التنسيق السري بين إسرائيل والنظام السوري
التنسيق السري بين إسرائيل والنظام السوري
( الثورة المضادة )
محمد ديناوي
بعد التصريج المشهور لمخلوف ابن خال الرئيس السوري والذي أطلقه من العيار الثقيل في مقابلته مع صحيفة نييورك تايمز الأمريكية وهو يتحدث باسم ( النخبة ) التي تحكم سورية ، والتي هدد فيها بحرب أهلية والقتال حتى النهاية ! ووجه فيها رسالة لإسرائيل بأن أمنها واستقرارها من أمن واستقرار سورية .
"إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا ، فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل "
وبعبارة أوضح نحن الذين حرسنا حدودكم ومنحناكم الأمن الحقيقي من أريعين سنة ، بعيدا عن الفقاعات الإعلامية والتصريحات العنترية لأسباب مهنية وضرورات دبلوماسية تقدرون أسبابها ولا تخفى عليكم أهدافها ، واليوم عليكم تقدير هذا الصنيع ورد ذاك الجميل بمثله ، لأننا اليوم في أشد الحاجة إليه .
يبدو أن إسرائيل أخذت تصريح مخلوف على محمل الجد ، وفعلا بدأت العمل والتنسيق السري للحفاظ على النظام كنوع من رد الجميل على الخدمات الجليلة على مدى أربعين عاما من عهد الإبن وأبيه .
ظهرت آثار هذا التنسيق السري في الأحداث التي أعقبت ذلك ، ويمكن أن نذكر أهمها حتى تاريخه :
1 - قامت القناة الإسرائيلية الثانية بفبركة مقابلة مع عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق .
اتهمته فيها بتلقي أموال من أمريكا وأوربا بهدف إسقاط النظام مقابل الإعتراف بإسرائيل ، وقد سارعت القنوات السوداء الحليفة السرية لقناة إسرائيل الثانية بتلقي الخبر ونقله على محطاتها التضليلية المشبوهة ، وقد أصدر المكتب الإعلامي للسيد عبد الحليم خدام نفيه لهذه المقابلة المزعومة وأكد أنها مفبركة وصناعة إسرائيلية ، ونفى جميع التهم وفند أقواله وحججه ولخصها بتسع نقاط في بيان أصدره في 15 أيار 2011 .
2 - قامت القناة الإسرائيلية الثانية أيضا بعد ذلك بفبركة مقابلة قديمة للمراقب العام السابق للإخوان السوريين .
كان قد أجراها الأستاذ علي صدر الدين البيانوني مع قناة إسبانية عام 2005، والتي نفى محتواها بدوره جملة وتفصيلا من خلال قناة الحوار وفند فحواها ، وبين أن هذه المقابلة التي اجتزأ منها واقتطع الكلام بشكل مبتور من هنا وهناك مع التحريف والتغيير ، كانت مقابلة مع قناة إسبانية في عام 2005 ، أقدمت إسرائيل على فبركتها وبثها لاستغلال ّهذا الأمر وتشويه صورة المعارضة ، وكأن الإعلام كان على موعد أحر من الجمر لالتقاط الخبر وبثه مباشرة ، لا بل هذا ما يؤكد التنسيق وربط الخيوط بين إسرائيل والنظام السوري في تزوير هذه المقابلة الزعومة وفبركتها ، مع إن إسرائيل تعلم حقيقة أن مثل هذه التوجهات الإنبطاحية هي من المحرمات في أدبيات وفكر وخطط ونهج وسياسة الإخوان المسلمين ، ودونها خرق العتاد ، وهاهم – المجتمع الدولي - يحاولون مع حماس من سنوات عديدة ويضغطون عليها من القريب والبعيد لنزع مثل هذه الاعترافات ولم يفلحوا بذلك ، بل إن كلا النظامين المتحالفين الإسرائيلي والسوري يعلمون حق المعرفة لو كانت مثل هذه الأفكار والطروحات تلقى صدى وقبولا عند المعارضة السورية وجماعة الإخوان المسلمين تحديدا ، لكانت أمريكا ومن ورائها إسرائيل قد دعموا المعارضة وسلموها الحكم وطردوا نظام الأسد وعائلته من أحداث الثمانينات ، دون أن ينتظروا إلى اليوم .
3 – تمثيلية التظاهر أمام مرتفعات الجولان ومحاولة اختراق الحدود .
رتبت هذه المسرحية لتوجيه الأنظار عن أعمال القمع والقتل في الداخل السوري ، وثمنه التضحية ببعض الشباب الفلسطيني ، مستغلين وطنيتهم وحماسهم ، واللعب بهم كورقة لتلميع صورة النظام السوداء ، وإبرازه كنظام مقاوم وممانع بعد صمت وتخاذل أربعين سنة ، لم تطلق منها طلقة ولو حتى دفاعا عن النفس وانتصارا للكرامة التي دنستها إسرائيل برجسها مرات عديدة ، وقد استغل النظام السوري بعض أدواته من أذرعته التي تقوم على أرض سورية وتتعيش على فتات النظام المسموم ، كمطية لتنفيذ هذه المسرحيات المفبركة ( على عينك يا تاجر ) .
4 - تغيير موقف كلينتون من الثورة السوربة .
بعد زيارة نتنياهوالأخيرة لأمريكا تغير موقف أمريكا من النظام السوري ، وصرّحت كلينتون بأن الرئيس السوري إصلاحي ، وقد قام بإصلاحات لم يقم بها أحد في المنطقة ! .
وليست هي المرة الأولى التي تغير فيها أمريكا رأيها وتركع تحت الرغبة الإسرائيلية وتستجيب لطلبها ، بل قد فعلته من قبل بضغط إسرائيلي في 2005 ، عندما غيرت رأيها من شعار تغيير النظام في سورية إلى تغيير نهج النظام ( إصلاحه ) بحسب المفهوم والثقافة الأمريكية ، وقد أكد ذلك الزعيم الدرزي وحليف سورية الجديد وليد جنبلاط بعد زيارة استطلاعية قام بها لأمريكا يوم كان معارضا لسورية ويهدد بتغيير النظام السوري ! .
قد سبق ذلك أيضا كثير من الأمور والتفاهمات بين إسرائيل والنظام السوري ، الذي يتشدق بالمقاومة ويدعي الممانعة ويزعم معاداة إسرائيل :
1 - سماح إسرائيل للقوات السورية بالتوغل لمحاصرة درعا وقراها .
سمحت إسرائيل للقوات السورية بالتوغل داخل المنطقة المحرمة والمنزوعة السلاح بين سورية وإسرائيل على حدود الجولان ، والتي لم تقترب منها القوات السورية منذ عام 1973، وذلك لقمع المتظاهرين ضد النظام السوري من أبناء درعا وريفها في آذار ونيسان 2011 .
2 – الأسد ملك سورية .... وإسرائيل
ذكرت صحيفة هارتس الإسرائيلية في تقرير بعنوان ( الأسد ملك إسرائيل )
أبدت الصحيفة حالة من القلق تنتاب الأوساط الإسرائيلية خوفا من احتمال سقوط نظام بشار الأسد ، وأن الكثيرين من الشعب الإسرائيلي يصلون من قلوبهم للرب بأن يحفظ النظام السوري الحالي برئيسه بشار .
وأكدت الصحيفة أن تصريحات النظام السوري ضد إسرائيل ليست سوى مجرد شعارات واستخدمت كصمام أمان ضد أية مطالب سورية شعبية من الحرية والإصلاح ... ولم تنس الصحيفة الإشارة إلى هذا النظام المخادع الذي لم يقم بلإطلاق رصاصة واحدة أو حتى صيحة خافتة على الحدود منذ عام 1973 رغم زعمه بعدائه لإسرائيل .
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول في النهاية تنظر إسرائيل للنظام الحاكم في دمشق من وجهة نظر مصالحها متفقين على أن الأسد - الابن - مثله مثل أبيه محبوبا من إسرائيل ويستحق بالفعل لقب "ملك إسرائيل".
3 – مصافحة بشار الأسد للرئيس الإسرائيلي ( كاتساف )
كما سبق ذلك مصافحة الرئيس السوري بشار الأسد للرئيس الإسرائيلي كاتتساف مرتين أمام وسائل الإعلام في جنازة البابا يوحنا بولس الثاني بالفاتيكان ، وقد كان ذلك برفقة رئيس إيران خاتمي والذي تحدث بحميمية مع ابن بلده ( كاتساف ) الرئيس الإسرائيلي السابق .
4 – دعوة حاخامات يهود إسرائيليين وأمريكان لزيارة دمشق ولقائهم ببشار . كشفت صحيفة «جيروزالم بوست» الإسرائيلية أن السفير السوري في الولايات المتحدة عماد مصطفى وزميله المبعوث السوري الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، وجها دعوة إلى الحاخام الإسرائيلي يوشياعو بنتو لزيارة دمشق والإقامة والصلاة على ضريح أجداده في مقبرتهم في العاصمة السورية ، كما حضرا- عماد مصطفى والجعفري - حفل زفاف ابنة جاك أفيتال رئيس تحالف اليهود السيفارديم في بروكلين ، ووجها دعوة باسم الحكومة السورية للحاخام الإسرائيلي بنتو عن طريق أفيتال لزيارة دمشق حيث أن أحد أسلاف بنتو كان حاخاما لليهود في دمشق، كما أن أفيتال زار سورية برئاسة وفود يهود في العامين( 2004) و( 2006 ) .
وقد أكد أفيتال عن دعم يهود دمشق للأسد ، ومشاركته لهم في هذا الدعم للأسد .
هذه بعض التفاهمات والتنسيق الذي أعلن عنه أو ظهرت بعض معالمه ومؤشراته ، وأما التفاهمات السرية التي لم تفوح رائحتها وتظهرآثارها فلعلها لب المشكلة وبيت القصيد والسر المكنون وراء الأمن والهدوء في الجبهة السورية على حدود الجولان ، والتي سلمت لإسرائيل سلميا دون إراقة قطرة دم واحدة ، بطريقة يعرفها تماما كل الجنود والضباط الذين كانوا في القنيطرة وما حولها ، كما يعرف سرها وتفاصيلها مسؤولي النظام يومها من محافظ القنيطرة ورئيس مخابراتها ... وكتاب سقوط الجولان لمصطفى خليل الذي كلفه حياته يشرح تفاصيل تلك الصفقة المشبوهة بين حافظ الأسد الذين كان وزيرا للدفاع حينها وبين الكيان الصهيوني ، وقد صرح بعد ذلك أمين الحافظ رئيس سوريا الأسبق قائلا : عرض علي بيع الجولان لإسرائيل فرفضت ذلك ، فأتى من بعدي ليبيعها بأقل من السعر الذي عرض علي بكثير ! .