الشعب يريد إسقاط النظام 5
الشعب يريد إسقاط النظام
فاروق مشوح
رقم 5
إن شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " يرفعه شعب وَعَى دعوة القرآن ، وأدرك سنن الكون في التغيير ؛ فثار على الظلم الذي ناء بحمله عقودا من الزمن ، صبر على حكامه وولاة أمره ردحا طويلا من الدهر ، لعل وعسى ؛ ولكن أنى لهم ذلك .. وقد استمرأت نفوسهم الباطل ، وأدمنت على العسف والتسلط ، وتمادت في الغي والبغي والضلال ؛ فلا بد من صرخة تزلزل العروش ، وانتفاضة شجاعة تعري الباطل وتسفر عن وجه الحق ، حتى يهتدي الحيارى ويرشد المضَلَّلون ، ويرتدع المستكبرون العابثون ...
إن مظالم هائلة رمت بثقلها على كواهل الشعوب ؛ بحيث باتت عبئا لا يحتمل ، تنوء بالأمة أن تصبر عليه ، وتحتمله إلى الأبد ؛ حتى قامت معلنة ؛ أن طريقها إلى الخلاص هو عزيمة ناهضة .. تريد تغيير النظام ؛ تنفض به عنها غبار الظلم والذل والرضوخ والغفلة والإهمال .. وتستعيد حياتها الكريمة ، وحيويتها النابضة ، وحقوقها المسلوبة والمغصوبة ؛ وقد أنجزت الأمة بعضا من مهماتها في بعض من أقطارها .. وشعبنا في سورية الثائرة اليوم في طريقه إلى الإنجاز والنصر المبين ؛ " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " ...
إن الدعوة إلى التغيير " التغييرية " هي دعوة قرآنية أصيلة ، وهي من أهم سنن الكون وسنن الاجتماع ؛ فالله _ سبحانه _ يقول : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، والثانية من الآيتين في هذا المعنى نزلت في المدينة بعد غزوة بدر في سورة الانفال " ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " فهو قانون عام في التغيير لا يتحقق إلا بما يقوم به الإنسان من تغيير داخلي في نفسه حتى يغير الله له في حياته على مستوى الفرد ثم على مستوى الجماعة شعبا وأمة ...
إن تغيير مراكز القوى و أنظمة الحكم ؛ من أهم صور التغيير ، وأبعدها أثرا في حياة الأمم والشعوب " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " .. والله الذي لا يتغير _ سبحانه وتعالى _ يغير كل يوم في كونه ما يشاء بما يشاء إلى ما يشاء " كل يوم هو في شأن " سورة الرحمن ...
وعلى هذا فتحت شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " يمكن أن نقول _ كل ما يمكن قوله _ عن نظام جثم على صدر شعبنا قريبا من نصف قرن ، قام فيه بكل أنواع البطش والعسف والإجرام ؛ لقد دمر المدن على ساكنيها ، وشرد أهلها في جهات الأرض الأربعة ، وغيب الآلاف منهم حتى الآن بلا أثر ولا خبر ، فضلا عن القتلى والأسرى والمعوقين .. أما جرائمه في ممارسته التي يقوم بها بلا رقيب أو حسيب فحدث ولا حرج ؛ من نهب للمال العام ، وفساد عريض في المسؤولية ، وتسلط ظالم على الفرد والمجتمع ، وتحكم في القرار واستئثار في المنصب والمكسب والثروة .. إنها سلطة القرار ، وإغراء المال المطلقة ، وحسبك في ذلك من فساد وإفساد .. " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار " .. الآية ...
6
هذه الحلقة تأتي قبل جمعة غضب حاشدة _ بإذن الله _ هي جمعة " الصمود " ، أو جمعة " الحرية " ، أو جمعة الصمود من أجل الحرية " ، وقد دعا إليها السوريون الأحرار ؛ شعب سورية الثائر _ إلى خروج حاشد ؛ بعد صلاة الجمعة في كل أنحاء البلاد ...
واستباقا لهذه الغضبة السورية السلمية الشعبية ، في جمعة غضب جديدة ؛ تحرك النظام برموزه المختلفة ، وبأسلوبه التضليلي المعتاد ؛ منطلقا من قواعده الجامدة في العمل ، وإدارته الفاشلة في الأداء ، ومعالجته المكشوفة في الأزمات ؛ حيث قام بحركات أقرب إلى التمثيل منها إلى الحقيقة ؛ يريد منها تهدئة الغضب العارم ، وتضليل الرأي العام في مستوييه الداخلي والخارجي ...
لقد أعلن عن تشكيل حكومة ؛ لا تعدو عن كونها تبديل وجوه بوجوه يستعملها النظام حين الحاجة ، ويستغني عنها حين انتفائها ، فما الفرق بين بيدق يأتي ليشغل منصبا شغله قبله من لا يختلف عنه شكلا ولا موضوعا ؛ حتى ينتهي مفعوله فيقذفه في غيابة النسيان ؛ وهذا الجديد عضو في الحزب والدولة والنظام ؛ كما كان سابقه .. فما جدوى التبديل والتغيير ، أليس هذا هو العبث بعينه ! ...
ثم قفز رئيس النظام بحركة بهلوانية إلى مدينة الحسكة في الجزيرة شرق سورية ليسترضي مكونا من مكونات شعبنا المقهور ؛ وهم الأكراد الذين عاشوا في هذا الوطن بلا جنسية ولا هوية ، وعانوا من حكم هذا النظام وقهره مثل سائر المواطنين ؛ نقصا في الحقوق ، وملاحقة للنشاط من أي نوع كان ، وتجاوزا على الحرية بسبب أو بدون سبب .. وهذا هو دأب النظام منذ أول يوم حكم فيه ، فهو قائم على عناصر الظلم الثلاثة ؛ الحزب المتسلط ، والأمن المستكبر ، ورموز القصر المستبدة .. وأساليب هذا الثالوث الحاكم رشوة لشرائح معينة ، وإغراء سخيف لأخرى ، وقهر واستعلاء على ثالثة ...
وهذا ما حدث عندما التقى هذا الرئيس المهزوز بعض وجهاء عشائر الأكراد وقدم لهم مطلبا مستحقا منذ قريب من نصف قرن ، وهو تجنيس أعدادهم التي كانت بلا تجنيس ، ولا هوية ، ولا مواطنة ، ووعدهم بأن يكون يوم النيروز للعام القادم عيدا وطنيا ، ثم عاد ظافرا من جولته يسبح له المنافقون وأصحاب الأهداف الرخيصة ويحمدون ويشكرون ..هذا ما كان مع الأكراد ، أما مع شريحة النساء اللائي أبعدهن عن وظائفهن قبل شهور لا لجريمة ما بل لأنهن محجبات وحسب ، فقد وعدهن بالعودة إلى الوظائف والاعمال السابقة .. و كانت تلك الحملة الظالمة التي ذكرناها ضمن موجة علمانية أعلنها النظام في ذلك الوقت لكنه الآن يتناساها مضطربا غير مدرك لما يفعل وما يترك من أعمال ...
إنه يقدم لشعبنا أُلْهيات باهتة ، ومظاهر زائفة ، وخدع ساخرة يظن من ورائها أنه يحكم شعبا ساذجا إلى هذه الدرجة التي يتخلى فيها عن مطالبه العادلة ، وحقوقه المهتضمة ، وأهذافه النبيلة في العدل والتحرر والانعتاق .. إن هذا النظام لا يعتبر بما يراه ويسمعه من مشاهد الحكام الظلمة الذين سقطوا أمامه ملطخين بالعار حتى أضحوا أضحوكة العالم ، وسخرية الشعوب .. وحكام سورية المتسلطون ليسوا أقل منهم جريمة ، ولا أخف منهم إثما ، ولا أبعد منهم عن دائرة الظلم والاستبداد والفساد .. لقد ذهبوا إلى غير رجعة وكذلك هو مصير نظام الحزب والقوى الأمنية والقصر الموروث في دمشق .. إلى الهاوية المنتظرة ، والغياب المحتوم ، والنهاية البائسة " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ، إن أخذه أليم شديد " ...
7
هذه حلقة _ من هذه السلسلة _ ثائرة مستنفرة حاشدة ، كما هو الوضع الحالي في سورية في هذه الساعة الحامية الشديدة ؛ فأنا أكتب هذه الكلمات ، والأخبار ترد علي سحا بلا توقف ، كما هو المطر الذي ينهمر خارج غرفتي يطل علي من النافذة ، مزنا ربيعيا هطالا ، وابله يصل الأرض بالسماء ، خيرا يعم الوجود الذي تشغله أمتنا ، وتتحرك فيه شعوبنا .. فهذه أخبار سورية قائمة قاعدة في كل محافظاتها ؛ بعد صلاة الجمعة لهذا اليوم المبارك .. درعا منطلق الثورة ضد النظام السوري المجرم ، بلغ شهداؤها حتى الآن العشرين ، والموكب يتتابع صاعدا إلى السماء .. تتبعها لاذقية العرب على ساحلنا السوري الممتد من الشمال إلى الجنوب الذي عمته تلك المظاهرات السلمية الحاشدة في بانياس وجبلة وبقية المدن ...
أما حمص ففيها الأشاوس من أبناء خالد بن الوليد ؛ الذين سجلوا على وجه الخلود صورة مشرقة تمزق أصنام النظام وتماثيله المحنطة .. الجزيرة السورية بمدنها المعروفة تحشد الآلاف ؛ ترفض رشوة النظام في تجنيس بعض أفراد شعبنا حرمهم النظام الجائر على مدى خمسين عاما من حكمه حقهم في المواطنة حيث التقى رئيس النظام نفرا من ضعاف النفوس ؛ تحركت أطماعهم لدى التلويح بلعاعات تافهة ، ومغريات هابطة ، وطمع دنيء ، لكن الشعب السوري هناك ، الذي أدرك لعبة النظام ، وكشف أحابيله المصطنعة ؛ خرج اليوم يرد على هذا النظام " الجنسية لا تغني عن الحرية " .. والشعب السوري واحد يطلب الحرية الحقيقية ...
وأعتذر " لدوما " التي تقف منذ أول الاحداث شامخة أبية تقدم التضحيات ، وتسجل المواقف السامية .. وهي الآن في معركة حامية الوطيس مع النظام المجرم الخؤون ، غير عابئة بقطع الاتصالات ، وإحكام الحصارات يستفرد بها الظالمون لإنها ثائرة بلا هوادة ، عنيدة بلا مساومة ...
وهل أتاك حديث المنطقة الشرقية " دير الزور والبوكمال والميادين " .. فأخبارها تملأ الفضاء الرحب ، وترسل الرسائل الغاضبة ؛ وهي تجابه شراسة هذا النظام بعزيمة الأشاوس أبناء العروبة الصافية ، والأصل الراسخ الأبي ؛ الذي لا يقبل الذل ، ولا ينام على الضيم .. وكيف يقبل ذلك وهم أبناء الفرات الهادر ، وأحلاس الصحراء الممتدة الذين أعلنوا جمعة الغضب مع كل أبناء سورية الباسلة ...
وأعتذر مرة ثانية لكل مدينة وبلدة وقرية ، بل لكل حي وشارع وميدان التي تقف جميعا صامدة غاضبة راغية مزبدة بوجه هذا النظام العاتي ، الذي لا يرعى في مواطن إلا ولا ذمة ، فهو يقتل الشعب بلا تفريق ويبيد أبناءنا بلا تمييز ؛ لأنه رأى من هذا الشعب العظيم وحدة وقوة وتماسكا ؛ أثارت غيرته ، وحركت غريزة الإجرام فيه .. إن الشعب السوري الثائر هذا اليوم يريد اجتثاث هذا النظام من جذوره ، والتعفية على أي أثر له كأن لم يغن بالأمس ؛ إنه يريد حياة طيبة كريمة ؛ تملؤها العزة ، وتزهو فيها الكرامة ، وتعبق في ربوعها نسائم الحرية .. يريد هذا الشعب إسقاط النظام ...