بخيتان ورامي مخلوف.. الهم واحد

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

الكعكة السورية بناسها وترابها لا تزال محل تنازع الاختصاص بين أركان الحكم القابضين على السلطة والثروة، وبين الحزب الذي يقود المجتمع والدولة بحسب المادة الثامنة من الدستور، وهما متفقان على التمسك بالسلطة والحكم حتى النهاية كل باختصاصه.

بالأمس القريب أعلن السيد ابن خال الرئيس رامي مخلوف الذي يمسك بالمال والثروة في سورية أن الأسرة الحاكمة والتي هو جزء أساسي منها ستظل تقاتل كل من يحاول انتزاع الملك منها حتى النهاية، ويوم الثلاثاء 31 أيار المنصرم خرج علينا السيد محمد سعيد بخيتان الأمين القطري المساعد في حزب البعث الحاكم تأكيده أن الباب مغلق "أمام إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تجعل من حزب البعث الحزب القائد للدولة والمجتمع".

وأوضح بخيتان أن تعديل أي مادة في الدستور "من اختصاص مجلس الشعب"، الذي يستأثر حزب البعث بأكثر من نصف مقاعده (126) مقعداً من إجمال) 250) مقعداً، بينما تملك أحزاب الجبهة الموالية للنظام مجتمعة (41) مقعداً والمستقلين الذين يُختاروا من قبل الأجهزة الأمنية (83).

واعتبر بخيتان أنه بالنسبة لإلغاء المادة الثامنة من الدستور، "قلنا للمعارضين هناك صندوق اقتراع.. وإذا وصلتم للحكم وأصبحنا في المعارضة فألغوا المادة.. هناك أولويات أخرى غير إلغاء هذه المادة".

وإن "تعديل مواد الدستور يحتاج اقتراحا من ثلثي أعضاء مجلس الشعب ثم يعرض التعديل على الاستفتاء العام في سورية... بعد انتخابات مجلس الشعب المقبلة يحق للمجلس (الجديد) النظر في الاقتراح بموافقة ثلثي أعضائه".

ويحتكر حزب البعث الحكم في سورية منذ نحو نصف قرن عندما قاد بعض ضباطه المغامرين انقلاباً عسكرياً واستولوا على السلطة في الثامن من آذار عام 1963، ويبلغ تعداد كوادر الحزب بحسب جداوله حوالي 3 ملايين عضو من أصل تعداد سكان سورية الذي يقترب من 25 مليون نسمة، ورغم هذا العدد الكبير فإن الحزب يخشى خوض أي انتخابات حرة ونزيهة تضعه أمام الحقائق المخزية، فإذا ما تمكن الحزب من الوصول إلى مجلس النواب وهو في أحسن أحواله قبل تسلقه جدران الحكم عام 1963 بـ(18) نائب بفضل قائمة السياسي أكرم الحوراني (زعيم الحزب العربي الاشتراكي الذي اندمج مع حزب البعث عام 1952) عن مدينة حماة وريفها وكانوا (12) نائباً، ونائبين عن منطقة الجزيرة يدينان بالولاء للحوراني، فإن النتيجة تكون من نصيب حزب البعث هي (4) نواب بفضل أصوات مؤيدي الحوراني، وكان للحزب أنصار بين أوساط الطلبة والمدرسين وبعض المثقفين في مدينة دمشق وريف مدينة اللاذقية وبعض النازحين من لواء اسكندرون الذين استوطنوا مدينة حلب، وقد سبق وأخفق الأمين العام للحزب ميشيل عفلق وبعض كبار مؤسسيه من الوصول إلى البرلمان في عدة محاولات، وهذا يثبت مدى حجم وشعبية حزب البعث في أوساط الجماهير السورية، وإذا ما وصل عدد أعضائه اليوم إلى نحو ثلاثة ملايين فهذا يعود إلى المادة الثامنة التي جعلته القائد والموجه للدولة والمجتمع، وقد حصر التقدم لوظائف الدولة من الفراش وحتى رئيس الجمهورية والمؤسسات العسكرية والأمنية والمخابراتية والخدمية والنقابات المهنية والاتحادات بكل مسمياتها بمن كان منتمياً لحزب البعث حصرياً، وأعرف العديد من أبناء الوطن المبدعين ومن أصحاب الطاقات الخلاقة والنظيفين من أصحاب الأكف البيضاء حيل بينهم وبين التبوء لمنصب القضاء أو الالتحاق بالكليات العسكرية أو البعثات التعليمية، وهذا يعني أن هذا الرقم هو رقم هلامي سرعان ما يتقلص إلى حد مخزي لو ألغيت المادة الثامنة من الدستور، لأن معظم هؤلاء المسجلين في قوائم الحزب سينفضون يدهم من هذا الحزب الشمولي الذي ألحق بهم العار.. وسيقدمون استقالاتهم الجماعية منه، كما شهدنا ذلك في كل من درعا وبانياس ودوما وجبلة والمعرة والعديد من المدن والأرياف.

محمد سعيد بخيتان بتأكيده على عدم نية الحزب التخلي عن المادة الثامنة من الدستور يجعل من عملية الإصلاح التي يتبناها النظام على الورق وفي وسائل إعلامه الخشبي اسطوانة مشروخة لم تعد محل احترام عند المجتمع الدولي أو تصديق عند كافة شرائح المجتمع السوري، الذي لم يعد ينخدع بألاعيب النظام وحيله وقد عمّد طروحاته الإصلاحيه بشلالات الدماء وإزهاق الأرواح وحصار المدن والمقابر الجماعية والتعذيب الوحشي حتى الموت واعتقال وفقدان عشرات الألوف.

نجدد على أسماع بخيتان أن الجماهير السورية الثائرة التي قدمت حتى اليوم ما يزيد على 1200 شهيد وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمفقودين والمعتقلين لم تعد في محل إلغاء المادة الثامنة أو عدم إلغائها لأن هذا الأمر لم يعد يعنيها لا من قريب ولا من بعيد، وهي لم تكن تنتظر منكم إلا ما أعلنتموه فقد أعمى الله بصيرتكم وبصائركم ولا تزالون تصرون على المضي بصلفكم وغبائكم وجهلكم إلى حيث قفص العدالة بانتظاركم ليقول كلمته فيكم جزاء ما اقترفت أيديكم من جرائم وموبقات وفواحش ونهب وسرقات ومفاسد.