الأمريكان ينهزمون في أفغانستان،

الأمريكان ينهزمون في أفغانستان،

فحذار من إجهاضهم الثورة العربية الكبرى

أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر

E.mail:[email protected]

قبل نحو عام، في الأسبوع الأخير شهر يونيو 2010م، نشر كاتب هذه السطور مقالاً، في عدد من المواقع الالكترونية، عنوانه: "استقالة ماكريستال: إنهم يجرون أذيال الخيبة كما جرها السوفييت". وجاء تعقيباً علي استقالة قائد القوات الأمريكية، وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) في أفغانستان وباكستان، الجنرال "ستانلي ماكريستال"، بسبب مقال في مجلة «رولينج ستون» أظهر فيه استياءه إزاء مخاوف مسئولين أمريكيين بارزين بشأن جهود الحرب المستمرة.  مما عكس وطأة مأزقهم، وشواهد هزيمتهم. وهاهو، الرئيس "باراك أوباما"، الذي لطالما أكد: " إن أمتنا في حرب، نواجه قتالا شرسا جداً في أفغانستان.. وأن انجاز المهمة فيها هو قمة اولويات إدارته" يُعلن ، هذه الأيام، عن سحب 33 الف جندي من قواته في غضون عام. وتبعه ،في ذلك، حلفاؤه البارزين في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واستراليا الخ. إنسحاب ـ للتخلص من المستنقع الأفغاني ـ يأتي اعترافاً صريحاً بالهزيمة، ومحاولة يائسة لتقليص خسائرهم.. بإعلان خسارتهم الحرب.

 

مرة ثانية وثالثة.. وبعيدا عن الاتهام بمجافاة الموضوعية، وعدم قراءة الواقع، والتحليق مع أوهام وأمنيات.. ثمة ملاحظات وأسئلة تُطرح تحتاج إلي أجوبة:  

- لقد مضي نحو عقد من الزمان علي احتلال أمريكي/أطلسي/ عالمي/ عولمي لأفغانستان وما حولها من بلدان مجاورة، فأين أكاليل النصر، وأهازيج الفرحة، ونشوة الفوز، وتوزيع الغنائم، وإعداد الولائم من التخبط والاستقالات والانتقادات، والإتهامات والإنسحابات بسبب الكُفلة المادية والمعنوية والبشرية؟.

- أين علائم النصر من التنابذ والنقد والسخرية واللوم المتبادل، والتصدعات والتشققات البادية في صفوف هذه الحملة الأمريكية/ الأطلسية؟؟، ومن الذي بقي، ومن الذي أنسحب يجر أذيال الهزيمة من نحو عشرات من الدول المشاركة في الاحتلال، وهم من هم عدة وعتاداً.

- "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ".. وجاء "مايك مولن"، و"ديفيد بترايوس" الخ، فهل أدي تغيير القادة والشخصيات إلي إنتصار في الساحات؟. وهل الإنتصارات والسياسات منفصلة عن الذين كانوا من قبل "ملء السمع والبصر ومشهوداً لهم بكفاءتهم الحربية والسياسية"؟. ثم ماذا أثمرت عشر سنين ، من الإحتلال إلا قتل المدنيين العزل من الشيوخ والنساء والأطفال، فضلا عن شيوع المخدرات والإفقار والتدمير والفساد والإفساد لهاذ البلد المنكوب؟؟.

- لقد كانت أهدافهم "المُعلنة": "بناء الدولة الافغانية، وتنصيب رئيس كفء، وتعزيزها بمؤسسات منتخبة وتدريب حديث لقوات الأمن، ومحاربة تنظيم القاعدة، ووقف تقدم حركة طلبان عسكرياً". فهل حققت الحرب أهدافها "المُعلنة"؟.

- من الواضح أن الرئيس اوباما اتخذ قرار سحب القوات من افغانستان لاسباب داخلية. فهذه الحرب الى جانب نظيرتها في العراق كلفت أمريكا أكثر من تريليون دولار حتى الآن ككلفة اجمالية، والرأي العام الامريكي بات يعارضها، ويمكن ان تتحول الى قضية محورية في انتخابات الرئاسة التي تبدأ حملاتها رسميا في الخريف المقبل (عبد الباري عطوان في القدس العربي، في 24/ 6/2011م).

- هاهم اليوم يتحدثون عن " حلول سياسية وتفاوضية مع الأفغان المدافعين عن ارضهم ضد الغزاة. فأين إذن  من يوصفون "بـ المتمردين/ الإرهابيين" من طالبان والحزب الإسلامي وغيرهم الموضعين علي" القائمة السوداء المطلوبة"؟. وهل لمنتصر أن يطلب ويلح ويستغيث لتجري مثل هذه "المفاوضات"؟.

- لقد أعترفت ادارة الرئيس "أوباما" أنها:) انخرطت في مفاوضات مع حركة طالبان بهدف "اشراكها" في الحكم في مرحلة ما بعد الانسحاب، وكشف وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ عن اتصالات بريطانية مماثلة. لكن الهدف الحقيقي يكمن في تأمين انسحاب آمن للقوات الغازية (لأكثر من ثلاثين دولة) من المستنقع الأفغاني، ومن ثم تسليم الحكم لطالبان.

لقد صدعوا رؤوسنا إبان الاحتلال السوفيتي بأن: "الأمريكيين وغيرهم، هم من ساعد الأفغان علي التحرر وهزيمة السوفييت، وأن ذلك أسفر عن وجود القاعدة والطالبان". يبقي السؤال الآن:  من الذي يساعد هؤلاء الأفغان، والعالم كله ضدهم، في مقاومة استمرت لنحو عشر سنوات وستستمر ولو لعشرات أخري حتى هزيمة وخروج المحتل الغازي؟.



 

إذن.. إنها المقاومة، والعزة والكرامة والتضحية دفاعاُ عن الحقوق والحريات والأوطان، وعدم التسليم بالحلول الوسط، والاصرار على النصر مهما كلف من تضحيات. وهذا الإنهزام والإنسحاب وجر اذيال الخيبة الأنجلو أمريكية، عاماً بعد عام ولعشرة أعوام،.. رسالة هامة ودرس بليغ للشعب العربي، وهو يعيش وينجز  ثورته الكبري.

إن أنظمة القمع والإستبداد والقهر والتشريد والقتل والسحل في الطرقات، واستباحة النساء والشيوخ والأطفال والتمثيل بهم هي المسئولة عن "التدخل الخارجي في الشأن العربي". وهي المسئولة عن تدخل الناتو في ليبيا، ومن المحتمل في سوريا. بينما يحاول "مبعوثهم.. فيلتمان" إجهاض ثورة الشعب اليمني عبر "الحلول الضبابية" التي تحول الإبقاء علي النظام لا إسقاطه. ولا تخفي محولاتهم الأخري.. ترغيباً وترهيباً، منحاً ومنعاً، نصيحة وأستيعاباً لربيع باقي الثورات العربية، قبل أن يدهمهم، كـُلية، خريفها.

فلا رهان على تدخل الأمريكان وحلف الناتو لدعم الثورة العربية الكبري، وطموحها الديمقراطي. فلهم مطامعهم، المكشوفة والمعروفة، في المنطقة العربية وأولها الحفاظ علي "رأس حربتهم"، وخنجرهم"أسرائيل" في خاصرة الدول العربية. وهم، فقط، أنصار "ديمقراطية الدبابات" في العراق، و"الفوضي الخلاقة"، و"الشرق الأوسط الكبير".

فالحذر الحذر.. واليقظة اليقظة من كل محاولات الخارج الصهيو ـ أنجلوـ أمريكي، وطابورهم الخامس في الداخل من "إجهاض" الثورة العربية الكبري، أو الألتفاف عليها، أو تقزيم مكتساباتها، أو الحؤول دون تحقيق كامل أهدافها من إسقاط نظم القمع والقهر والطغيان، والفساد والإفساد والقتل والتهجير والتشريد.

خلاصة القول: في استقالة "ماكريستال"، قبل عام، والإعلان، الآن، عن الإنسحاب الأمريكي/الأطلسي/ العالمي.. خلفيات بادية للعيان، "وما خفي كان أعظم". إنهم متنابذون متلاومون مفرقون مضطربون مذعورون خائبون عاجزون منهزمون يجرون أذيال الخيبة عائدين "بخفي حنين" كما جرها السوفييت من قبل. فأرض أفغانستان وباكستان وكشمير وما حولها، والعراق والصومال، ومن قبل ومن بعد فلسطين، لأهلها. والحرية والكرامة لشعوبها لينعموا بها كما ينعم سائر شعوب الأرض.

إن ما لا يريد أن يدركه هؤلاء المحتلون وأذنابهم أن لا شعب حر أبي عزيز ، وفي قبله الشعب العربي المسلم، يرضي بالضيم والذل والقهر والاستكانة والاستعباد. وهاهو، بمفرده، دون أي دعم سوي من خالقه سبحانه وتعالي، قام بثورته العربية التحررية، السلمية النظيفة الشريفة، التي علمت وستعلم العالم علي مدار قرون: كيف تكون ثورة الحرية والكرامة والعدالة الحقيقية. شعب عربي مسلم.. هذا شأنه، وتلك ثورته، لن تستطيع القوي الإمبريالية، الصهيوـ انجلوـ أمريكية، النيل من طموحات ثورته، فقد شب عن الطوق، أصبح "المُعلم المُلهم" وعليهم هم أخذ الدروس والعبر والعظات منه، كما أخذوه من نظيرهم الأفغاني.