النظام المافيوزي العائلي في سورية
خلدون حسونة
كاتب سوري
في البدء سيطر النظام القائم على ما يسمى يالثورة عن طريق جحافل الأمن بفروعه الثلاثة عشر! وعلى تحويل الجيش من جيش الوطن إلى الجيش العقائدي وتسمية سورية بسورية الأسد (حتى البطولات الرياضية لم تسلم من ذلك، كل الرياضيين العرب يرفعون علمهم لدى اعتلائهم المنصة ماعدا الرياضي السوري يضع صورة الأسد على جسده !) ، ثم انتقل النظام بعد ذلك إلى السيطرة على الثروة:
أعطيت الوظائف إلى المحابين والمطبلّين والمهادنين.. ولا يوظّف الإنسان إلا إذا كان مقرّبا من السلطة. وعندما جرى الانفتاح الاقتصادي أغلق هذا الانفتاح على عائلة الأسد وشاليش ومخلوف وبعض العائلات الأخرى المستفيدة من موقع المصاهرة كعائلة الأخرس... فكل مناقصة صغيرة أو كبيرة تديرها الدولة (من مجارير المياه إلى توليد الكهرباء) يأخذها احد هذه الأطراف أو المتعاونين معهم والمشاركين لهم في غياب كامل للشفافية، وسرى نوع من الإرهاب لكل من يحاول أن يتجاوز هذه العائلات بالترهيب أو الترغيب... وسرى الفساد في كلّ مفاصل الدولة: فلم تعد تستطيع أن تستخرج عقد ولادة أواستخراج ورقة من إحدى دوائر الدولة أو الحصول على شهادة قيادة السيارة، ولو كنت تقود جيدا، دون أن تدفع مبلغا محددا من المال، وأصبح لكل شيء تسعيرته... ولا تستطيع أن تشكو أمرك لمدير الموظف فهو متواطئ معه وشريك له في الفساد، وكذا الأمر بالنسبة لشرطة المرور... فأنت عليك أن تدفع خوّة في كلّ شيء، حتى بعض المطاعم المتعاونة مع الأمن تفرض عليك أسعارا لا علاقة لها بالأسعار المعلنة، وإياك إياك أن تشتكي لأحد.... حتى المجند عليه أن يدفع إتاوة لضابطه ليعطيه مأذونية وإذا دفع مبلغا ضخما فإنه يبقى في البيت (وهذا ما يسميه السوريون التفنيش) ، وفي ذات الوقت ترى ملازما في الحرس الجمهوري الذي يقوده ماهر الأسد عنده سيارة مرسيدس، في حين أن عقيدا في قطعات الجيش العادية يركب في سيارة عسكرية مهترئة!
فأنت محاصر في كلّ مكان... بل ويشعرك النظام أنك لستَ بشيء وليس لك شيء! إنه نظام مافيوزي نهب البلاد والعباد كما يقال في التعبير الشائع... وظهر في الوطن أبناء الست محدودو العدد و أبناء الجارية وهم من سائر أبناء الشعب. ونشأت في البلد طبقات غنية غنًى فاحشا في نظام يدّعي الاشتراكية؛ وأخرى مدقعة في الفقر لا تجد أملا في العمل، فيجبر ملايين السوريين على العمل في دول الخليج ولبنان و يعاملون في الأخيرة معاملة مهينة، ويصبرون على المهانة لأن العامل السوري يطعم أهله وزوجه وأولاده...
وأصبحت سورية مزرعة لنظام الأسد يقبل فيها من يشاء ويطرد من يشاء... إن الإنسان السوري أصبح مهاناً في الخارج ذليلاً في وطنه! ( أليس الشعار الذي يطلقه المتظاهرون : الموت ولا المذلة، تعبيرا فاضحا عن هذا الوضع المعاش؟).
عندما بدأ الحراك الأخير أو الانتفاضة الحالية، فإن النظام تعامل مع الشعب مثل قتلة المافيا؛ فهو لا يتحمّل من ينتقده ومن يطالب بالحرية والكرامة. إنه يقتل المتظاهرين بالرصاص الحي وهذا أمر فظيع قلّ نظيره في العالم. إنه يعاملهم كحيوانات شأنه في ذلك شأن القذافي الذي وصف معارضيه بالجرذان: الفرق بين النظامين أن القذافي يصرح علانية كيف يرى شعبه، أما نظام بشار الأسد فيعاملهم معاملة الحيوانات دون أن يجرؤ على التصريح بذلك:( ألم يستشعر السوريون بذلك في أقوالهم إن الإعلام السوري كاذب كاذب؟).
يجب أن يفهم النظام المافيوزي أنه حكم مدة أربعين سنة، أفلا يكفيه ذلك؟ ألا يريد أن يعترف أن كلمة إلى البد لم تعد تطاق في أوائل القرن الواحد والعشرين؟
نظرية المؤامرة:
يعدّ نظام بشار الأسد أن كلّ ما يجري مؤامرة نتيجة مواقفه ضد إسرائيل والإمبريالية الأمريكية، وأنه يتصدّر التصدّي والممانعة... وهذا يعني على نحو ما أنه يدافع عن قضايا الأمة، وليس مهتمّاً بالسلطة، دون أن يقول ذلك صراحة. ونحن نقول له، وعلى نحو ساذج، كما قال أحد المتظاهرين العرب مستخدماً عبارة تقليدية(شكر الله سعيك). و ويعِدُ الشعب النظام الحالي بعد تنحّيه و بالإيمان المغلّظة وعلى نحو علني شفاهية وكتابة، أن الشباب الذين سيتولون السلطة بانتخابات حرة ونزيهة سيكون تحرير الجولان أكبر همهم ودعم المقاومة أحد عزائمهم... كلّ ما يريده الشعب هو تداول السلطة وتغيير الدستور الذي يخفف من سلطات الرئيس الضخمة، وقيام حكم نيابي ودولة سيادة القانون ودولة مؤسسات، لا يسمح للرئيس بالترشح أكثر من دورتين كل مرة مدتها أربع أو خمس سنوات على الأكثر، فهل حرام على الشعب السوري أن يحلم بذلك؟