من يعفو عن من

مصطفى مفتي

لا أدري هل نحن نعيش أحداث مسلسل كوميدي هزليّ ؟! أم انها الحقيقة؟! يا للسخرية حين يعفو القاتل عن المقتول! والذابح عن المذبوح!

الحمد لله بعد حوالي خمسين سنة من المعاناة والشقاء على يد هذا النظام حصلنا على براءتنا، وهي وسام ونيشان فوق صدورنا، ينبغي أن نشكر الأسد الكبير والصغير وشبيحتحما على هذه المنحة.

والله إنّ القلم ليعجز عن مجاراة ما يجول في خاطري في هذه المناسبة، وأقول – في عجالة‑ للنظام العادل في بلادي:

·        من يعوضنا مرارة العقود الخمسة الماضية؟!

·        من يعوض الثكالى عن أبنائهنّ؟ والزوجات عن أزواجهنّ؟ والأخوات عن إخوانهنّ؟ والآباء عن أبنائهم؟ والأبناء عن آبائهم؟

·        من يعوض من قضى سجيناً لعقدين أو ثلاثة من عمره في أقبية السجون؟ ذاق فيها ألوان الذل والقهر والمهانة والعذاب.

·        من يعوض بلادي الفقر والجهل والتخلف عن ركب الحضارة؟

·        من يعوض الكثير من البنات الحرائر العفيفات عن فوت قطار الزواج؟

·        من يعوض شبابنا سنين عمرهم وقد فاتهم سن التعليم؟

·        من يعوضنا ‑ بعد أكثر من ثلاثين عاما من التهجير‑ الحرمان من أعزّ أحبابنا، حيث قَضوا إلى باريهم ونحن في شتات الغربة؟ فارقونا كمداً وحزناً وألماً على فراقنا، فمن يعوضنا فوت اللحظات السعيدة؟ وكم تمنينا أن نقضي العيد بجوارهم، لنقبل أيديهم، ونربت على أكتافهم، ونمسح دمعاتهم، ونطيب خواطرهم، ونؤنس وحشتهم، ونصلي العيد في مسجد الحيّ، ونسلم على الأحباب والأصحاب.

·        من يعوضنا وعثاء الغربة، وما سكبناه من دمعات الأسى واللوعة والشوق والألم على أرصفة دروبها؟

·        من يعوضنا حرمان أبنائنا من أواصر القربى حتى، انفصلت عندهم الأسماء عن مدلولاتها؟ فلم يعد يميز الكثير من أطفالنا بين كلمة عمّ أو عمّة أو خال أو خالة، فكل الرجال يشتركون عندهم في لفظة (عمّو) وكل النساء عندهم (خالة).

·        ومن يعوضنا .. ومن .. ومن .. ومن .. ؟؟!!.

اللهم إنّا نسألك أن تعوضنا من فضلك وكرمك وجودك، وأن تبدّل أحزاننا وحرماننا سعادة في رحابك، وأن تأخذ لنا حقنا من أولئك.... اللهم آمين.