أغنية المندسين السوريين
ياسر الزعاترة
الدستور 9/5/2011
يبدو أن الثورة السورية الباسلة ستشرع في صناعة فنونها وأغانيها الخاصة المعبرة عن روحها وضمير المشاركين فيها، تماماً كما فعلت الثورة المصرية والثورات الأخرى من قبل.
في الأغنية التي أسماها أصحابها «أغنية المندسين»، أداء «فرقة المندسين السوريين» (لم يذكروا صاحب الكلمات الذي سيكون مندساً بالضرورة!!). في الأغنية الجميلة رغم لحنها المقتبس تعبير رائع عن روح الثورة. تقول كلماتها (العامية حتى لا يعترض البعض على الأخطاء النحوية) الموجودة على «اليوتيوب» باسم أغنية المندسين:
قالوا عنا مندسين، قالوا عنا مخربين، قالوا عنا مسلحين، قالوا عنا سلفيين، قالوا عنا وياما قالوا، نسيوا يقولوا سوريين، سوريين، سوريين.
سوريا بلد الأحرار، سوريا رجالك ثوار، شهدائك زفوا بالغار، مهما اشتد الظلم وجار، بدنا نشيلك يا بشار، رح بنشيلك يا جزار.
ثورتنا ثورة سلمية، انتفاضة للحرية، ما بدنا طائفية، ولا بدنا عنصرية، دايم رح نكتب سلمية، سلمية، سلمية.
والحرية للإنسان، مكتوبة بكل الأديان، ما هي منحة من السلطان، مشروعة بكل الأزمان، ما بدنا حكم الظلام، يسقط يسقط النظام. يسقط يسقط النظام، يسقط يسقط النظام.
هل ثمة أجمل من هذا؟ ألا يستحق الشعب السوري العظيم أن يكون حراً يعبر عن إرادته بالطريقة التي يريد؟ هل تحول المقاومة والممانعة دون تعبير الشعب عن نفسه؟ وهل ثمة من يزايد على السوريين بأنه أكثر انحيازاً للمقاومة والممانعة منهم؟!
يومياً نستمع إلى وصلات ردح من قبل أزلام النظام والمعبرين عنه ضد الفضائيات التي لا تنقل الحقيقة بحسب رأيهم، لكأن على الناس أن يستقوا الحقيقة من أفواههم هم لا غير، أو لكأن العالم قد أجمع على ترتيب مؤامرة ضد النظام، مع أن الذي يصرخون من سوريون، ومن يموتون سوريون، ومن يعتقلون سوريون.
آلاف الشهداء والجرحى حتى الآن، وأكثر من ذلك بكثير من المعتقلين في مساعي سحق الانتفاضة التي تثبت كل يوم أنها ليست في وارد التراجع حتى تتحقق أهدافها.
في البداية كانت درعا التي لم تغادر مربع الاستهداف، وخلال الأيام الماضية جاء دور «بانياس» التي استبيحت من قبل عناصر الأمن و»الشبيحة»، وهم عناصر أمن أيضاً، وقبلها حمص والحبل على الجرار.
يتبجحون بأن الشوارع السورية لم تشهد مسيرات مليونية كما هو الحال في مصر واليمن، لكن من قال إن الوضع متشابه هنا وهناك؟ من قال إن مصير المتظاهر في صنعاء هو ذاته في دمشق؟ من دون أن يكون ذلك تزكية لعلي عبد الله صالح، فقد دفع اليمنيون مئات الشهداء حتى الآن، لكنهم أصروا إصراراً رائعاً على سلمية تحركهم.
في سوريا تستباح المدن وتقطع عنها المياه والكهرباء حتى ينفضّ الناس من حول الثورة، وهو ما لم يحدث لا في مصر ولا في تونس ولا اليمن، وفي سوريا يُعتقل الآلاف وهو ما لم يحدث في الثورات السابقة، وفي سوريا استخدمت الدبابات، وهو ما لم يحدث في الدول الأخرى، وهو ما دفع رجلاً بحجم أردوغان إلى التحذير من مجزرة حماة أخرى. وفي سوريا يخرج المتظاهرون ولا يعرفون إن كانوا سيعودون إلى بيوتهم أم لا.
على أن ذلك كله لا يعدّ ذكاءً ولا بطولة بأي حال، ولو كانت تلك الوسائل قادرة على قمع انتفاضات الشعوب لما تردد الآخرون في استخدامها. ونذكر هنا برفض الجيوش الأخرى التدخل لصالح الأنظمة وإطلاق الرصاص على الناس، وكلنا أمل ألا يتورط الجيش السوري في مواجهة شعبه.
ليس لدينا شك في أن السوريين سيواصلون ثورتهم حتى الانتصار، وليس لدينا شك في أن الدماء التي تسيل ستصّعد لهيب الثورة، وكذلك حال مسلسل الاعتقالات الرهيب، فضلاً عن استباحة المدن.
لقد أيقن السوريون أن حكاية الإصلاح ليست في وارد النظام، وأن أقصى ما يمكنه التفكير فيه هو إجراءات شكلية لا ترضي الإنسان السوري ولا تغير في منظومة القمع والدكتاتورية التي تجثم على صدر السوريين منذ عقود. ولذلك ليس أمامهم غير المضي في مسيرتهم مهما بلغت التضحيات، ويبدو أنها ستكون كبيرة كما تقول أكثر المعطيات المتوفرة.