فضل حمير التمانعة على كثير ممن يدّعون الممانعة

فضل حمير التمانعة

على كثير ممن يدّعون الممانعة

أبو بشر الجسري

بادئ ذي بدء أقول: عنوان هذه المقالة مأخوذ من عنوان كتاب لأبي بكر المرزبان (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب) , الذي شنع فيه على أخلاق كثير من الناس, مستصحباً أقوال العلماء على فسادهم وسوء طويتهم ؟ حتى إن بعض الحيوان عنده أكثر وفاءً وأعظم وداً منهم .

ويقول في ثنايا مصنفه:" الكلب -أيدك الله- منافعه كثيرة فاضلة على مضاره, بل هي غامرة لها وغالبة عليها" . على أن الذي يقرأ مصنف المرزبان سيصل إلى قناعة أن شتم الناس بعضهم بعضاً بكلمة (أنت كلب- يا كلب) هو تشريف لبعضهم حاشا إنسانيته التي لم يُقم لها إعتباراً.

ولما كان الناس يتذاممون فيما بينهم (هو حمار- كالحمار- ياحمار), ووقع في بلدنا سورية مالم يكن يتصور من غضبة عدد من جنود النظام وقيامهم بمذبحة لمجموعة من الحمير, شهدها في التلفاز القاصي والداني, فقد حزَ ذلك كثيراً في نفوس الناس لعلمهم أن هذا الحيوان إستمر آلاف السنين مصاحباً للإنسان في حياته اليومية ولم يقدم الأذى لأحد ؟!

ومن الطرائف أننا في أريافنا نستعمل هذا الحيوان الصبور وسيلة نقل في المحطات القصيرة, وهو ماتفعله بعض الدول المتقدمة ففي جزيرة (هيدرا) اليونانية على سبيل المثال, التي يسكنها الأثرياء فإن الحمار هو وسيلة النقل الوحيدة الموجودة في الجزيرة ولايوجد من المركبات الآلية غير سيارة واحدة لجمع النفايات ..؟!

وعلى الذين يستخفون بهذا الحيوان وبحقه في الحياة وحتى في الاستجمام والسياحة  أن يذكروا أن كريستوف كولومبوس اصطحب معه إلى أمريكا ستة منها تزاوجت مع الخيول لتلد البغال التي استخدمت في استكشاف القارة الجديدة.

وقد مرت سنوات عجاف على هذا المخلوق قبل نحو قرنين أو أكثر فأسيء إليه, ثم حدث تحول كبير في سبعينيات القرن الماضي عندما أدى انتشار مشاعر الرفق بالحيوان إلى ظهور جمعيات خاصة بالحمار تعنى به وتدعو إلى تلطيف نظرة الإنسان إليه, وفيما يشبه صحوة الضمير, تكاثرت هذه الجمعيات بسرعة مذهلة, ففي فرنسا تجاوز عددها العشرين إضافة إلى إنشاء متحف خاص هو متحف الحمار, وجمعيات ومنظمات في ألمانيا وكندا وإيطاليا لحيوان لم يتجاوز عدد أفراده (44 مليوناً).

 

فأين هذه الجمعيات مما حصل للحمير في بلادنا ؟ أم أنها أصبحت رخيصة لايساوي دمها شيئاً أسوة بالدماء البشرية التي تسيل في كثير من دول العالم, ولماذا لايقيمون لها تماثيل وهي لم تؤذ أحداً ولم تُسلم بلداً وتضيع حدوداً..؟ بينما أقيمت تماثيل وأصنام كلفت الملايين لصنف آخر- ولكن للإنصاف فإن أهل حماة وقبل أن يوقع جنود النظام وشبيحته بها مجزرتهم الأخيرة كانوا أزاحوا تمثالاً ضخماً لأحد الممانعين الراحلين ووضعوا مكانه كراً (جحش صغير) كان أحد القرويين قد جلبه من قرية (التمانعة) القريبة من خان شيخون, وقد زوده المرسلون ببطاقة كتب عليها ( فضل حمير التمانعة على كثير ممن يدعون الممانعة), فاستشاط الشبيحة غضباً وانطلقوا يبحثون عن الحمير فكانت تلك الوقعة التي تضاف إلى تاريخهم النضالي...؟!!!!!!!

وفي تعليل آخر أن قسماً من حمير الغاب أكلت حزمة الإصلاحات لكثرة الدعاية التي أثيرت حولها, فعوقبت من باب أخذ الرهائن الذي يعمل بها الشبيحة منذ نشأتهم باسم الحرس القومي في الستينيات, وتحولهم إلى الكتائب الحزبية المسلحة في الثمانينيات وتطورهم إلى ماهم عليه الآن.

وللحقيقة أيضاً فإن الشبيحة يمتازون عن غيرهم بالمنع والممانعة فهم على سبيل المثال يمنعون ويمانعون في إقامة صلاة الجمعة والتراويح ويمتنعون عن دفع الضرائب وفواتير الكهرباء والماء وهم حريصون على بقاء النظام- لاعلى سمعته- فسمعتهم كسمعته وقد قيل (شبيه الشيء منجذب إليه) . ولو استطاعوا أن يمنعوا نزول المطر لفعلوا خشية أن يسترطب النظام التقدمي الكرتوني, وكذلك يمانعون ويمنعون رجال الجيش الشرفاء (ولايزال فيهم الكثير) من أداء مهمتهم في الحفاظ على الوطن وشرف الجندية.

وفي منطقة الغاب حمير سائبة يتركها الغجر والنوَر حين يرتحلون لعجزها عن المشي وحمل الحوائج فتبقى قريبة من نهر العاصي ترعى وتنتظر الربيع فلربما عاد الراحلون واصطحبوها. وأما الشبيحة والممانعون (الذين يمنعون الماعون), فعندما أقبل ربيع الثورات ولاسيما ربيعنا في سورية, انطلق وزير الداخلية وفروع الأمن إلى السجون وأحياء (اللي مايستحوش) فكانوا عند حسن الظن بهم, فأطلقوا لهم العنان فعاثوا في البلاد فساداً وصنعوا لحزب البعث أمجاداً.

وقد أقسم أحد المواطنين أن الحمير أفضل من الشبيحة ولو كانت وجوهها قبيحة, وقال: في بعض الدول الصناعية والغنية تحول الحمار إلى حيوان ترفيه للأطفال, بينما الأمن في بلادنا والشبيحة وقسم من جيش النظام يقتلون الأطفال وقد بلغوا مئات, وتحول أيضاً إلى حيوان منزلي تقتصر مهامه أحياناً على الحراسة, فقلت: ياللتعاسة, الحمير في تلك البلاد تحرس والشبيحة عندنا تسرق ؟!!

قال: وحتى في تزيين الحديقة, فقلت: بالله عليك أهذه حقيقة أم مجرد تلفيقة ؟ فإن أجمل شبيح هو أقبح من كل قبيح !! ومَن هذا التعيس الذي سيأتي بشبيح ليزين به الحديقة أو يحرس منزله ؟تباً وتب فإن الشبيحة لايؤتمنون على أرنب. قال: وقرأت في مجلة, بعد جمعة (الموت ولا المذلة), أن للحمار صورة في كثير من الآداب قديماً وحديثاً وأردف: فهل ترى ذلك للشبيحة ولجيش النظام وأمنه وأزلامه ؟ قلت : لا ! ولكن أين وجدت ذلك ؟ قال: عند ميكيافيلي وشكسبير!! فكدت من عجبي أطير: أيكتب هؤلاء عن الحمير ؟!

قال: وفي كليلة ودمنة من مثل (الأسد وابن آوى والحمار) فقلت سبحان الله, كيف اجتمع هؤلاء ؟ قال: كما اجتمع الشبيحة وحسون وبشار.. قلت وقد بلغ بي العجب: أيُكتب عن الحمير في الأدب ؟ قال: نعم .. ألم تقرأ عن حمار الحكيم ؟فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم وحمدت الله أن خلقنا في أحسن تقويم.

قال وله كتاب آخر عنوانه: "حماري قال لي" .. قلت: وماذا قال له ؟ قال: حمار الحكيم مؤنسنٌ يتحدث معه ويحاوره حول كل شيء بدءاً بأحداث الساعة وشخصياتها مثل هتلر وموسوليني وصولاً إلى قضايا اجتماعية, فقلت: على رِسلـك, فلربما وجدنا حماراً مثل هذا الحمار ؟

ثم افترقنا ولقيته بعد جمعة (ارحل) فاستقبلني ووجهه يتهلل وقال: لقد شاع أمر مجزرة الحمير, وتداول الناس كتاباً يحمل عنوان:" فضل حمير التمانعة على كثير ممن يدعون الممانعة", ثم أخرج قائمة وقال وهذه عناوين الموضوعات ودراسات سيتقدم بها بعض الطلاب إلى كلية  البيطرة لنيل درجة الماجستير والدكترة.. وبدأ يقرأ وأنا أسمع فقال من هذه الموضوعات :

 فضل الحمار المؤنسن على كثير ممن هاجموا الرستن... 

فضل الحمير في النزلة والطلعة على من حاصر درعا ..

فضل الحمار الأشهب على كثير ممن نافق وتذبذب.

فضل حمير حماة والغاب على كثير ممن ادعى أنه من الكتًاب.

فضل الحمير وأغنية (ليَا وليا) على من ضرب أهالي داريا............... قلت وقد حركت هذه العناوين رغبة قديمة لي في العودة إلى كتب الأدب: لديَ عنوان جديد فقال: وماهو ؟ قلت: كان لي في طفولتي حمار بعين واحدة ولكنه كان أفضل حالاً من بعض المبصرين.. سأبحث يا صاحبي عن جامعة أسجل فيها دراسة بعنوان: (فضل حمار أبي بشر على ميخائيل عوض الذي شتم المهجرين وأهل الجسر), ثم افترقنا فقلت أوصني, قال: عليك بكتاب (فضل حمير تلبيسة على أبناء حافظ وأنيسة).

* مجلة القافلة : ملف خاص عن الحمار- العدد 4 المجلد 56  يوليو-أغسطس 2007

*التمانعة: قرية في منطقة الغاب