قرار العفو السوري

حيلة المضطر وتخبط النظام

تخبط عشوائي؛ يضرب النظام هذه الأيام بعد أن فقد مسوغ وجوده، واستُهلك حتى آخر قطرة من كيانه، واستنفد أغراضه بحيث عاد ظلا ثقيلاً على الشعب السوري، ودنيا العروبة والإسلام .. لم يبق لهذا النظام من مكان غير سجلات تاريخ دابر، يتحدث عن جرائمه، وصفحاته السوداء، فماذا ينفع قرار العفو الآن بعد أن قدم الشعب السوري كل هذه الشلالات من الدماء، وهذا النفيس من التضحيات، وهذا البذل السخي من الشجاعة والجراة والعطاء .. حتى أوغل هذا النظام في الإجرام القاتل إلى ما فوق أذنيه، وخاض في الدماء الطاهرة البريئة إلى حقويه ..

إن القرارات التي يحاول بها النظام الفاشي القاتل إنقاذ نفسه، واستعطاف الشعب السوري بلعبتها، والتحايل أمام العالم بتمثيلها لن تجديه فتيلاً، ولن تدفع عنه من المصير المحتوم كثيراً أو قليلا ً.. فهو يستطيع أن يخرج من سجونه ومعتقلاته بعضاً من الأسرى والمعتقلين المظلومين، لكنه سوف يستبدلهم وعلى الفور آلافاً غيرهم من عاثري الحظ البريئين ..

إن المطلوب من النظام غير هذه القرارات البائسة غير ذات الجدوى، وغير المقنعة لأحد من الناس .. المطلوب منه أن يوفق القتل والنهب والتدمير، ومحاصرة المحتجين المنتفضين، وترك الحرية للشعب ليقول كلمته فيه، وعندئذ سوف يرى أين يضعه شعبنا من خلال أهدافه التي يضحي في سبيلها، ويدفع دمه ثمناً لها ..

إن شعبنا السوري الناضج انطلق في ثورته الجريئة الهادرة، وهو يطلب بها حكماً مدنياً ديمقراطياً، يتبوأ الشعب فيه مكانه اللائق .. وساعتئذ سوف يطلب النظام نفسه العفو من هذا الشعب، ثم ينتظر منه قراره العادل، وحكمه الحاسم، ولا بد له من ذلك .. وإلا فإن مستقبل هذه السلطة مظلم، ومصيرها حالك السواد ..

وقبل هذا ومن بعده؛ فإننا نعتقد أن النظام غير جاد حتى في هذه القرارات الهازلة .. فكيف يعفو عن أفراد وتيارات سياسية، تحمل أفكاراً _مجرد أفكار_ بالموت والإعدام من قبل ثلاثين سنة لم يفكر خلالها بشيء من تلك القرارات .. هل يضحك النظام على نفسه؟ أم أنه يتصور أنه يضحك على الشعب الذي فضحه أمام العالم بجرائمه الشاهدة الماثلة المتكررة، وبالبيان الناصع العريض ..؟ ثم هو يتحداه ببطولة خارقة لا يستعمل فيها سلاحاً، ولا يرفع عليه عصاً، بل يواجهه بالإرادة الصلبة، والعزيمة الفاتكة التي تمزق أوصاله، وتبدد قوته، وتعصف به رماداً تذروه الرياح .. ولن تنفعه يومذاك مثل هذه الأضحوكات من رؤى ومراسيم وقرارات؛ التي يخدع بها نفسه، ويدغدغ بأمانيها أحلامه في البقاء والاستمرار .."ويوم يعَضّ الظالم على يديه، يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا .. الآية" ...