"الدونكشوت بشار" يواجه طواحين المؤامرة الكونية

"الدونكشوت بشار"

يواجه طواحين المؤامرة الكونية

أبو عمرو محمود

رجل يعيش خارج العصر، يلبس لباس المحاربين القدماء، ويمتطي صهوة حصان متهالك لا يقوى على حمل نفسسه، ويحلم أنه بطل خارق، ويجوب البقاع، ويتخيل طواحين الهواء وحوشا كاسرة و مقاتلين يتربصون به، فيتأهب ويسوي ملابسه الحديدية الواسعة التي تعيق حركته، ويستحث حصانه الهزيل الذي يتردد وهو لا يرى سوى طواحين هواء تدور قبل أن يخضع لصاحبه ويسلم له القياد ويغمض عينيه ويلبي رغبته في مواجهة تلك الطواحين؛ لكن سرعان ما يعود إلى رشده ويحرن حين يرى غفلة راكبه وفساد عقله، فيطيِّر صاحبه عاليا ليعلق بمروحة هذه الطواحين التي ترمي به بعيدا فيتهشم جسده ويضحك عليه حصانه؟!

هذه قصة شاهدناها صغاراً واستمتعنا بها ومازالت عالقة في خيالنا ولكنها تحضر اليوم جلية في واقعنا وكأننا نعيشها حقيقة بشكل عصري حديث؟!

كلنا يذكر كلمة الدونكشوت بشار وهو يلقي خطابه الأول في جو هزلي ساخر وسط مصفقين بلهاء ومنافقين خبثاء ومنتفعين حقراء لقد قال حينها: " إن فرضت علينا الحرب فأهلا وسهلا بها" قال ذلك بعد أن كرر كلمة المؤامرة والتآمر والمتآمرين مرات ومرات، فهو لم ير حراك شعبه الذي جاء في فترة ربيع عربي أطاحت برئيسين حليفين لأمريكا والغرب وامتد هذا الربيع إلى دول عربية أخرى رغب زعماؤها أن ينفردوا بنهايات مختلفة متميزة!

هو لم يقرأ هذا الواقع الذي يدركه الصغير قبل الكبير والجاهل قبل العالم، وإنما نكص على عقبيه، واستعاد سيرة والده، ولبس بزة عمه، وفكر بحافر أخيه، ورحب بمعركة ضد شعبه بذريعة المؤامرة المتخيلة!

لم ير ذاك الشعب الذي انتفض يطالب بحريته وكرامته أسوة بالشعوب العربية الشقيقة، لم ير الظلم الذي يمتد إلى الأطفال قبل الكبار، لم ير الفساد الذي يفتك بقوت المساكين، لم ير روح الطائفية التي تجلت في مؤسسة الجيش وفروع المخابرات؛ بل في كثير من المؤسسات الحكومية، لم ير كل ذلك وإنما رأى مؤامرة نسجها خياله الأجدب وتبعه في ذلك حُمُر إعلاميون وعسكريون واقتصاديون يمتطيهم ليواجه تلك المؤامرة المزعومة!؟

لا أدري متى سيشعر هؤلاء الحمر بغريزة الحصان الأعجم أو بفطرة " سانشو " البسيط بالخطر الداهم الذي يقودهم إليه هذا الدونكشوت؟

لا أدري متى سيحرنون ويلقونه عن ظهورهم قبل أن تتهشم رؤوسهم الفارغة؟ّ!

يا أبناء الطائفة العلوية: أليس منكم رجل رشيد؟! لقد كانت أمامكم فرصة ذهبية تمحون بها كل آثامكم السابقة، وتربحون بها أنفسكم؟!

لو وقفتم مع إخوانكم من الطوائف الأخرى لصنتم أنفسكم وأموالكم وأعراضكم، ولحفظتم مكاسبكم التي عملتم لها عشرات السنين، ولنلتم احترام إخوانكم في الوطن وجيرانكم في البلد، ولسطرتم في كتاب التاريخ مجدا تغسلون به كل العار الذي يدنسكم؟!

لقد قلت في بداية هذه الثورة المباركة لو كان عند بشار ذرة ذكاء لاتخذ موقفا حكيما يحقن الدماء ويفوز بثقة شعب طيب منحه ثقته مع أنه تأمر عليه رغما عنه، ولكن  ذاك الشعب الطيب بحسن نية أعطاه فرصة تلو فرصة إلى أن أطلق هو رصاص الغدر على تلك الثقة حين بدأ بأطفال درعا ولم يسلم من بطشه أحد في أنحاء سوريا بعدها!

لقد كانت أمامه فرصة سانحة يقي فيها طائفته ويحفظ لهم مكتسباتهم لو أعاد السلطة للشعب، وقد يمنحه  الشعب حينها  ثقته رغبة لا رهبة؛ ولكن كذلك يطمس الله على قلوب الظالمين.

أما وقد فاتت الفرصة عليه وعلى الأيدي الآثمة التي ولغت في دماء السوريين فما زلت أظن أن بقية باقية من تلك الفرصة الذهبية ما زالت تلوح أمامكم  أيها العلويون إن كنتم تبصرون؟

ألقوا هذا الدونكشوت عن ظهوركم، ولا تتورطوا معه  أكثر في معركة خاسرة يقينا، وإن كنتم ما زلتم تشكون فاقرؤوا التاريخ، وإن كنتم لا تقرؤون سوى التاريخ المزور فشاهدوا الدلائل الحاضرة حولكم بتجرد وسترون الحقيقة واضحة كالشمس.

أعجب من بعضهم إذ يتوسلون إلى" بشار" أن يلبس بزة الحرب، وأتخيله في شخصية الدونكشوت يواجه طواحين الهواء؟!

وكأنه اليوم يرفق بهذا الشعب المسكين؟!

وهل ترك  هذا المجرم آلة عسكرية إلا وشاركت السوريين شوارعهم و منازلهم وخالطت أجسادهم وأجساد أطفالهم؟!

لم يبق أمام هذا النظام حين يلبس رأسُه بزة الحرب إلا أن يلقي قنبلة نووية على شعبه حتى لا تحمل الأرحام بعدها من يعارضه؟!

أيها الأغبياء: إن من يواجه شعبه متذرعا بمؤامرة مزعومة أغبى وأكثر حمقا ممن يواجه طواحين الهواء، وسيرميه شعبه بطريقة تناسب غباءه.

وإن من يمشي في ركب هذا الأبله هو أغبى من "سانشو" ذلك المزارع البليد صاحب " الدون كشوت " الذي رافقه طمعا في ولاية موعودة، فجرّ عليه غباء صاحبه وغباؤه الويلات على طول الطريق..