الكونغرس الأمريكي يفضح جرائم التعذيب

التي ارتكبتها مخابرات بلاده في بلدان العالم

بما فيها العربية والبرلمانات العربية تغط في سباتها

محمد شركي

[email protected]

كشف الكونغرس في تقرير طويل عريض فظائع التعذيب التي مارستها وكالة المخابرات الأمريكية في شتى أقطار العالم ،ومن ضمنها أقطار عربية .

ولقد سبق أن تناول الإعلام العالمي قضية التعذيب التي تمارسه هذه الوكالة في شتى أنحاء العالم ضد من تشتبه فيهم ، وكانت البيت الأبيض ينكر ذلك حتى شهد شاهد من أهله على صحة ذلك . وما اقترفته المخابرات الأمريكية جريمة ضد الإنسانية ، ولا مبرر لها خلاف ما زعم بالأمس مدير وكالة المخابرات الذي واجه الصحافة بوجه لا حياء فيه ، وحاول تبرير هذه الجريمة النكراء مدعيا أن هذه الجريمة كانت لصالح الشعب الأمريكي وكأن هذا الشعب فوق شعوب العالم من حق مخابراته أن ترتكب الفظائع من أجله . وتعتبر جريمة التعذيب التي كشف عنها الكونغرس الأمريكي فضيحة العصر التي لا ترقى إلى مستواها فضيحة .

ولطالما ارتفعت أصوات المنظمات الحقوقية في العالم للمطالبة بإغلاق معتقل غوانتانامو الرهيب ، والذي يفوق المعتقلات النازية والفاشية حيث تمارس أبشع أنواع التعذيب ضد مخلوقات بشرية بائسة . والفضيحة الكبرى هي أن تظل بعض البرلمانات العربية التي شهدت بلدانها جرائم التعذيب صامتة لا تجرؤ على مساءلة أنظمتها ، ولا تكشف عن تقارير في هذا الشأن كما فعل البرلمان الأمريكي. ويتساءل الإنسان العربي كيف استطاع الكونغرس الأمريكي الوصول إلى ما تمارسه أجهزة المخابرات خارج الولايات المتحدة في حين لا علم للبرلمانات العربية بما يجري فوق أراضيها وربما ضد مواطنيها أو مواطنين من بلدان شقيقة ؟ وعلى الإنسان أن يتصور كيف ستصبح وحشية أجهزة المخابرات العربية وهي تعاين أو تسمع بوحشية المخابرات الأمريكية فوق أراضيها ؟ وهل يستطيع المواطن الأمريكي أن يثق بعد اليوم في نظامه الذي خدعه ، و أخفى عنه حقائق التعذيب الممارس من طرف وكالة المخابرات ؟ وهل يستطيع النظام الأمريكي بعد اليوم أن يتحدث عن الديمقراطية والحريات ، ويدعي أنه على رأس ما يسمى العالم الحر ؟ إن فعل المخابرات الأمريكية جعل شعوب العالم تشعر بأنها تعيش في عالم يقوده نظام شبيه بالعصابات الإجرامية التي تختطف وتعيث في الأرض فسادا . وهذه التصرفات تجعل الإنسان يفكر في استمرار عقلية العصابات الأوربية المهاجرة إلى الأراضي الأمريكية ، والتي عملت على تصفية السكان الأصليين ، ومارست عليهم الإرهاب والتعذيب من أجل رفاهيتها .

ولا زالت هذه العقلية مستمرة حيث تمارس العصابات الأمريكية الإرهاب والتعذيب ضد شعوب العالم من أجل فرض هيمنتها وسلب الخيرات وتسويق المنتوجات... ومن الغريب أن تطلق وكالة المخابرات يدها في تعذيب البشر مع وجود قضاء وعدالة ومحاكم هي التي لها صلاحية مقاضاة من يدان بفعل أو جرم . وإن الذين يقبعون في معتقل غوانتانامو لا وضعية قانونية لهم ، فلا هم مدانون يعرضون على القضاء ليقضي في حقهم بأحكامه ، ويقضون محكوميتهم ، ولا هم أبرياء يسرحون ، بل هم مجرد مخلوقات بشرية شبيهة بفئران التجارب تتدرب وكالة المخابرات الأمريكية وغيرها من الأجهزة الأمينة والعسكرية على التفنن في تعذيبهم . ولقد أعاد الأمريكيون العالم إلى العصور المظلمة ما قبل التاريخ حيث كان البشر متوحشون يمارسون التعذيب على بعضهم البعض في غياب العدالة . وأكبر كذبة يخادع بها النظام الأمريكي شعبه وباقي شعوب العالم أنه مستهدف بالإرهاب ، والحقيقة أن النظام الأمريكي يقف ويدافع عن إرهاب و ظلم صارخ في منطقة الشرق الأوسط وهو إرهاب ، وظلم يمارسه الكيان الصهيوني المحتل للأرض العربية بالقوة . ومساندة النظام الأمريكي لهذا الكيان الظالم المستبد هو الذي ولد الكراهية في العالم العربي والإسلامي ضد الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين . ومما زاد العالم العربي والإسلامي كراهية للغرب احتلال الولايات المتحدة لبلدان عربية وإسلامية بذريعة محاربة الإرهاب ، وتدخلها في شؤون بلدان عربية أخرى وإجهازها على التجارب الديمقراطية الناشئة كما هو الشأن في دولة مصر وليبيا... والولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية تكذب على شعوبها وتخادعها مدعية أنها مهددة بالإرهاب دون أن تكشف لها عن الحقائق . وإن ما كشف عنه اليوم الكونغرس الأمريكي من جرائم التعذيب الذي تمارسه وكالة المخابرات يؤكد بجلاء أن الاحتلال الأمريكي لبلدان عربية وإسلامية ، وقلب أنظمتها وإجهاض تجاربها الديمقراطية الناشئة ... كل ذلك جرائم لا تقل فظاعة عن جرائم التعذيب . وعلى الشعوب العربية أن تسائل برلماناتها التي تدعي تمثيلها والدفاع عنها عن جرائم التعذيب التي مارستها المخابرات الأمريكية فوق أراضيها ومن كان ضحية هذه الجرائم من رعاياها والذين لهم حق المواطنة والحماية والرعاية؟