بشار الأسد وضميره
حسام مقلد *
في مقابلة تليفزيونية مع شبكة (ABC) الأمريكية نفى بشار الأسد مسئوليته عن مقتل نحو خمسة آلاف سوري واعتقال وتشريد عشرات الآلاف الآخرين، وعلل ذلك بأنه مجرد رئيس لسوريا وليس مسئولا عن أجهزتها الأمنية!! وقال: إنه مرتاح الضمير، ولا يشعر بالذنب تجاه آلاف الأرواح التي أزهقها هو ونظامه، وأضاف: أنه غير مقتنع بالأمم المتحدة، وأنها مجرد لعبة يلعبها ولا يؤمن بها!!
وإذا كان هذا هو رأي بشار في الأمم المتحدة، فمؤكد أن رأيه ورأي نظامه في الجامعة العربية سيكون أكثر استخفافا وسخرية!! ولعلنا نفهم الآن سر تلاعب النظام السوري بقرارات وزراء الخارجية العرب، وتعامله المهين مع (المهل العربية) فهو يراها مجرد كلام فارغ وجعجعة بلا طحن؛ وبالتالي فلا غرابة أن يرتكب بشار ونظامه بضمير مرتاح كل هذه الجرائم المتوحشة والمجازر البشعة يوميا بحق الشعب السوري الأعزل، فهو يأمن العقاب وطبيعي جدا أن يسيء الأدب، ولسان حاله يقول: شعبي وأنا حر فيه، وأعلى ما في خيلكم يا عرب اركبوه!!
والغريب أن هناك من بين الزعماء والسياسيين العرب من لا يزال يأمل أن يستجيب نظام البعث السوري لخطة جامعة الدول العربية لحل الأزمة السورية عربيا بأقل الخسائر الممكنة، ويتأكد كل يوم للجميع أن هذه مجرد أوهام، وأن النظام الطائفي في سوريا أسقط العرب وجامعتهم من حساباته نهائيا وأن له حساباته الخاصة التي تراهن على مواقف أطراف دولية تدعمه بقوة كروسيا وإيران.
وقد ذهب الكاتب البريطاني (ديفد هيرست) بصحيفة الجارديان إلى أن الدعم الروسي للنظام السوري دعم استراتيجي، ودلل على ذلك بمجمل المواقف الروسية من الأزمة السورية كمعارضة وزير خارجية روسيا فرض حظر على بيع الأسلحة لسوريا، مبررا ذلك بأن الجماعات المسلحة هي التي تستفز السلطات السورية، وذكرت قناة (روسيا اليوم) أن موسكو سترسل حاملة الطائرات أدميرال كوزنيتسوف، ترافقها سفينتان حربيتان في جولة لمدة شهرين بالبحر الأبيض المتوسط، وستتوقف في ميناء طرطوس السوري.
ولا يخفى على أحد أن روسيا لا يهمها في النهاية سوى مصالحها الاقتصادية والسياسية الكبيرة مع النظام السوري، وقد ذكرت صحيفة (موسكو تايمز) أن الاستثمارات الروسية في البنية التحتية والطاقة والسياحة السورية بلغت (19.4) مليار دولار عام 2009م، وهناك عقود مبرمة بين الجانبين بصفقة سلاح روسي لسوريا قيمتها أربعة مليارات دولار، وتتحدث الأنباء عن نحو (600) خبير وفني روسي يعملون حاليا لتجديد ميناء طرطوس السوري لاستخدامه كقاعدة للسفن الروسية.
كل هذا الدعم الروسي جعل بشار الأسد يظن أن موقف روسيا مع نظامه موقف استراتيجي لن تتراجع عنه، ولن تضحي به، وسبب ذلك في رأيه أنه لا ثمن يمكن تقديمه لروسيا يوازي خسارتها لسوريا؛ فذلك كما يرى يعني خروج روسيا الاتحادية نهائياً من الشرق الأوسط، إضافة لمخاوفها الجيوإستراتيجية من انتقال عدوى الربيع العربي إليها.
ويهدد بشار الأسد بإشعال حرب طائفية طاحنة في المنطقة العربية تمتد آثارها المدمرة للعالم أجمع، ويراهن على ضعف الأميركيين في العراق، وإنهاكهم الشديد في أفغانستان، وهو متأكد من عدم حدوث أي تغير جوهري في مواقف أغلب الدول العربية نحو نظامه رغم صدور قرار العقوبات ضده، وهو مقتنع تماما بأن تركيا لا يمكنها أن تتدخل على الأرض في سوريا لأن ذلك سيفتح عليها أبواب الشرور!
كل ذلك قطعا من شأنه ـ نظريا ـ أن يسكِّن خواطر الأسد ويعزز من ثقته بمستقبله ومستقبل نظامه، لكن هذا مجرد وهم لن يمكث طويلا، وعلى المعارضة السورية ألا يضعفها هذا الوضع الزائف، فبشار في الحقيقة مرعوب رغم كل ادعاءاته، والخوف والفزع من المصير المحتوم بدأ يدب في أوصاله وأوصال نظامه، ويجمع المحللون على أن ساعته قد اقتربت، فسنة الله ماضية وما جرى على كل الطغاة عبر التاريخ سيجري حتما على بشار الأسد ونظامه القمعي المتوحش، ولن تختلف نهاية طغاة سوريا عن نهاية القذافي ونيكولاي تشاوتشيسكو وغيرهما من الطغاة المستبدين.
وينبغي للمعارضة السورية أن تبعث برسائل الطمأنة لكافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وأن تسير في أكثر من اتجاه بحثا عن سبل عملية ناجزة لإزاحة هذا النظام الفاسد المستبد عن كاهل السوريين، والشعب السوري البطل أمانة في عنق كل فرد في المجلس الوطني الانتقالي السوري، بل إن الدفاع عن هذا الشعب الأبي أمانة في عنق كل إنسان حر في هذا العالم، وإذا كان بشار الأسد يزعم أنه ينام قرير العين مرتاح الضمير رغم كل هذه الفظائع والجرائم البشعة التي ترتكبها زبانيته يوميا بحق السوريين، ورغم حمامات الدماء النازفة منذ تسعة أشهر، فهذا يدل على انتكاس وارتكاس في الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، ولا غرابة في ذلك فمن يوافق على أن يسجد له الناس من دون الله تعالى لن يشعر بوخز الضمير وهو يرى جثث آلاف الأشخاص من الرجال والنساء والأطفال تتكدس أمام ناظريه، وتتناثر أشلاؤها حوله من كل جانب دون أن تطرف له عين!!
* كاتب إسلامي مصري