دمي حماة ونوح الجسر أغنيتي
دمي حماة ونوح الجسر أغنيتي..
د. منير محمد الغضبان *
لم يبق لنا من هذا النص الشعري إلا شطره الثاني، أما شطره الأول :
دمشق في القلب قلبي في هوى حلب
فلم يزل مختفيا في القلوب ، والقلب هو نبض الحياة ، فإذا مات القلب فماذا تفعل الأطراف ؟ولكن إذا بقي القلب حيا ، فستتحرك الأطراف كلها . أطراف الشام وسورية من كل صقع من أقصى الشرق من الميادين والبوكمال ، إلى أقصى الغرب في اللاذقية ، ومن أقصى الشمال في عامودة والقامشلي ، إلى أقصى الجنوب في درعا و حوران .
لقد هبت سورية كلها ، لكن قلب سورية لا يزال ينبض بضعف ، وهو الذي يضخ الدم إلى الشرايين الممتدة في كل صقع من أصقاع سورية العظيمة .
ولم لا تكون دمي حماة ؟ وقد أعلنت أنها على استعداد لتقدم سبعين ألف شهيد آخر لإضافة إلى شهدائها في الثمانين ، وارتجفت الدولة منها ، وأخذت صنمها هبل قبل أن تسحقه الملايين . ولم تعبأ بكل ما عانت من قبل.
ونوح الجسر أغنيتي..
وأي جسر هذا الذي هز أركان النظام حتى جاء بدباباته وطائراته ليطفئ انتفاضة الجسر العظيم ، قرابة عشرة آلاف من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، دخلوا أرض تركية الشقيقة الحبيبة تحميهم من جهنم الطغاة ، ولظى المجرمين وتؤويهم ، وتمد لهم المعونة والماء والغذاء والكساء .
إن نوح حزنها لكبار الطاغين في السنن هو غناء حقيقي لأبنائهم ورجلهم وهم يقاومون الموت بصدور عارية .
وأي بطولة تفوق استقبال الموت بالصدر العاري ، والزنود السمراء التي تملك اللسان لتقوم به إلى إمام جائر ، تأمره وتنهاه فيقتله هذا الإمام .
إذا كان الجهاد هو ذروة سنام الإسلام ، فجهاد اللسان هو المظاهرات العظيمة أعظم بطولة من القتال بالسلاح من أجل ذلك انضم هؤلاء الشهداء إلى سيدهم حمزة بن عبد المطلب ..
سيد الشهداء حمزة ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله .
وأعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ..
والنظام الخائن يعيرنا بأن في الجيش أبطالا عظاما يقتلون بين جلاوزته لأنهم يرفضون أن يقتلوا أبناء وطنهم ، ثم يأتي ليحمل المجاهدين وزر هذا القتل .
وماذا يقال عن درعا بؤرة الانفجار ، وحمص قمة الانتصار ، وتل كلخ مأوى الأبطال ،وعن اللاذقية ودوما ،والبؤر التي تتحرك في دمشق ، وكلمتي إلى دمشق وحلب .
يا دمشق ، يا خير مدائن الأرض كما وصفك رسول لله صلى الله عليه وسلم ، ألم تحرري الدنيا بالفتوحات ؟ مع طارق وموسى ومن محمد بن القاسم ، ومن مسلمة بن عبد الملك .
يا دمشق ، حررت كل مدائن الأرض وتعجزين عن تحرير نفسك من طغيان جثم على صدر هذه الأمة قرابة نصف قرن .
ألا تعرفين أيتها الحبيبة أنك يوم تتحركين بملايينك سوف تميد الأرض بالطغاة ؟
ألا تريدين أن تعيدي وجهك المشرق الذي أخفاه الحاكمون العتاة الطغاة ، كما كتب رب العزة ألا يظهر منافقيك على مؤمنيك .
وأنت يا حلب .. أما آن الأوان لأن تفجري الأرض بالطغاة ؟
ألم تواجهي الروم مع سيف الدولة مع الجيش الذي وصفه المتنبي:
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه فما يفهم الأحداث إلا التراجم
تجمع فيه كل قوم وأمة وفي أذن الجوزاء منه زمازم
يا حلب ..يا من شرفك الله بالانتساب إلى الشهباء ناقة الخليل ..
ألست وريثة إبراهيم عليه السلام الذي كسر الأصنام فتوته ( قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم )
): وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون)
أما لك يا حلب أن تقومي وتكسري أصنام الطغاة اعتمادا على حول الله وقوته ، والله ينصرك عليهم .
فأرادوا به كيدا فجعلنهم الأخسرين
دمشق في القلب ، قلبي في هوى حلب ، فمتى ينتفض القلب على جلاديه ؟
* باحث إسلامي سوري