قراءات في صعود الإخوان

حسام مقلد *

[email protected]

يمثل الفوز الساحق للأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية في عدد من الدول العربية مؤخرا ظاهرة سوسيولوجية تستحق التأمل والدراسة، وليس بخافٍ انتشار فكر الإخوان المسلمين في كثير من دول العالم، بل إن لهم تواجدًا حيًّا وفعَّالا في نحو ثمانين دولة، وها هي حركة النهضة تفوز في أول انتخابات حرة في تونس بنسبة (41٪) من مقاعد المجلس التأسيسي، وفي المغرب فاز حزب العدالة والتنمية الذراع السياسية للإخوان بـنسبة (27٪) من البرلمان، ويتوقع أن يفوز حزب الحرية والعدالة في مصر بنحو (35٪) من مجلس الشعب بعد انتهاء جميع مراحل الانتخابات، ورغم أن الإخوان قادرون على الفوز بالأغلبية في حال أقيمت انتخابات حرة موافقة للمعايير الدولية، إلا أنهم يؤكدون دائما وفي كل مناسبة حرصهم على المشاركة لا المغالبة.

ومؤكد أن هذه المعطيات لها دلالات سياسية بالغة الأهمية، وستحظى برؤى وقراءات إستراتيجية متنوعة، ومقاربات سياسية محلية وإقليمية ودولية مختلفة؛ لأن فوز الإخوان المتزامن في عدة دول وبهذه الكيفية المتشابهة يشير إلى أن الدول العربية مقبلة على تغير سياسي كبير، والرهان الآن هو على كيفية تعامل السلطات العسكرية والأمنية فضلا عن العلمانيين والليبراليين مع موجة صعود الإسلام السياسي، فهل سيقبلون بالإسلاميين شريكا في الحكم والسلطة أم لا؟  

بالنسبة للجيش فأعتقد أن قراءته لفوز الإخوان المسلمين ستكون واقعية، وأزعم أن العسكريين كغيرهم كانوا يتوقعون فوز الإسلاميين في أية انتخابات حرة نزيهة، وأتصور أن لديهم رؤية إستراتيجية عميقة ومتوازنة للأمر بكافة أبعاده، وبالتالي أتوقع أن يتوصَّلوا مع كل الأطراف إلى صيغة توافقية ما تنسجم وتتسق مع الأشواق الشعبية العارمة في اختيار الإسلاميين، وفي نفس الوقت تقوم بدورها في حماية الأمن القومي، والحفاظ على المصالح الإستراتيجية العليا للوطن.

ومن أخطر التحديات التي ستواجه الإخوان موقف القوى الإقليمية والدولية منهم، وكيف ستقابل فوزهم الكاسح في الانتخابات؟ وكيف ستتعامل مع الحكومات التي سيشكلونها؟ وما أثر ذلك في المنطقة والعالم؟ ولا شك أن قراءة القوى الدولية الكبرى للمسألة ستختلف عن القراءات المحلية والإقليمية، وأحسب أن تلك القوى كانت على علم مسبق بإمكانية فوز الإخوان إذا جرت الانتخابات في مناخ ديمقراطي صحيح، ولعل سابقة فوز حماس بالأغلبية في الانتخابات الفلسطينية كانت مؤشرا قويا على إمكانية تكرار نفس التجربة متى ما أجريت انتخابات نزيهة، وأظن أن القوى الغربية حاولت تأخير ذلك قدر المستطاع، لكن الربيع العربي فاجأ الجميع ولعله يجبرهم على التسيلم بالخيار الديمقراطي للشعوب العربية التي عليها أن تؤكد باستمرار أن هذا الخيار أصبح من ثوابتها السياسة، ولا رجعة عنه بتاتا، ومن ثم يجب على الغرب قبول الإسلاميين وإدماجهم كشركاء في  السياسية الدولية.

وعلى الإخوان أن يعوا طبيعة وحجم التحديات التي تنتظرهم بعد هذا الفوز الكبير وهي تحديات ليست بالسهلة أبدا، فأمامهم استحقاقات وتحديات كبرى على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والجميع في الداخل والخارج يتابعون ويرصدون بكل دقة كيف سيتعاملون وهم في السلطة مع أطياف المجتمع المختلفة وشرائحه المتعددة؟ وكيف ستكون علاقاتهم الداخلية والخارجية؟

إن النجاح في ممارسة الحكم لا يتأثر بحجم الأصوات المشارِكة في الانتخابات بل بفعالية السياسات المتبعة بعدها، والتمتع بالمرونة الكافية والقدرة على المناورة السياسية، ومواجهة الضغوط والتحديات المختلفة داخليا وخارجيا، وتحقيق المطالب الشعبية المتعطشة للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وبناء الديمقراطية الحقيقية، وهذا كله يفرض على الإخوان المسلمين ضرورة تحقيق إنجازات عملية سريعة يلمسها الناس في حياتهم اليومية، وتعزيز شعور المواطنين بالأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي، والبرهنة العملية على التزامهم التام بقواعد اللعبة الديمقراطية، وترسيخ مبدأ تداول السلطة.

                

 * كاتب إسلامي مصري