأصدقاء النظام بالمضي بعيداً في دعمه ـ حتى التدخّل السافر، ووجود قوى خارجية تقاتل إلى جانبه، مقابل تراجع الدعم الأولي، والضعيف الذي كان يقدّم وبطرق متعبة لفصائل المعارضة والعمل العسكري، ومولدة لمزيد التشتت، والتبعية، والولاء الذي زاد الأوضاع الداخلية تعقيداً، وأدّى إلى مزيد المصاعب في توحيد العمل المسلح، وانضوائه تحت قيادة موحدة، وراية سياسية واضحة .

ـ أمام هذه التحولات يبدو الحل السياسي ـ بكل عناوينه  المختلفة ـ وكأنه الطريق الوحيد الممكن. لذلك تكثر المبادرات والمشاريع، وتتعدد الآراء والأطروحات، بينما ما زالت المعارضة بعيدة عن تغيير موازين القوى لصالحها، وعن التوافق حول المشتركات، بينما يعمّ الكلام عن واجب التراجع في المحددات، خاصة تلك المتعلقة بشرط تنحية رأس النظام، أو الوضوح في تحديد مصيره عبر العملية الانتقالية.. التي باتت بدورها ضبابية، وعرضة لمزيد التفسيرات والتراجعات .

ـ لقد فشل جنيف 2 بسبب مواقف النظام الرافضة له من جهة، وتخاذل قوى المجتمع الدولي من جهة أخرى، وبدل الإصرار على بنود جنيف 1 أساساً للحل.. جاء المبعوث الأممي " ديمستورا" بأفكار تبدو كالمسكنات الموضعية المقطوعة عن السياق العام، وخطة جنيف، عبر ما يعرف بالتجميد التجريبي، واتخاذ حلب محطة، وقاعدة انطلاق.. الأمر الذي خلق مزيد البلبلة، ووفّر عوامل جديدة للتراجع، وكأن الأمر يصبّ في صالح النظام، ويمنحه مزيد المناورة ..

ـ وبغياب الإدارة الأمريكية، المقصود، عن الملف السوري، وانشغالها بأمور أخرى : الاتفاق مع إيران حول الملف النووي، وقصة محاربة الإرهاب.. جاءت" الأفكار الروسية" وكأنها نقاط صغيرة في صحراء واسعة . فتحت عنوان الحوار المباشر، وفتح نقاش أقرب لمنتدى قامت بدعوة شخصيات محسوبة على المعارضة دون العودة لأحزابهم ومؤسساتهم التي ينتمون إليها، وبتجاهل مقصود للهدف الرئيس، والغاية.. الأمر الذي دفع جلّ القوى إلى رفض المشاركة، واستحضار الدور الروسي الذي ظل مؤيداً للنظام وداعماً له في جميع المجالات ..

**********

ضمن هذه اللوحة المضطربة تخرج أفكار مصرية غامضة، ومتعددة التفسير، والأوجه، وقد التقطتها" هيئة التنسيق" تحت عنوان " إحياء وحدة المعارضة"، الشعار الذي يلقى قبول معظم الأطراف، وبأمل أن يكون ذلك تمهيداً للتوافق حول خارطة طريق واضحة، وتحضيراً لمؤتمر وطني جامع تشارك فيه مختلف قوى المعارضة والحراك المدني والثوري والمسلح، ولكن، وحتى الآن، لم تحدد التخوم بين استقلالية هذه الأفكار، وبين ما يحكى عن مشروع مصري يحضّر للعب دور مهم في المسألة السورية، ناهيك عن بروز بعض التضاريس لجهة الموقف من تفاصيل مهمة، أو قصة التمثيل والنسب، والعدد، والمكان، والزمان,,, خاصة وأن أخباراً كثيرة تسرّب عن رفض النظام المصري حضور، ومشاركة أي شخصية إسلامية من " جماعة الإخوان المسلمين، وغيرهم.. وبما يطرح إشكالية كبيرة لا يمكن هضمها، والقبول بها، حيث يفترض بالطرف المضيف ألا يضع أي شروط على عدد، ونوعية الحضور، وحيث أن الأمر شأن سوري لا يمكن القبول بأية اشتراطات من أي جهة كانت .

ـ نعم يجب بذل الجهد الحثيث، والمخلص، والمنظم للمضي قدماً في فتح حوارات واسعة بين شتى أطياف المعارضة والحراك الثوري والمدني والعسكري بهدف الوصول إلى المؤتمر الوطني الجامع، وما يسبقه من توافقات عامة حول المشتركات التي تؤسس لرؤية موحدة، تضع تفاصيل المخارج في خارطة طريق متكاملة.. والتوجه الجاد لتعديل ميزان القوى على الأرض في عموم الميادين، والذي من شأنه أن يمكّن قوى المعارضة من انتزاع حقوق ومطالب الشعب السوري في إنهاء نظام الأحادية والإجرام والفئوية، والبدء في عملية انتقالية شاملة ..