الجامعة تبتكر "السياحة على حافة البركان"
الجامعة تبتكر "السياحة على حافة البركان":
المراقبون متفرجون.. أم شهود لنقل الحقيقة؟؟
محمد خليفة
الجامعة العربية تبتكر شيئا جديدا لا سابق له , إنه السياحة في بؤر التوتر الحقيقية للفرجة على مشاهد القتل والاستمتاع , بها ليس في مشاهد وحوادث سينمائية أثناء تمثيلها , بما فيها من إثارة , وإمكانية تعرف على الخدع السينمائية حيث يقتل العشرات , ولا يلبثون أن يعودو أحياء يرزقون .
لقد عرفنا حتى الأن أنواعا من السياحة التقليدية , سياحة الاصطياف والمناطق الجميلة والشواطىء , والسياحة التاريخية في المناطق الأثرية , والسياحة الدينية في المواقع المقدسة , وهناك في السنوات الأخيرة سياحة فضائية للأثرياء جدا , وغير ذلك من أنواع السياحة المعروفة , أما إرسال جامعتنا المحترمة مراقبيها إلى سوريا على النحو الذي يجري هذه الايام فهو ابتكار جديد لا سابق له أبدا , ولا بد له أن يسجل - حفظا لحقوق الملكية الفنية ! - باسم الجامعة العجوز , وباسماء المبتكرين , خاصة أمينها العام , وشركاؤه وزراء الخارجية العرب الذين أتحفونا بالمبادرة الخاصة بالأزمة السورية .
هؤلاء الذين أسموهم مراقبين ما هم في الواقع الذي ألت إليه تلك المبادرة الفريدة سوى حفنة من السياح , أو المغامرين الذين يريدون أن يكونوا فريق الاختبار الاول لتجرية السياحة على فوهة البركان السوري, والمخاطرة بأرواحهم في سبيل الاستمتاع بالفرجة على الأوضاع الساخنة في حمص حيث تجري عصابات الأسد تدريبات حية , بالذخيرة الحية لقتل الناس بلا تمييز أطفالا ورجالا ونساء , وهذه فرصة لا مثيل لها في أي مكان أخر من العالم للفرجة بالعين المجردة وعلى الطبيعة كيف تكون الذخيرة [ حية ] والانسان [ جثة هامدة ] .. ستكون فرصة نادرة للحصول على نوع من النشوة واللذة والدهشة لا مثيل لها ولا يمكن تكرارها , وسيكون بالامكان مضاعفة هذه المتعة بالتعرف عن قرب على بابا عمرو هذا الحي الاسطوري الذي عاد لتوه من جوف الماضي البعيد , حاملا معه صورا نادرة من أكثر مشاهد القتل في الحرب العالمية الثانية والحرب الفيتنامية إثارة وقوة ورعبا . ومناطق القصير وتلبيسة والرستن وتلكلخ التي أصبحت في الشهور الأخيرة أسماء وعناوين بارزة في نشرات الاخبار والفضائيات والصحف العالمية الرئيسية محاطة بالغموض والألغاز وموضوعا للريبورتاجات الميدانية المرعبة التي يتنافس الصحافيون على استراق بعض الصور منها .. سيكون بإمكان فريق المراقبين السياحي الاول لشركة الجامعة العربية , التعرف أيضا على مدينة درعا الفقيرة حيث كان للعالم كله قبل تسعة شهور أن يسمع للمرة الأولى عن معتقلات وأقبية "تستضيف " أطفالا لم يبلغوا الحلم , ويقوم ضباط استخبارات محترفون على أعلى درجة من الكفاءة ممكنة في العالم بنزع أظافرهم وسلخ جلودهم وإجراء عمليات صعبة ومميزة عديدة بلا تخدير ولا غرف خاصة بل في كهوف مظلمة وبأدوات بدائية , مما يدل على مهارة وبراعة لا مثيل لها في أي سجن أو معتقل في هذا الزمان الذي صارت فيه هذه الأشياء نادرة جدا ندرة الشهامة والأخلاق عند الدول والساسة الكبار . وسيكون بإمكان السياح الذين أرسلهم الخواجة نبيل العربي وانتقاهم من دول بعيدة عن سوريا لم يتح لهم من قبل زيارتها , أن يزوروا حماة تلك المدينة التي تعتبر متحفا تاريخيا مخصصا بأثار الحرب الهمجية لعصابات الاسد منذ نصف قرن على الشعب السوري , وبمقدور هواة العلوم المقارنة أن يجروا مقارنة بين مجازر 1982 ومجزرة 2011 في حماة , كما يمكنهم توسيع نطاق أبحاثهم بزيارة سجن تدمر وسجن صيدنايا وسجن الشيخ حسن وسجن كفر سوسة وسجن المزة التاريخي الشهير , فهذه المعتقلات ونظائرها هي متاحف سوريا الحقيقية , وهي مقرات أرشيف التاريخ السوري الحديث والمعاصر , حيث لا ينافسها مقر أخر أو مكتبة وطنية بحيازة معلومات ووثائق عن أخطر أسرار الدولة ! وسيكون بإمكان فريق المراقبة العربي وهويدشن سياحة الأماكن الخطرة أن يذهب إلى إدلب وجبل الزاوية وجسر الشغور وجبل الاربعين في اريحا لا ليستمتع بطبيعتها الخلابة ولا مناظرها الفريدة بل ليستمتع برؤية القرى وهي تدمر على الهواء مباشرة , والقتل الجماعي للبشر والحمير والأشجار والمزارع سواء بسواء , كما يمكمهم الاستمتاع برؤية معسكرات اللاجئين في وطنهم , وأشباههم في معسكرات اللاجئين على الجانب الأخر من الحدود عند الأشقاء الأتراك الذين نكثوا أيمانهم وحنثوا بها , وبإمكانهم التعرف على معاناة هؤلاء اللاجئين وألامهم ومأسيهم , ولكننا ننبه ضعفاء القلوب منهم ألا يشاركوا في هذا الجزء من البرنامج السياحي , لأنه يتضمن مشاهد وذكريات أشد مما سيق , خاصة قصص اغتصاب النساء والفتيات على أيدي الشبيحة , هؤلاء الذين أسند لهم المخرج الأول للفيلم الحي دور البطولة الثانية في كل ما يحدث في سوريا منذ عشرة شهور .
هناك مشاهد ومواقع ومناطق كثيرة بإمكان سياح الجامعة العربية أن يستمتعوا بزيارتها والاطلاع على الأحداث المرعبة التي تشهدها بما فيها المجاعات والمعاناة الانسانية بسبب نقص المواد الغذائية , وكذلك المستشفيات العامة التي ألحقت بمعتقلات الاستخبارات , وأزيلت الحواجز فيما بينها , وصارت أماكن تعذيب وقتل وتنكيل لا مثيل لها في أي مكان أخر في المجموعة الشمسية برمتها , ولا بد للسياح العرب أن لا ينسوا التقاط الصور التذكارية لهم من الأطباء الذين يشاركون ضباط الاستخبارات في عمليات التعذيب واننزاع الأرواح من الأجساد بطرق فنية مبتكرة جدا جدا .. !!
لكننا رغم كل ما يكتنف هذه المهمة التاريخية الرائدة لجامعتنا المحبوبة ننصح نبيل باشا العربي وشركاءه وزراء الخارجية العرب أن يعودوا أدراجهم فورا ويؤجلوا مهمتهم إلى وقت أخر لسببين , أما الأول فهو أن الفصل الان في سوريا هو الشتاء ببرده القارس , وزمهريره , وثلوجه وأمطاره الغزيرة , وهو وقت لا يناسب السياحة , خصوصا وأن البلد تعاني من نقص حاد بمادة المازوت التي تستعمل في الدوحة , فضلا عن أن السوريين الان مضربون وجميع المتاجر تقريبا مغلقة , ولن يستطيعوا ممارسة متعة التسوق في أسواق سوريا الشهيرة , ولا الاستفادة من زهد أسعار , وأما السبب الثاني فهو خشيتنا أن يسجل عليكم المشاركة الفعلية في جرائم الاسد وعصاباته القرمطية الحاقدة المحقونة بالعداء للعروبة والاسلام , مهما حاولوا هم التخفي وراء شعاراتهم المضللة . إن شعبنا السوري لم يعتد على مثل هذه السياخة المترفة والتي تدل على مبالغة في الترف والبطر واللهو , ولا نقبل أن تكونوا متفرجين تستمتعون بمشاهد قتلنا وتعذيبنا , ولا نقبل أن تكونوا مراقبين حياديين على جرائم مروعة نذبح فيها ذبح النعاج والدجاج فنحن لسنا فلما تسجيليا ولا خياليا بل نحن بشر من لحم ودم وروح , وكنا ننتظر منكم أن تقوموا بدور أخر , ومهمة أخرى .
أمامكم ثلاثة أيام فقط لتثبتوا أنكم جديرون بالاحترام والتقدير , وأنكم جئتم لحماية الشعب السوري , لا لمساعدة القتلة , وإلا فإننا سنطالبكم بالعودة فورا من حيث جئتم , سنعلن يوم الجمعة القادم [ جمعة المطالبة بطرد المتفرجين العرب ] .
نعم سنقول لكم عودوا إلى بلادكم فلستم أهلا للمهمة التي ننتظرها منكم ... عودوا : لا أهلا ولا سهلا بكم في سوريا إذا لم تثبتوا من اليوم الأول وقوفكم بجانب الضحايا لا بجانب العصابات المجرمة .
وللحديث بقية غدا