تطور الصراع في سورية

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

قام حافظ الاسد بانقلابه على رفاقه في شهر تشرين الثاني من عام 1970 لينفرد بالسلطة وحده . ، وغيّب كل منافسيه في غياهب السجون والمعتقلات، وحكم البلاد بيد من حديد ، وطال بطشُه كل مكونات الشعب السوري ، ونفذ مجزرة وحشية بالإسلاميين راح ضحيتها عشراتُ الآلاف من صفوة المثقفين والعلماء والمفكرين ، وحوّل سورية مزرعة خاصة به وبأسرته ، فحكم بالقوانين الاستثنائية وسلب اقتصاد البلاد وكرس الفئوية ، واعتمد على طائفته والموالين له في تثبيت حكمه. ثم ورّث حكمَه لولده الثاني بشار عام ألفين للميلاد ، فسار سيرة والده في اضطهاد الشعب ...

وحين انطلق الربيع العربي في تونس ومصر يحطم قيود الظالمين أعلن بشار أن سورية غير تونس ومصر ، ولما انطلقت الثورة في ليبيا أمدّ القذافي بالسلاح والطيارين .. واستهان بشعبه وشدد الخناق عليه . وكان يظن أنه دجّنهم  وأمِنَ ثورتهم على ظلمه ، ونسي أو تناسى أن للظلم نهاية وأن الشعب السوري من نسيج الأمة الأبية التي تتحمل ، ثم تثور على الطغاة ، ثم تقتلعهم بإذن الله، فكانت الثورة المباركة في 15- 03- 2011 .

انطلقت  المظاهرات تنادي بالحرية والإصلاح  أولاً ، لكنّ النظام استهان بشعبه وحاول قمعه بقهر وغلظة ،وتصرف تصرفاً أرعن فبدأت الجموع تتحرك ابتداء من درعا ثم إدلب وحماة وحمص والساحل والمحافظات الشرقية وانتهاء بأؤياف دمشق وحلب ، فما كان من النظام إلا أن حرك أمنه وجيشه وشبيحته واستورد من الدول المؤيدة له والأحزاب الحليفة قتلة مأجورين لقتل شعبه الذي يدّعي بشار زوراً وبهتاناً أنه يحبه .

وأعلن النظام قولاً وعملاً  عداوته للشعب فدفع جيشه لضرب المدن والبلدات والأرياف ،ووظف أمنه وشبيحته لاصطياد المتظاهرين فكانت الإصابات في مقتل : (الصدر والعنق والرأس) ووظف شريحة كبيرة من طائفته التي عمد أن تكون في خندقه وربط مصيرها بمصيره ، وأبى العقلاء منها أن يتورطوا في جريمته ، وصبر المتظاهرون المطالبون بحريتهم ، فلما أبى النظام النزول على مطالبهم الطبيعية ارتفعت حناجرهم بإسقاط النظام ورأسه ، وانضم إليهم عناصر من الجيش الذين أبَوا أن يخالفوا عقيدتهم القتالية في الدفاع عن الوطن وأهله  وقاموا بالدفاع عنهم . وبدأ الشرفاء ينشقون تباعاً ملتحقين بمن سبقهم في الذود عن الحق وأهله، فبلغوا عشرات الآلاف  وانخرطوا في كتائب منظمة منبثة في أنحاء سورية الملتهبة.

تتجلى قوة الشعب في معرفة الهدف الذي يطالبون به ويسعون إليه ، وفي معرفة عدوهم ( صلفه ومراوغته ومحاولة الالتفاف المكشوفة والوعود الفارغة وإصدارالقوانين الكاذبة  والإعلام الصفيق) وتكمن قوة النظام في جذوره المتشعبة منذ خمسة عقود واعتماده على نظام مالي يسيطر عليه العصبة الحاكمة ،ونظام ٍ أمني منبث في كل قطاعات الدولة وعلى كثير من المنتفعين الذين ربطوا مصيرهم بمصيره ، وشبكةٍ عربية وعالمية تربطها المصالح المادية والمصيرية.

يرتبط النظام بتحالفات عقدية يحتمي بها ويعتمد عليها في الدفاع عن مجموعته ( الهلال الشيعي) المؤلف من إيران والعراق وسورية ولبنان . وقدمت له إيران والعراق الدعم اللوجستي والدعم العسكري وأرسل حزب اللات المئات من جنوده ليقاتلوا مع النظام المتظاهرين وجيشَ سورية الحر . ويضرب النظام على وتر الخوف من التغيير الذي يطال الأمة العربية كلها فيدفع الحكام العرب إلى التغاضي عن جرائمه بحق شعبه على مدى ستة أشهر من الثورة المباركة إلى أن تحرك هؤلاء على استحياء في مطالبته بالإصلاح فقط وقدموا له المهلة تلوَ الأخرى وما يزالون ، بينما هو غارق في قتل شعبه يغتنم الفرص المقدمة له يحاولُ كسر حدة الثورة بل إجهاضها ، وتقول الجامعة العربية أنها تحاول إحكام الضغط على النظام قبل أن تتخذ قراراً برفع القضية إلى الأمم المتحدة .

وتقف أوربا وأمريكا على مدى الشهور التسعة ناصحة للنظام أحياناً ومطالبة لرأسه بالتنحي مرة ، ومغضية أحايين أخرى . ومن المحتمل –حين تتأزم الأمور وتشعر الدول الغربية أن مصالحها تتأرجح أو تخسر بعض مواقعها-  أن تتخلى الولايات المتحدة وأوربا عن دعم النظام السوري ، ولعلها رأت أن الربيع العربي سوف يتجاوزها إن لم تتعامل بواقعية فيما يجري في البلاد العربية.

أما الصين وروسيا فقد كان لمصالحهما الاقتصادية وللموقع العسكري  الممنوح لروسيا على الساحل السوري – وهو الموقع الوحيد اليوم لها في البحر المتوسط - دور في دعم النظام والدفاع عنه. إن المعارضة السورية قليلة الخبرة - على ما أظن - ما تزال بطيئة في التعامل مع الصين وروسيا وغيرهما ولعل إقناعهما بالتخلي عن دعم النظام يحتاج إلى جهود كثيرة ومفاصل لا تمتلك المعارضة إلا القليل منها حتى الآن.

وقفت تركيا ذات المصالح الاقتصادية المشتركة مع سورية على مدى سنوات في موقع وسط ابتداء ، فهي – للحفاظ على هذه المصالح المادية مع النظام وللرغبة في تمتين العلاقات معه ولأمنها ، فلها حدود طويلة مع سورية – تنصحه أن يقدم إصلاحات لشعبه ، فلما لم تجد منه أذناً صاغية وبدأ الآلاف في اللجوء إلى أراضيها أعادت تقديم النصح بوتيرة أعلى قليلاً ، ثم تطورت الأمور إلى مهاترات إعلامية تبعها اللعب بالأوراق التي يمتلكها الطرفان ( إثنية كردية ، طائفة علوية ) يحركها النظام السوري في تركيا و( إمداداً لوجستياً ودعماً سياسياً ) للمعارضة السورية تتبناها تركيا . ولن تستطيع تركيا أن تتدخل بثقل واضح في القضية السورية ما لم تملك تفويضاً واضحاً وغطاءً من النظام الدولي كي لا تتحول الأمور إلى حرب إقليمية ، فتركيا على الرغم من إمكاناتها المتقدمة عسكرياً واقتصادياً ففيها بؤر داخلية متوترة ( أكراد وعلويون وعلمانيون ) وهناك  تحديات وإثبات الذات أمام السوق الأوربية المشتركة التي تأبى أن تقبل تركيا شريكاً فيها.

إن إيران التي تسعى جاهدة لتكون القوة الإقليمية الأولى في المنطقة وتعمل لذلك منذ عقود ثلاثة ترى في سقوط النظام السوري انهياراً لمخططاتها وأهدافها وعودتها إلى المربع الأول ، ففي سقوط النظام السوري سقوط لحزب الله في لبنان وانكفاء لتقدمها المخطط له في مصر والأردن والمغرب العربي ، وقد يسقط العراق بيد السنة من جديد بدعم من تركيا والنظام الجديد في سورية . وسوف تتنفس دول الخليج الصعداء لابتعاد الخطر الإيراني عنها ، فقد أعلن أحد نواب الكويت أن انتصار الثورة السورية انتصار شبه كامل للخليجيين على التغول الإيراني  عبّرَ عنه بقوله : (إنه انتصار لنا بنسبة تسعين بالمئة. ) ومن ثَمّ دعا الخليجيين شعوباً وحكومات لدعم الثورة السورية دعماً قوياً .

إن سبب التوتّر في تصريحات حكام إيران وحزب الله خوفهم الواضح من سقوط الأسد فهم يروجون للمصالحة ويدعون لها  دون أن يطلبوا من حليفهم تقديم إصلاحات حقيقية.

 إن الحوار الذي يدعو إليه النظام وتدعمه بعض الدول العربية والشرقية وروسيا والصين غير وارد ،إذ لا حوار بين الدبابة واللسان وبين الضحية والجزار الذي تحصد آلته القمعية عشرات الشهداء يومياً ، وإذا كان لا بد من حوارٍ ففي أسلوب تسليم السلطة ليس غير.

إن المتتبع للثورة السورية يرى أن النظام غير قادر على إجهاض الثورة ، ولعل الانشقاقات المتتالية في الجيش يضعفه ويقوي الثائرين على مدى اشهر تقل أو تكثر . كما أن الثورة على المدى المنظور ليست قادرة على إسقاط النظام واقتلاعه بين عشية أو ضحاها كما حدث في تونس ومصر.

من السناريوهات المحتملة :

1-     منطقة عازلة على الحدود التركية يحميها الطيران ، يلجأ إليها الجيش الحر  ومنها ينطلق لتحرير سورية ، ومن المحتمل أن تتخلخل قوات النظام حين ينحاز كثير من أفراده إلى الجيش الحر .

2-     انقلاب عسكري يرافق الاحتمال الأول فيعجل بسقوط النظام .

3-     صدام بين الفرق العسكرية يرافق الاحتمال الأول فيعجل بسقوط النظام كذلك. وتفتت النظام الأمني الذي يعتمد عليه النظام. 

4-     من الاحتمالات القوية التي تسارع في سقوط النظام تدهور الليرة السورية مما يسخط الساكتين والمتريثين في المدينتين الكبريين دمشق وحلب فتنضمان بثقلهما إلى الثورة التي تعجل برحيل النظام .

5-     إن وقوع حرب أهلية احتمال ضعيف  فعقلاء الطائفة العلوية تعلم أنها نسيج سوري أصيل وأن النظام ساقط  بإذن الله ، وأنها في غنى عن  تأييده .

6-     إن استمرار الثورة السورية وانتقالها إلى الإضراب العام والاعتصامات الناجحة دليل على إصرار الشعب  لنيل حريته وحقوقه المشروعة  ، هذه سنة الحياة.