المصلحة العليا.. إسرائيليا وسوريا
عبد الله زنجير * /سوريا
تتوارد مرة بعد مرة تعليقات تشف عن الموقف الإسرائيلي من الثورة السورية التي دخلت شهرها التاسع ، تارة من الصحافة والإعلام و تارة أخرى من سياسيين و مسؤولين . بعض هذه التعليقات ليست بالعابرة ، فهي تؤشر للخفايا الخطيرة جدا في العلاقات و التفاهمات مابين النظام الجمهوراثي العائلي في سورية من ناحية ، و الحكومات الإسرائيلية المتوالية ليكودية كانت أم عمالية أو كادموية من ناحية ثانية ، يستحسن قراءتها بدقة و تجرد من أجل الوصول للصورة الحقيقية البعيدة عن الأفكار المسبقة و الاتهامات المجانية والملونات الآيدلوجية المزخرفة .
أول و أهم ذلك ما صرح به مبكرا الملياردير ( رامي مخلوف ) ابن خال الرئيس و مستثمر العائلة ، لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بتاريخ 10 / 5 / 2011 م من أن أمن إسرائيل من أمن سورية و أنه لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سورية ، و أن نظام الأسد سيقاتل حتى النهاية ، والاضطرابات لن تبقى محصورة في الداخل السوري بل ستنتقل لقلب تل أبيب إلخ .. في موقف فاقع يذكر بالمثل العربي : من فمك أدينك ! ذلك أن هذا الربط يجعل من المصلحة اليهودية ضرورة الإبقاء على النظام السوري الحالي ، و عدم شطبه من الخريطة السياسية للمنطقة . و قد تبع ذلك سماح السلطات السورية للمتظاهرين بالعبور إلى الجولان المحتل في مسيرات يوم الأرض 15 / 5 / 2011 م ، كتأكيد لوجستي لأقوال مخلوف
و جاءت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن في 20 / 5 / 2011 م إبان اندلاع ثورة الشعب في حوران ، لتظهر تجلياتها الخبيثة و الخبيئة سريعا ، من خلال وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي أعلنت بعد يومين فقط بأن الرئيس بشار الأسد قدم من الإصلاحات مالم يقدمه أي زعيم عربي آخر ( .... ) و منذ ذلك الوقت بدأنا نلاحظ التراخي الأمريكي و من ثم العالمي تجاه ما يحدث في سورية ، مستفيدين بكل تأكيد من الفيتو الثنائي الروسي و الصيني في أروقة مجلس الأمن ، لتسويق و تعليل مواقفهم الناعسة و عقوباتهم اللفظية
أما ثالثة الأثافي فهو ما ذهب إليه مؤخرا رئيس الهيئة الأمنية و السياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد ، حيث قال بأن سقوط نظام الأسد يمثل كارثة كبيرة على إسرائيل ، وأن وجود هذا النظام مصلحة عليا لإسرائيل و زواله يعني بداية النهاية لها . و تأتي تصريحاته يوم 16 / 11 / 2011 م لتضع النقاط على حروف التسويف و المماطلة و الكساح طيلة الفترة السابقة من الأسرة الدولية ، رغم سقوط عشرات الآلاف من القتلى و الجرحى و الأسرى و المهجرين طوعا أو كرها . و لتكشف المستور عن الباطنية المشتركة للطرفين معا ، وهو ما ألمح له المحلل البريطاني باتريك سيل ( مؤلف كتاب الأسد ) على شاشة البي بي سي مؤخرا ، حين ضحك معلقا على استفسار المذيع عن الدعم من إيران و إسرائيل للأسد : إنها يا عزيزي تناقضات و تعقيدات منطقة الشرق الأوسط التي لا غرابة فيها
السؤال الهام و الكبيرالذي يفرض نفسه : إذا كان ( استئباد ) نظام عائلة الأسد في سورية ، يمثل مصلحة سياسية للإسرائيليين ، فأين تكمن مصلحة الشعب السوري تحديدا ؟؟؟ لقد بدأت أول مواجهة شاملة و جيوسياسية سورية مع الكيان الإسرائيلي الوليد و الغريب يوم دخلت الجيوش العربية السبعة إلى فلسطين العربية المسلمة الشقيقة التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من بلاد الشآم في 15 / 5 / 1948 م وهذا الاحتكاك الذي فرضته العوامل التاريخية و الدينية و الحضارية و الجغرافية المختلفة ، أدى في حرب حزيران 1967م لخسارة سورية مرتفعات الجولان ( 1860 كم2 و ارتفاع 300 م ) في ظروف غسكرية غامضة أشار لبعضها الرائد خليل مصطفى في كتابه الشهير ( سقوط الجولان ) واختطفته على إثرها المخابرات السورية من لبنان لمدة ثلاثين عاما قبل أن يفرج عنه في 2005 م و كذلك أدى هذا الاحتكاك لتعزيز الصراع على سورية من قوى فاعلة ماتزال تتدخل حيثما تسنى لها ذلك ، وهذا ما أجج الصراع مع العدو المغتصب ليتحول من شهامة و غيرة و واجب إلى مصلحة وطنية و قومية ضرورية ، لاسترداد تلك المرتفعات الاستراتيجية ثانية للبلد الأم .. إلا أن النظام السوري المتسلسل أسديا ومنذ مفاوضات فك الاشتباك التي أعقبت معارك تشرين الأول 1973 م وانتشار القبعات الزرق على طرفي الحدود لم يسمح بطلقة واحدة تجاه المحتل ، بل استمرأ اللعب السياسي و المتاجرة الفجة بقضايا الأمة ، وأطلق الشعارات البراقة مثل : التوازن مع العدو و الصمود و التصدي ، واستغل القوى المقاومة كأوراق للعب والمساومة ضمن تكتيكات الأسد الأب و نظامه الوريث .. طرد الفلسطينيين من شمال لبنان سنة 1984 م وحارب ياسر عرفات بالانشقاقات الحزبية و التنظيمية ثم سلط عليه الشيعة ، ثم أنقذ الشيعة من الدروز و ضرب هذا بذاك في حكاية سيدونها التاريخ دامية مريرة ، وممهورة بضياع 300 مدينة و قرية و مزرعة في الجولان الحبيب
الإسلاميون في سورية ( وفي مقدمهم الإخوان المسلمون ) كانوا ممن دفع أفدح الأثمان على مدى عشرات السنين ، بسبب فهمهم لطبيعة هذا الواقع المفروض بسطوة الطغيان ، و لتشبثهم بهذه الرؤية التي تمس لب الحالة السياسية المركبة في الشرق الأوسط و التراب السوري . وجاءت ثورة الشعب السوري العظيمة لتعري ما نسجته خيوط الوهن والوهم مابين هذا النظام و القوى المحيطة على رؤوس الأشهاد ، و لتستبين سبيل المجرمين
إن المصلحة العليا للسوريين جميعا هي في حماية و صيانة الوطن و حريته و كرامته ، والمصلحة العليا للنظام أن يبقى متربعا على كرسي الحكم يخدم المحتلين بقناع الفضيلة .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
* عضو رابطة أدباء الشام