النظام السوري يعيدنا إلى همجية ما قبل 1400 سنة

محمد فاروق الإمام

النظام السوري

يعيدنا إلى همجية ما قبل 1400 سنة

محمد فاروق الإمام

[email protected]

قبل 1400 سنة لاكت هند بنت عتبة كبد أسد الله حمزة بن عبد المطلب ومثلت بجثته بعد استشهاده يوم أحد انتقاماً لقتل حمزة لأبيها وأخوها وعمها يوم بدر في حرب مشروعة بين عدو وعدو، وفي عالم الحروب في ذاك الزمان، ولم تكن العرب بعد قد أجمعوا على الإسلام الذي حرم التمثيل بجثث القتلى، قد نجد من يسوغ فعل هند بنت عتبة وقد فُجعت بمقتل أبيها وأخيها وعمها، ولكن ما المسوغ للنظام السوري السادي الذي يحكم دولة وعليه تقع مسؤولية حماية المواطنين وسلامتهم وقد أطلق قطعان ذئابه الجائعة وضباعه المتوحشة لتفترس الناس وتروعهم وتخطف بعضهم كما حدث للطفل حمزة علي الخطيب الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، كان يسير في أطراف درعا مع بعض أقرانه من الأطفال يهتفون ببراءة (الشعب يريد إسقاط النظام) يوم التاسع والعشرين من شهر نيسان الماضي ويمضون به إلى بعض أقبية التحقيق في أحد فروع الأمن ويتفنون بسادية ما سبقهم إليها أحد من البشر بتعذيب هذا الطفل البريء الذي شاهدنا صورته بوجهه الصبوح عند تشييع جنازته قبل أيام، وكأنه نسخة عن يوسف عليه السلام، الذي لم يفعل به فرعون مصر ما فعل فرعون الشام بهذا الطفل بعد ما يقرب من أربعة آلاف سنة أو يزيد.

إن مشهد آثار التعذيب لهذا الطفل تأبى العيون متابعتها والمشاعر تصورها فكل خلية من جسد هذا الطفل تجأر إلى الله وتقول بأي ذنب فعلت هذا بجسدي يا بشار؟!

إن ما رواه الصحافي سليمان الخالدي مراسل (وكالة رويترز) عن مشاهداته المرعبة، عندما قبضت عليه أجهزة الأمن السورية متلبساً بتغطية ما يجري في درعا، واقتادته إلى أحد أقبية التحقيق في أحد فروع الأمن التي لم يذكرها لأنه لم يخبر بتابعية الرجال الذين قبضوا عليه وبقي فيه أربعة أيام ثقيلة كثقل الجبال الراسيات على صدره، كما قال، وروى ما شاهده من الحالات المروعة لما يتعرض له المعتقلون من صنوف التعذيب الوحشي الذي تعجز مفردات العربية على كثرتها من وصفها، حيث يخبرنا بما شاهد:

(كان الشاب معلقا من قدميه ومتدليا رأسا على عقب وتسيل رغاوي بيضاء من فمه وكان أنينه غير بشري.. هذا مشهد من مشاهد كثيرة للامتهان الإنساني التي رأيتها خلال استضافتي بالإكراه في المخابرات السورية).

ويضيف قائلاً: (لقد استطعت أن أسمع خارج الغرفة قعقعة السلاسل وصراخاً هستيرياً ما زال يدوي في رأسي حتى يومنا هذا).

وعن التحقيق معه يقول الخالدي (استمر الاستجواب ثماني ساعات حتى منتصف الليل في اليوم الأول من اعتقالي. كنت معصوب العينين في معظم الأحيان لكن العصابة أزيلت لبضع دقائق.

وعلى الرغم من أوامر المحققين بأن أظل خافضاً رأسي حتى لا أستطيع رؤيتهم تسنى لي أن أرى رجلاً وقد وضعوا رأسه في كيس يصرخ من الألم أمامي..
حين طلبوا منه أن ينزع سرواله رأيت أعضاءه التناسلية المتورمة مربوطة بسلك بلاستيكي، وقال الرجل الذي قال إنه من محافظة إدلب بشمال غرب سورية "ليس لدي ما أقول لكنني لست خائنا ولا ناشطاً. أنا مجرد تاجر"، وأصبت بالفزع حين انتزع رجل ملثم زوجاً من الأسلاك من قابس كهربائي وصعقه في رأسه).

وعن معاناته في المعتقل يقول الخالدي: (تمددت لفترات طويلة على خشبة في زنزانة بلا نوافذ مضاءة ببعض الأنوار النيون مليئة بالصراصير التي تابعتها جيئة وذهابا،
وكانت صرخات المعتقليبن التي أسمعها من وقت لآخر أين أنا وما قد يحدث. وضعوني في الحبس الانفرادي وكان السجانون يعطونني قطعة من الخبز الجاف أو حبة من البطاطا وأخرى من البندورة مرتين يومياً.. وحين كنت أريد الذهاب إلى المرحاض كنت أدق على باب زنزانتي ويظهر سجان حينذاك لكن الاستجابة لمطلبي قد تستغرق أكثر من ساعة.. فكرت في آلاف المحبوسين في السجون السورية وكيف يتحملون الحبس الانفرادي والإهانة المستمرة وكثير منهم على هذا الحال منذ عقود.. بالطبع لست أول النزلاء في هذه الزنزانة.. أحد أسلافي غير المعروفين حفر عبارة على الحائط بأظافر يديه فيما يبدو تقول 'ربنا على الظالم").

ويقول الخالدي عن مشاهداته لما حصل في درعا: (استرجعت الأحداث في درعا وآلاف الشبان الذين كانوا يهتفون "حرية" والتعبيرات التي كست وجوه النساء والأطفال والشيوخ الذين خرجوا للشوارع للمشاهدة في مزيج من الدهشة والسعادة وروح التحدي المثيرة.. رأيت عقودا من الخوف الذي زرع في قلوب وعقول الناس تتداعى حين تحدى مئات الشبان بصدورهم العارية الأعيرة النارية التي أطلقها رجال الأمن والقناصة من على أسطح المباني.. لن أنسى أبداً جثث الرجال الذين قتلوا بالرصاص في الرأس أو الصدر والذين كانوا يُحملون في شوارع درعا الملطخة بالدماء وعشرات الأحذية المتناثرة في الشوارع لشبان يفرون من نيران الأسلحة.(

غيض من فيض هذا الذي رواه مراسل وكالة (رويترز) فما شهدناه من مناظر مروعة من آثار التعذيب الوحشي على جسد الطفل الدرعاوي حمزة، وما شهدناه من مناظر تقشعر لها الأجساد مما تركه الساديون من بصمات وحشية على جسد الشهيد الأستاذ أسامة حسين الزعبي الذي ينتمي إلى بلدة المسيفرة، وقد سلخ جلده وبقر بطنه وتغيرت ملامح وجهه، وغطت الكدمات سائر أنحاء بدنه الذي اخترقته العديد من طلقات الرصاص عن قرب، حيث كانت تنفذ من مكان إلى مكان في جسده.

لقد عبر السيد (لمالكولم سمارت) مدير منظمة العفو الدولية (امنستي) بغضب موجهاً كلامه إلى قادة العالم أن (عليهم أن يخجلوا من أنفسهم عن سكوتهم عما يجري في سورية من أعمال وحشية وقمع مفرط بحق المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية).

وسط هذا المناخ المرعب الهمجي البدائي تعلن وسائل الإعلام للنظام على مدار الساعة عبر أدواتها من أصحاب الخطاب المبرمج عن مبادرة للسيد الرئيس (المختفي عن الأنظار منذ شهرين تقريباً) يدعو فيها إلى الحوار من أجل وضع خارطة طريق لتنفيذ الإصلاح، تحت سقف القتل والإبادة والمقابر الجماعية والتعذيب والاعتقال والقمع والملاحقة، دون أن يجد، كما تقول أبواق النظام، طرفاً محاوراً يمكن التحاور معه.

الشعب الثائر في كل المحافظات السورية عبر من خلال المظاهرات التي قام ويقوم بها منذ الخامس عشر من آذار الماضي رفضه لأي حوار مع هذا النظام السادي الذي لا يعرف من أدوات الحوار إلا البندقية والدبابة ولعلعة الرصاص، وقد لخص الثائرون بكلمات واضحة بينه أهدافهم: (الشعب يريد إسقاط النظام).. (ما منحبك ما منحبك ارحل عنا أنت وحزبك).. (إلي بيقتل شعبه خاين).. (لا تفاوض لا حوار مع ماهر ومع بشار).. (على الجنة رايحين شهداء بالملايين).