الربيع العربي وكينوناته
طه أبو حسين
الربيع العربي وما أدراك ما الربيع
لعل الحديث عن الربيع العربي شمل الألسن الناطقة بالعربية كلها وحتى سواها من الألسن المتحدثة بلغات أخرى.
كثيرون هم من يقفون عند هذا المسمّى" الربيع العربي" فمنهم من يؤمن بهذا المسمّى ، والبعض يسمّيه " الخريف العربي" ومنهم من يكتفي بمسمّى " الانتفاضة" مدعما رأيه بأن ما حصل ويحصل في البلاد العربية شبيه تماما بالانتفاضة الآولى والانتفاضة الثانية" انتفاضة الأقصى " في فلسطين، وتلك الانتفاضات كلها التي قام بها الشعب الفلسطيني على مرّ سنين نضاله وكفاحه.
لعل الجميع محقا في رأيه إن نظرنا من الزاوية التي ينظر منها ، لكن يبقى علينا أن ننظر إلى جميع تلك المسميات حتى نصل إلى المسمّى الحقيقي وان كان مسمّى رابع أو حتى خامس وسادس فلا ضير في المسميات إن توصلنا إلى الحقيقة بالشواهد والثوابت.
تلك واحدة" المسميات"والثانية تتمحور حول "جوهر" الثورات العربية ، وهي الركيزة الأساس في حال انطلاق أيّ جلسة حوارية تناقش أسباب تلك الثورات ، ويستمر النقاش بالداعم العلني أو الخفي لها ، وصولا إلى النتائج التي جسدت على ارض الواقع ، وتنبئنا بما سيحصل في المستقبل القريب والبعيد في آن .
لكل منظومته الفكرية التي يتّجه من خلالها إلى تحليل أسباب الثورات ، فالعربي المتدين يكاد لا يتفق برأيه مع العربي العلماني ، والاشتراكي رأيه في حالات كثيرة خلاف رأي الماركسي ، لكن تبقى هناك نقاط يلتقي فيها الجميع لعلّ أهمها " الضغط يولد الانفجار" مع بعض اللاكنات "لكن" لكل محلل من هؤلاء .
المحللون في ثلاث فئات رئيسة ، الآولى محللون يضعون لكل ثورة تحليلا خاصا ، والثانية محللون يمنحون الشرارة التونسية تحليلا خاصا وما تبعها من ثورات ، والثالثة محللون يضعون أسباب الثورات في البلاد العربية جميعها التي حصلت والتي ستحصل على حدّ تعبيرهم في حزمة واحدة وتحت أسباب واحدة. وقد تكون هناك فئات أخرى لكن الصدى الأوسع لهذه الفئات الثلاث .
الفئة الآولى تجزم بأن ما حصل في تونس وآتى أكله من ثمار تلك الهبة الجماهيرية "الثورة" التي أطاحت بحكم زين العابدين هي الثورة الوحيدة التي انطلقت بعفوية الجماهير التونسية ، وكانت ثورة حقيقية دون أي توجيهات من أي طرف داخلي" سياسي أو ديني" أو حتى من أي طرف خارجي لإنهاء سياسية الظلم والاستبداد والمطالبة بأبسط الحقوق الإنسانية والتي من أهمها الحرية والعيش بكرامة .
وفي تحليلهم لمجريات الثورة المصرية تجد بعضا يقول بأن ذلك امتداد طبعي للخلاص من جوانح الظلم والاستبداد ليعمّ الربيع العربي على مصر.
وآخرون يرون جماعة الإخوان المسلمين السارق الذي يجب أن تقطع يده ، معتبرينهم سارقي الثورة المصرية بعد أن كانت ثورة شعبية خالصة لا تشوبها غبار الأحزاب السياسية والدينية.
وعلى الصعيد الآخر تجد الإسلاميون ينكرون تلك الأقاويل التي تقال ضدهم ، مدعمين حديثهم بأن الشارع المصري هو من يريد خيار الإسلام " الإخوان المسلمين" ، وصندوق الاقتراع سيثبت ذلك للجميع .
مصر هي حكاية ولا بألف حكاية ، رأي الجميع فيها يكاد يكون صوابا، ويكاد يكون خاطئا ، متأرجحة حتى يأخذنا التاريخ لبعد مئة عام من اليوم لنقرأ ما كان يحاك خلف الكواليس ، لعلنا ندرك الواقع المصري بحقيقته ، هذا إن كان مدوّن التاريخ منصفا ....!!!
المجلس العسكري المصري عبر وسائل الإعلام نجده تارة يحمي الشعب وأخرى يقتله ، والبلطجية ينسبهم البعض لأتباع النظام السابق" نظام حسني مبارك" وآخرون يلجئون أمرهم إلى أحزاب داخلية سياسية ودينية من شأنها أن تعكر استقرار الشارع المصري حتى يتسنى لها توجيه عجلة الثورة خدمة مصالحها الحزبية ، ومنهم من يرجع أسباب الفوضى إلى جهات خارجية ساعية في الهيمنة على الاقتصاد المصري بالدرجة الآولى .
الفئة الثانية تكاد تتفق مع الفئة الآولى بأن الثورة التونسية هي الثورة التي انطلقت بحرق بو عزيزي لجسده تعبيرا عن رفضه لحياة تفتقر لأبسط الحقوق الإنسانية ، فهي تؤمن بشفافية الثورة التونسية وان وضعت تلك الفئة ملامس اللاكنات"لكن" على خواتيم الثورة التونسية.
وتضع باقي الثورات العربية والتي تعتبر امتدادا للربيع العربي المنطلق من تونس في بوتقة واحدة بأن ما يحدث في هذه البلاد من ثورات ما هي إلا سياسة تحاك بعقول خارجية وتنفذ بأيدي داخلية لخدمة مصالح دول أجنبية . وهم في اصرار كامل على هذا الرأي رغم وجود دلالات كثيرة تفند هذا الرأي ، لعل هذه الفكرة نابعة من هاجس " الغرب" والتدخل الأجنبي ...!!!
أما الفئة الثالثة وهي الفئة التي توصف بالفئة العاطفية التي تفكر بقلبها دون عقلها ، وهي التي تدعم فكرة أن الثورات العربية قاطبة هي ثورات حقيقية ولا علاقة لأطراف داخلية حزبية سياسية كانت أم دينية ، أو أطراف خارجية لها مصالح اقتصادية سياسية ...الخ
يبقى القول بأن الثورات العربية بمدلولاتها الأولية هي فعليا قائمة على أساس التخلص من الظلم والاستبداد والحياة التي تكاد لا ترتقي بالحيوان فكيف إن كانت بالإنسان الذي كرّمه الله ، فهي الساعية من أجل توفير أبسط الحقوق الإنسانية " الكرامة ، الأمن ، حرية الرأي والتعبير...الخ".
الربيع بحلّته جميل ، وبأزهاره منير ، فالأرض تحلو بالرداء الأخضر حينما يكسى بأبيض الورود وأحمرها ،ومن فوقها صفاء السماء بأزرق اللون ، حقا الربيع رائع جدا ، لكن .....!!!
هناك ورود سامة ، إن شممنا رائحتها قتلتنا ، وأخرى أن تذوقناها أماتتنا ، وهناك أزهار لا رائحة لها رغم جمالها ...!!!
فلا بد لنا من دليل يرشدنا ، ومن طبيب يداوينا .... !!!
والدليل بين أيدينا لمن أراد الدليل...