إلى قيادة الائتلاف وكتله وأعضائه

التجمع الوطني السوري

مذكّرة

من التجمع الوطني السوري

تتضاعف مأساة شعبنا يوماً بعد يوم، ويكاد لا يخرج من مصيبة إلا ليدخل في غيرها، في المهاجر الداخلية والخارجية، في مناطق النظام وتلك التي غاب عنها ولم تغب براميله وغازاته السامة ودماره وبحر الدماء الذي يريقه. وكلما تجاوزت معاناته حاجزاً جديداً، انتعشت آمال البعض بإمكانية فرض التسليم على  شعبنا، وسوقه للتخلي عن ثورة الحرية والكرامة.

وقد لا يعدو السبب الحقيقي لازدحام المبادرات هذه الأيام، أن يكون مدّ حبل ظاهر أو خفي للأسد ونظامه، بعد أن بلغ من التأزم والتشتت والتدهور شوطاً غير مسبوق، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإدارياً وفي كلّ مجال، أو ملء فراغ، وتحويش أوراق للمقايضة بها في قضايا أخرى. في حين تبدو الإدارة الأمريكية منشغلة تماماً عمن المسألة السورية بأمور أخرى، ولا يعنيها كثيراً بذل جهد مجد لحل سياسي يفرض من خلال الشرعية الدولية .

كما جاء توريد القوى المتطرفة بكل أنواعها إلى بلادنا، وانتعاشها في حواضن مناسبة وعبر تصاعد ردود افعل والنزعات المذهبية التي تمهد لحرب أهلية طاحنة، ليضيف ضغطاً جديداً على شعبنا، وليكون عوناً للنظام والقوى التي تريد إنقاذه، ويسهم في تشتيت جهودها، وخلق مزيد المصاعب لها، وعبئاً عسكرياً فائضاً على قوى الثورة والمعارضة يربكها، وقد يدفع بعض أطرافها إلى إعادة النظر في حسابات المعركة الوطنية ضدّ النظام، بما لا يتفق مع وثيقة جنيف ومواقف بقية أطراق العمل الوطني.

وفي الوقت نفسه، لا تكشف إلا عن تخطيط لمنح الاولوية للمعركة الدائرة في العراق ، ولتأجيل الحل السياسي المطلوب في سورية ، يهتم بمقاتلة تتسم بكثير من الاخطاء لتيارات ارهابية دون غيرها ، وبتجاهل دور النظام الاسدي كمنتج أكبر للإرهاب داخل المنطقة وخارجها ، ألا إذا كان الفتك بملايين السوريين واستقدام عشرات التنظيمات الارهابية إلى بلادنا ليس من الإرهاب في الأعراف الدولية. فطبيعة وحجم وأهداف غارات التحالف الدولي تبدو باهتة وكاد تكون شكلية، تهتم بالجزء دون الكل، وتخلق للنظام مزيداً من مساحات الحركة وحريتها، ولقوى التطرف أن تزدهر وتدعي ما ليس لها أن تدعيه، وتعزز– من ثم- وجودها ودورها في المعادلة، في وجه عدوها الأول وهو قوى الثورة والشعب السوري كله. هذا مع وضوح يتسع نطاقه في رهانات الإدارة الأمريكية على الاتفاق مع إيران، وصمت يتقاطع مع التواطؤ إزاء وضع ومصير النظام السوري ومستقبل رئيسه.

في هذه الأجواء، تواجه قضيتنا مبادرات وتحديات شتى، تتوارد من موسكو ثم القاهرة، تحت عناوين حوار المعارضة بقواها" المختلفة"، وفوق نوايا ملتبسة يحق لنا أن نعتبر النظام في مركز اهتمامها، طالما هي تخطئ في مسارها واختياراتها، ولا تأخذ بالحسبان توزع قوى شعبنا، ولا حقوقه المشروعة في مستقبل يضمن الحرية والديمقراطية والدولة المدنية، التي تشترط أول ما تشترط ألا يكون للأسد وزمرته وأجهزته دور في مستقبل نقيض لهم ولجرائمهم.

يستحق شعبنا أن تتوقف المجزرة التي يتعرض لها منذ أربع سنوات بأسرع وقت ممكن، عبر حل سياسي عادل، ومن خلال تسوية تاريخية لا تتناقض مع أهدافه المشروعة حسب كل الشرائع الدولية ولوائح حقوق الإنسان. لسنا هواة قتل وتدمير وانتقام بأي شكل من الأشكال، ولكن لا بدّ أن يستند أي حلّ سياسي وأي تفاوض هادف إلى الأسس التالية:

أولاً-  نرى أننا وصلنا إلى الحد المقبول من قبلنا، وبتأييد قرارات مجلس الأمن الدولي، فيما تضمنه بيان جنيف 1، بجوهره الذي يقوم على تشكيل هيئة حكم انتقالية متوافق عليها، وذات صلاحيات تنفيذية كاملة. الأمر لا يحمل التباساً في اشتراط استبعاد الأسد ومجرمي الحرب من أتباعه، في المسار والمآل. إن مؤتمر جنيف ينبغي أن يتابع مساره من حيث انتهى، وعلى الأسس ذاتها، وإلا كان الأمر مكافأة للنظام الذي عطله أمام عيون العالم، ومعاقبة لقوى الثورة والمعارضة على التزامها الحقوق والشرعية الدولية.

ثانياً- أي حوار للمعارضة السورية هو حوار أعرج، طالما يخفي محاولة إضعاف دور الائتلاف الوطني وتمثيله الشرعي لشعبنا وحجم مظلته التي لا يمكن لأية قوة أن تقيس نفسها بها، و إجراء مناقلات فيها، أو يستبعد منها قوى أساسية للمعارضة في الداخل حيث يجري إغماض العين عن تكوينات أساسية فيها- عن حسن أو سوء نية- مثل إعلان دمشق وحزب الشعب الديمقراطي وجماعة الإخوان المسلمين  والممثلين السياسيين لقوى الجيش الحر وقوى أخرى كثيرة وفاعلة سابقة على الثورة أو نشأت في سياقها. كما أن أي حوار لن ينجح أيضاً، إذا انعقد تحت ضغوط مباشرة أو جانبية، أو من خلال مبادرات يحتمل أن تفاجئنا ونحن على الطاولة، وتفوح منذ الآن منها رائحة بعيدة عن روح بيان جنيف 1  وجوهره.

ثالثاً- إن أي حوار بين قوى المعارضة بهدف الوصول إلى توافق عام حول المشتركات التي تلخص أهداف الثورة وتعبّر عنها هو أمر ضروري، ويجب إيلاءه الأهمية المطلوبة، وأن يكون خطوة مدروسة على طريق التحضير الجاد لعقد المؤتمر الوطني الجامع لقوة المعارضة والحراك الثوري والعسكري والمدني لوضع خارطة طريق، ووسائل الانتقال إلى نظام تعددي، ديمقراطي .

رابعاً- في الوقت الذي لا نستبعد فيه التفاوض من أجل الحل مع أهل النظام من دون مجرميه، فإننا نشترط- وهذا أضعف الإيمان هنا- أن يُنفذ الحد الأدنى الوارد في النقاط الست، بما يضمن وقف صواريخ النظام وبراميله وغازاته السامة، وإطلاق الآلاف المؤلفة من المعتقلين، وفتح ممرات آمنة لإغاثة شعبنا في كل أماكن تواجده.. من أجل توفير جو ومناخ للسير بالتسوية السياسية.

وانطلاقاً من هذه المبادئ، نحدد موقفنا فيما يلي:

1- نحن إذ نرى أن لروسيا دوراً يمكن أن تلعبه ومسؤولية لا بد أن تتحملها، نرى أيضاً أن تأييدها للطاغية ونظامه بكل أنواع الدعم العسكري والسياسي،  جعل قيامها بدور الوسيط النزيه مشوباً وصعب التقبل، وإذ تتضح الكيفية التي توزع فيه الدعوات إلى الحوار في موسكو كذلك،  نرفض أن يلبي الائتلاف تلك الدعوة، ونطلب امتناع كل أعضائه عن ذلك أيضاً.

2- إن أي حوار في القاهرة (التي نرى فيها عاصمة للعالم العربي)، لا ينطلق من المبادئ المذكورة أعلاه ويلتزم بها، من حيث مضمون الوثائق وتركيب المتحاورين والمتفاهمين، هو قفز في الهواء، ومضيعة للوقت الثمين، وتفريط بحقوق شعبنا،  وترك الساحة مفتوحة أكثر لقوى الطغيان والتطرف. وهو بذلك يكون مرفوضاً من قبلنا. 

وعلى هذا ندعو قوى الائتلاف إلى الوحدة والتوافق، وقيادته إلى الالتزام بمحدداته وقراراته. كما ندعو قوى المعارضة والثورة في كل مكان ومن كل اتجاه، إلى حوار أو حوارات ضمن شرط استقلال القرار الوطني، ومن أجل هدف واحد يوحدنا، هو إنهاء المأساة وإسقاط الطاغية والطغيان، وبناء سوريا المستقبل،  في دولة مدنية تقوم على الحرية والديمقراطية، وتعيد إعمار البلاد على ما يستحق شعبنا وتضحياته التي فاقت التصور...

عاشت سوريا حرة وطناً ومواطنين

9/1/2015

التجمع الوطني السوري