عن إيجابيّات التّعايش مع الاحتلال!

عن إيجابيّات التّعايش مع الاحتلال!

صلاح حميدة

[email protected]

دعي مجموعة من الفلسطينيين في مدينة فلسطينية في الضّفة الغربيّة لحضور فلم موجّه، من قبل مركز ثقافي أوروبّي ومجموعة من المثقّفين من الدّولة العبرية، وتخلّل العرض مجموعة من المداخلات والتّعليقات من قبل عدد من المشاركين والمنظّمين.

الأفكار الرئيسيّة التي تمّ تناولها والتّركيز عليها تلخّصت في عدّة قضايا تهمّ كل فلسطيني في فلسطين المحتلة وخارجها، والفكرة الرّئيسيّة تمحورت حول عدم جدوى مقاومة الإحتلال، والتّفكير تجاه الإحتلال بطريقة مغايرة للواقع، وتجاهل إعاقة الاحتلال لكل تفاصيل حياة الفلسطيني اليوميّة، ونقل التّفكير تجاه حبّ الحياة والتّمتّع بإيجابيّاتها، بالإضافة إلى بث فكرة للفلسطيني أنّ من يحتل أرضه هو " إنسان" مثله ويستحق الحياة والتّعايش معه، وتخلّل الفلم رسم كاريكاتوري لصورة نمطيّة لشخص مسلم متديّن يلبس اللباس الباكستاني وبلحية طويلة، وعيني شرّير، ويحمل بيده سيف يقطر دماً، وباليد الأخرى جثّة بلا رأس تسبح بدمها؟!.

بعض الحضور من الفلسطينيين كانوا من" المتأوربين"  ولعل هؤلاء هم من النّوعية التي تستجيب  لدعوة تجاهل الواقع المعاش، والعيش في حالة من الإغتراب عن الذّات، ومحاولة تقليد كل ما هو أوروبّي بكل شيء، وهم يطبّقون فكرة  الفلم التي تدعو للتفكير في كل شيء من متع الحياة، إلا التّفكير في كيفيّة التّخلّص من الإحتلال، إلا إن كان هناك من أساليب تتوافق مع المعايير الأوروبيّة والإسرائيلية. الغريب أنّ هؤلاء يركّزون على الفلسطيني لدفعه لعدم التّفكير في الواقع السّيّء الّذي يعيشه!  فكيف للفلسطيني الطّبيعي أن يعيش بلا تفكير في بلدته التي طرد منها، وفي بيته الّذي يهدم أمام عينه- أو يجبر على هدمه بيديه- أو بإذلاله على الحواجز يوميّاً، أو بأرضه التي تصادر، وبمزروعاته التي تحرق، وبأبنائه الّذين يقتلون ويعتقلون...الخ.

أمّا العمل على تشويه صورة الفلسطيني أمام نفسه، فهي لا تنطلي إلا على بعض " المتأوربين" والمنتفعين من تلك المؤسّسات، فهل الفلسطيني هو الّذي ذهب واحتلّ وقتل وشرّد واعتقل وأحرق؟ وهل هو الّذي لا يعترف بأنّ عدوّه إنسان ومن بني البشر؟ بالطّبع لا، فالفلسطيني أكثر البشر انفتاحاً على الآخر، كما أنّ مقاومة الفلسطيني ناشئة عن احتلال الأغراب لأرضه، ولم يذهب ليعتدي على أحد، والمشكلة بين الفلسطيني ومن يحتلّون أرضه، تكمن في رفض المحتلّين أن يعترفوا بإنسانيّته، فكل شيء في حياة الفلسطيني مباح بالنّسبة للمحتلّين، والأولى بمن يريد المحاضرة والتّضليل لبعض الفلسطينيين عن تعليم الفلسطيني " الإنسانيّة" الأولى بهؤلاء أن يتوجّهوا ببوصلتهم نحو معقل العنصرية الأخير في العالم لتعليمه معنى الإنسانيّة، وكيفيّة إعادة الحقوق الطّبيعيّة للإنسان الفلسطيني المظلوم والمقتول.

أمّا محاولات ربط العمل الفلسطيني المقاوم للإحتلال العنصري الغير إنساني، بصورة نمطيّة للإرهابي المسلم التي يحاول الغرب والإحتلال ترسيخها في العقل العالمي، والفلسطيني كذلك، فهي محاولة يائسة لوضع الفلسطيني في حالة من الشّعور بالذّنب الجيني، وكأنّه بطبعه قاتل ومجرم وإرهابي وغير إنساني، فيما يأتي مجموعة من العنصريين لترويضه وتعليمه  كيفيّة التّفكير والسّلوك الإنساني، ويصبح في هذه الحالة عدوّاً لفكرة مقاومة الإحتلال، بل عدوّاً لمن يرفض واقع الإحتلال، وهذه وسيلة خبيثة قد تنطلي على بعض السّفهاء والمنتفعين والكارهين لذاتهم والمبهورين بكل ما هو غربي.

الهدف الرّئيسي لهذا النّشاط يكمن في سعي حثيث من مؤسّسات غربية، تسعى لغسل دماغ قطاع واسع من الفلسطينيين وتدجينهم لقبول الإحتلال وعنصريّته والتّعايش معه والقبول بالفتات الّذي يلقى للفلسطيني من الإحتلال ومن القوى الأوروبّيّة الدّاعمة والمنظّمة لمثل هذا النّشاط، وبالرّغم من قناعتي بأنّ هذا النّشاط يؤتي أكله عند بعض الفلسطينيين، إلا انّ الجمهور الواسع من الفلسطينيين لا يمكن أن تنطلي عليه تلك الأضاليل، لسبب بسيط وهو أنّ كل محاولات تجاهل واقع الإحتلال السّيء لن تنفع، لأنّ الفلسطيني يعاني من الإحتلال وعنصريّته ودمويته في كل لحظة من حياته.