رجعت حليمة

رجعت حليمة ....!!!

صلاح حميدة

[email protected]

تعليقاً على إغلاق معبر رفح نتيجة للتّضييقات التي استحدثها الأمن المصري، علّق مسن فلسطيني بمثل شعبي قائلاً :- (رجعت حليمة لعادتها القديمة) ولعل الفلسطينيين يقفون مشدوهين بالأفعال التي يقوم بها الإخوة في الأمن المصري تجاههم على معبر رفح الحدودي، وبدأوا يرددون المثل آنف الذّكر، بعد أن لم يهنأوا بالتّسهيلات الجزئيّة التي أقرّتها الحكومة المصرية على المعبر.

والسّؤال الّذي يلحّ على الفلسطينيين والعرب والمتعاطفين مع القضيّة الفلسطينية، عن السبب الكامن وراء عودة من يحكمون مصر، لممارسة نفس الأساليب التي كان نظام مبارك ينتهجها تجاه الفلسطينيين في قطاع غزّة؟ ولماذا عادت الحملات الأمنيّة على الأنفاق؟ ولماذا يتم وضع معايير لمرور الفلسطينيين المارّين عبر الحدود( ما دون الثّامنة عشرة وفوق الأربعين) ثم يتمّ التّراجع عن القليل الذي منح لبعض الفلسطينيين؟.

أول الأجوبة التي ترد إلى الذّهن، يقول انّ من يحكم مصر الآن هم تحالف من الأمن والعسكر، وهم من كانوا قبل ذلك موجودين خلف السّتارة، وبالتالي فهم يديرون عمليّة التّعامل مع الفلسطينيين عبر البوابة الأمنية السّابقة، وأكبر دليل على ذلك توقيع اتفاق المصالحة تحت رعاية أمنية، وتهميش الشّق السّياسي، وقيام ( عمليّة المصالحة) برمّتها على أسس تهمّش طرف فلسطيني بعينه، وأنّ كل ما يتمّ الآن ما هو إلا جزء من عمليّة تدريجية لحصار وتطويق هذا الطّرف، تمهيداً لإقصائه بشكل نهائي عن الفعل السياسي على السّاحة الفلسطينية، فالمقدّمات كلّها - ومن ضمنها ما يجري على معبر رفح- تؤكّد أنّ هذا هو الهدف ولا شيء غيره.

هناك من يسهب في تفسير ما يجري على معبر رفح، ويعتبر أنّ ما يجري هو نوع من المساومة والابتزاز في مفاوضات شاقّة لتبادل الأسرى، وأنّ هناك أطرافاً تريد أن تحظى بالسّبق لإتمام الصّفقة، ولكن على حساب الشّعب الفلسطيني، ولذلك يتمّ إقفال المعبر بشكل مفاجىء للعامّة، ولكن بالتّأكيد أنّ من لهم يد في صنع القرار أو المتابعين والمحللين والمفاوضين، يعلمون أو يقدّرون أنّ قضيّة المعبر تستخدم لابتزاز مواقف وتنازلات من الطرف فلسطيني.

بعض المتابعين يرى أنّ مواقف حركة "حماس" تجاه المصالحة، وإعلان رئيس مكتبها السّياسي عن استعداد حركته ( لدفع أي ثمن للمصالحة)!! هو ما أسال لعاب أطراف كثيرة للإستمرار في الضّغط وابتزاز حركته بمعاناة الشّعب الفلسطيني، فهذه الأطراف لا نهج لها سوى نهج (عملية التّسوية) وهي عمليّاً أدخلت حركة "حماس" ومن معها في ( عمليّة مصالحة) تدفع "حماس" ولا تقبض شيئاً، وهم يقومون بتثبيت حقائق على الأرض وكأنّه لا يوجد مصالحة ولا ثورة ولا احتفالية ولا سيل من الوعود التي أطلقها نبيل العربي، وتبخّرت ولم نر منها إلا القليل الّذي تبخّر أيضاً، وتستمر هذه الأطراف في مطالبتها بالمزيد، بما أنّ هناك من يستعد لدفع ( أيّ ثمن) ومن المحتمل أن يكون هذا هو أحد أ برز أسباب الخلاف العلني بين بعض أقطاب الحركة.

ولكن هناك من يعتقد أنّ للأمر علاقة بضغوطات وتفاهمات بين الأمن المصري والأمن الإسرائيلي حول معبر رفح وشبه جزيرة سيناء، وهذه التّفاهمات تختلف عن الاتفاقات التي أبرمت بين الدّولتين، وهي غير معروفة للعامّة، وهذا يدفعنا للتّساؤل عما دار بين بعض الأقطاب الأمنيّة في الجانبين في اليومين الأخيرين، وعن سبب عودة ( حليمة لعادتها القديمة) خلال ثلاثةّ أيّام فقط، كانت كافيّة لإعادة الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه سابقاً!!

فتح المعبر.. أغلق المعبر!!

أعيد فتح المعبر من جديد بعد إغلاقه، ولكن باستثناء جيل الشّباب من الذّكور من المرور – إلا ما ندر- بالإضافة لتحديد عدد المسافرين ببضع مئات يوميّاً فقط، ولكن الغريب أنّ مثل هذه المعاير لا تستخدم إلا ضد الفلسطيني! ولا يتم استخدامها على المعابر الأخرى ضد الشّعوب العربيّة والأجنبية المجاورة، ومن ضمنها الإسرائيليون الذين يدخلون سيناء بكل بساطة، ولا أدري ما هو السّبب الذي يدفع المعنيين في مصر لمعاملة الشّباب الفلسطيني من 18- 40 سنة وكأنّهم مصابين بمرض معدي  يخافون من انتقاله لجموع المصريين، ولماذا لا يقومون  بفتح المعبر للجميع، ومن توعز المخابرات الاسرائيلية - للقائمين على المعبر من المصريين- بعدم رغبتها بالسّماح له بالسّفر فليمنع كما يجري على معبر الكرامة، وبهذا لا يعاني جيل كامل من الشّباب في القطاع، وتقتصر المعاناة على شريحة معيّنة فقط- مع أنّ هذا غير مقبول أيضاً- أمّا أن يعلن المعنيون في مصر بأنّهم يفتحون المعبر رغماً عن أنف الاحتلال، ثم يقيدون العبور خلاله بقيود أسوأ من تلك التي يستخدمها الاحتلال، فهذا شيء يثير الإستغراب! فإمّا أنّ المعبر يخضع لقيود الاحتلال من خلف السّتار، مع أنّ القيود الحاليّة على رفح أكبر وطأة من قيود الاحتلال في معابر لا زال فيها مسيطراً، وإمّا أنّه غير موجود وغير راض عن فتح المعبر، وتمنح تسهيلات عاديّة للمسافر الفلسطيني كغيره من المسافرين في العالم.

أمّا فتح المعبر وإغلاقه بشكل مفاجىء – كما جرى- فهذا يثير تساؤلات كثيرة عن التّوقيتات والممارسات، وأتمنّى أن يكون أصحاب التّحليلات أعلاه من سيئي الظّن، وأنّ ما جرى سحابة صيف كما يقال.