مطالبات بمنطقة عازلة في سوريا
وتضييق دولي على النظام
"المنطقة العازلة مطلبنا" كان العنوان ليوم الجمعة الذي عبّر عن مطلب لا زال ينادي به السوريين منذ أشهر عديدة، وبات أحد المطالب الرئيسية للثوار والجيش السوري الحر، فالمظاهرات التي انتشرت في كافة مناطق سوريا كانت دلالة على ذلك، وقد شهدت المظاهرات محاولة كبيرة لقمعها، ففي اللاذقية بدأت مظاهرة صباحية قبل إحاطة الأمن بالمساجد ثم تلاها الأمن بتشديد كبير وحملة اعتقالات من أمام المساجد، وفي مدينة حمص هزّ قصفٌ عنيف تلكلخ وحرق لمنازل ناشطين فيها وقطع التيار الكهربائي عنها وعن حي باباعمرو، أما مدينة الرستن فقد شهدت إطلاق كثيف للنيران وإعلان منع تام للتجول في المدينة، وفي الحولة والخالدية قامت قوات الأمن بالهجوم العنيف لتفريق المظاهرات فيها، كانت حصيلة مظاهرات الجمعة ما يقارب 23 شهيداً.
يوم السبت لم يكون في سوريا بأهدأ من جمعتها فقد خرجت العديد من المظاهرات بالإضافة إلى تشييع لشهداء الجمعة في مناطق عدة، مما أدى لانتشار أمني كثيف في أغلب مناطق دمشق وأصوات إطلاق نار في حي المهاجرين، سقط على إثرها عشرون شهيداً، بينهم طفلان عشرة من حمص وخمسة من إدلب واثنان في درعا وواحد في كل من دوما والضمير وحماة.
الأسبوع الماضي شهد ازدياد عدد المناطق المحتجة في مدينة دمشق بعد مداهمات منازل بعض الناشطين في أحياء الصالحية وركن الدين، مما أدى إلى خروج مظاهرات من أحياء القنوات والشاغور وغيرها في المدينة القديمة وفي منطقة المهاجرين حيث يقع القصر الرئاسي، كما خرجت مظاهرة في منطقة البرامكة قرب وكالة الأنباء السورية سانا. ولا تزال هناك أزمة في غالبية المدن السورية فيما يخص الغاز والوقود برغم البرد القارص، وبحسب مواطنين أن سبب انعدام الوقود هو استخدامه في الدبابات والمعدات العسكرية.
أما فيما يخص تطوير المحتجين السلميين في سوريا لأساليب جديدة قامت مجموعات من المتظاهرين بتصميغ أقفال المحال والمراكز الحكومية، كما قاموا بتوزيع بعض المنشورات ذات العلاقة بالثورة، إضافة إلى تغيير أسماء بعض شوارع دمشق إلى أسماء شهداء من الثورة، و دعوة لإضراب عن حضور المحاضرات الجامعية في حملة جامعات بلا شبيحة في إشارة إلى استباحة حرمها وانتشارهم بشكل كثيف وتعرض الطلاب للضرب واعتقال في الجامعات، وقد لاقت الحملة قبولا إلى حد جيد، ففي حلب رُفع علم الاستقلال في كلية طب الأسنان، وفي جامعات حمص ودرعا خرجت مظاهرات منادية بإسقاط النظام وبالحرية للشعب السوري.
في مدينة داريا بريف دمشق وبحسب شهود العيان، قام طلاب وطالبات بقلب المسيرة المؤيدة للنظام التي أُجبروا على الخروج فيها إلى مظاهرة مطالبة بإسقاط النظام وإعدام الأسد، وبالرغم من كل التواجد الأمني الموجود في المظاهرة، الأمر الذي أدى إلى قيام الأمن والشبيحة بالهجوم على المتظاهرين وإطلاق الغازات السامة والمسيلة للدموع لتفريق المظاهرة، واعتقال عدد من الطلاب وطالبتين.
أما في تلكلخ بمحافظة حمص وردت أنباء عن اشتباكات وعمليات نفذها الجيش الحر للدفاع عن المدنيين العزل ضد الحواجز الأمنية، ورد عليها النظام بحملات اعتقالات واختطاف لبعض النساء والأطفال وهجوم موسع على منازل البلدة وإحراق بيوت الناشطين، كما ذكر ناشطون أن أكثر من ٨٠ دبابة ومضادات طيران قدموا للبلدة على إثر ذلك قام الجيش الحر بانسحاب تكتيكي من البلدة يوم الخميس في محاولة للتخفيف عن أهلها من بطش النظام، وفي سياق متصل ذكرت مصادر من كتيبة أحمد الخلف قيامها بعملية نوعية في بلدة المسيفرة بدرعا يوم الثلاثاء أسفرت عن تفجير 3 باصات، مما أدى إلى مقتل 32 وإصابة العشرات من قوات الأمن، كما تم الإعلان عن تشكيل كتيبة أسامة بن زيد التابعة للجيش الحر في ريف إدلب، ولوحظ تزايد في الانشقاقات في حمص وجبل الزاوية من مرتبات أمن الدولة ومجندين من المخابرات العامة.
من جانبه يتحدث شهود عيان عن مجيء 11 باص محمل بقوات أمنية من جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر في العراق ليصل عددهم بذلك إلى حوالي 500 عنصر بعد وصول دفعات في الأسابيع الماضية بحسب شهود عيان.
وفي إطار تصعيد الأمن للعنف في بلدة داعل التي تتعرض لقصف وصف بالـ"جنوني" للنيران على خلفية اشتباكات بين الجيش الحر وقوات الأمن أدت إلى انتشار المروحيات فوق المدينة، استمرت الاعتقالات والانتشار الأمني، مما اضطر على الأهالي إخفاء المصابين في البيوت خوفا من الاعتقال، وفي بلدة رنكوس في دمشق التي تعاني منذ أيام قصفاً عنيفاً وسقوط أعداد من الشهداء فيها لوحظ بحسب شهود عيان بدء انسحاب الآليات والمدرعات بمغادرتها نحو يبرود في جبال القلمون.
وفي تطور جديد بما يخص تحركات الجيش الحر، اجتمع رئيس المجلس العسكري الليبي مع قادة الجيش السوري الحرّ في اسطنبول وعلى الحدود التركية ـ السورية، حيث تحدث الجانبان عن أنجع الطرق لتأمين أسلحة وأموال للمساعدة في الحراك ضد نظام الرئيس الأسد، وفق ما كشفته ديلي تلغراف البريطانية.
وعلى الصعيد الدولي أقر وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الذي عقدوه بالقاهرة مجموعة من العقوبات الاقتصادية ضد الحكومة السورية، وتتضمن العقوبات تجميد الأموال السورية ووقف التعامل مع البنك المركزي السوري ووقف الاستثمارات، وأوضح رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري أن 19 دولة وافقت على القرارات، الموافقة التي وصفها الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بغير المسبوقة ضد الحكومة السورية، في حين اعترض العراق وامتنع لبنان عن اتخاذ موقف تحت عنوان النأي بالنفس، هذا و قد رحبت الإدارة الأمريكية بهذا القرار الذي اعتبرته إشارة واضحة إلى رفض العنف وجهتها الجامعة العربية إلى النظام السوري، كما أشاد به وزيري خارجية بريطانيا و فرنسا، كما أضاف وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أن بلاده تأمل أن تساعد هذه الخطوة على إنهاء ما وصفه بصمت الأمم المتحدة على الأعمال الوحشية المستمرة التي تحدث في سوريا. من جهته قال وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو الأحد أن بلاده ستدعم مجموعة العقوبات التي فرضتها الجامعة العربية على سوريا في اجتماع لوزراء الخارجية العرب في القاهرة. وعبّر الإتحاد الأوروبي عن ترحيبه بالقرار الذي وصفته المتحدثة باسم الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح. من ناحيته وصف السفير الألماني العقوبات التي فرضتها جامعة الدول العربية على سورية بأنها تاريخية، ورأى أن مجلس الأمن الدولي لا يمكنه أن يبقى جامدا حيال ما قامت به الجامعة العربية، موضحا أن مناقشات بشأن قرار محتمل سوف تبدأ قريبا.
وفي ذات السياق دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سورية في قمة عقدت في واشنطن إلى وضع حد فوري للعنف. كما أكد السفيران الأميركي والألماني في الأمم المتحدة أن الوقت قد حان كي يستأنف مجلس الأمن المناقشات حول مشروع قرار يدين قمع المتظاهرين في سورية، بعد أن طلبت منظمة العفو الدولية من المجلس التحرك بسرعة وبطريقة حاسمة بشأن سورية بهدف وقف القمع. وفي هذه الأثناء دعا نائب الرئيس الأميركي الرئيس السوري للتنحي عن السلطة.
من جهة ثانية شدد رئيس الوزراء البريطاني ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري على ضرورة متابعة الحوار مع المعارضة السورية من أجل تأمين عملية انتقال ديمقراطي، من جانبه قال وزير الخارجية التركي إن العقوبات التركية على سورية جاهزة وستعلن بعدما يلتقي مع الرئيس ورئيس الوزراء التركيين، وقال وزير خارجية تركيا إن تركيا ستعلق كل التعاملات المالية مع سوريا وستجمد أصول الحكومة السورية في إطار العقوبات، كما أضاف في مؤتمر صحفي أن تركيا ستوقف تسليم كل الأسلحة والإمدادات العسكرية لسوريا في إطار الإجراءات التي تهدف لإقناع الأسد بوقف حملات العنف على المحتجين المطالبين بالديمقراطية.
وقد انتقدت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في وقت سابق من هذا الأسبوع الانتهاكات الفاضحة والمنهجية لحقوق الإنسان في سورية ومنها حالات تعذيب أطفال، وقرر مجلس حقوق الإنسان إحالة تقرير لجنة التحقيق إلى الأمين العام للأمم المتحدة ليقرر التحرك الملائم، كما طالبت منظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى الأربعاء في نيويورك مجلس الأمن الدولي بأن يحيل ملف القمع الدامي للتظاهرات في سوريا على المحكمة الجنائية الدولية.
و في الجانب الاقتصادي قال الرئيس التنفيذي للجناح السوري لبنك البركة إن الاضطرابات التي عرفتها سورية منذ أشهر أدت إلى تقلص السيولة المتاحة أمام البنوك السورية بـ20% في الربع الثالث من العام 2011، وتراجع الإقراض بـ16%، وقال المكتب الإعلامي لحكومة دبي على صفحته على موقع تويتر إن شركات الطيران الإماراتية ستعلق رحلاتها لسوريا الأسبوع القادم في إطار عقوبات جامعة الدول العربية.