فضيحة كبرى جديدة لكردستان

فضيحة كبرى جديدة لكردستان

ونائب يعلن عجز البرلمان ويدعو للخروج إلى الشوارع

صائب خليل

تتوالى الفضائح والتحركات المشبوهة بأسرع مما نستطيع تغطيته بشكل كاف، فنكتفي باختيار الأخطر والأشد من ما يكشف من فضائح مؤامرة طويلة الأمد ومدروسة بعناية لتحطيم العراق تحطيماً تاماً. ولعل أخطر الفضائح الجديدة ما أثارته النائب حنان الفتلاوي، عضو البرلمان العراقي، والتي تكاد تكون الوحيدة ممن بقي له فم كما يبدو في العراق. ففي مؤتمر صحفي أخبرتنا الفتلاوي عن فضيحة مالية مدوية جديدة لكردستان، هي سرقة من شكل آخر وبعيدة عن ما نعرفه من عمليات الإستيلاء على الأراضي وتهريب النفط ورشاوي الـ 17% والتهرب من تقديم حصتها من النفط. فضيحة نمت خلسة مع الوقت حتى بلغت رقماً فلكياً مقداره 36 مليار دولار، وهو ما يزيد عن المبالغ المخصصة لها سنوياً بثلاث مرات، شفطتها كردستان وبشكل تدريجي وغير مفهوم على مدى السنين الماضية منذ 2005 وحتى اليوم! 

حين راجعت الأخبار للتأكد وللمزيد من المعلومات من مصادر أخرى، اثارت دهشتي عدم تغطية الخبر الذي اعتمد على تقريرين رسميين من تقارير الرقابة المالية، من معظم وسائل الإعلام العراقية، ومن أشار إليه فعل ذلك بطريقة سريعة هي أقرب إلى الطمس منها إلى الكشف، بالقياس إلى حجم السرقة المهول وطريقتها المبتكرة ومعانيها بالنسبة للعلاقة بين كردستان وبقية العراق، وهو ما يثير المزيد من علامات الإستفهام عن هوية الإعلام في العراق. 

وبالفعل فأن النائب حنان الفتلاوي قد بدأت مؤتمرها بالإعلان عن أستغرابها لإخفاء تلك النقطة وعدم تداولها من قبل الجهات التي يفترض بها أن تثيرها ضمن واجبها، مثل اللجنة المالية المختصة بالرقابة المالية في مجلس النواب أو وزارة المالية.. 

وأشارت الفتلاوي في المؤتمر إلى أن الإتفاق النفطي بين كردستان وحكومة العبادي تجنب تماماً الحديث عن المبالغ التي في ذمة الإقليم للحكومة الإتحادية، رغم أنه تطرق إلى صرف مبالغ لكردستان من ضمنها مبالغ مخصصة للبيشمركه وأخرى لحكومة كردستان، وقالت: استغربنا غياب فقرة مهمة من بنود الإتفاق ولم يشر إليها أحد. توقعت أن يخرج شخص من ديوان الرقابة المالية ويتحدث بها، وتوقعنا أن يثيرها أحد من طرف وزارة المالية وتوقعنا ان يثيرها أحد من جانب اللجنة المالية (في مجلس النواب) وهي لجنة مختصة. 

واستندت الفتلاوي إلى تقريرين حديثين وصلا إليها قبل ايام (5445 صادر في 26 آذار 2014، و 13510 في 17 تموز 2014) بأن في ذمة الإقليم مبالغ للحكومة الإتحادية كانت قد صرفت زيادة عن حصة الإقليم من قبل جهات مختلفة. وأكدت الفتلاوي: "انا لا أتحدث عن أموال النفط، هناك مبالغ صرفت للإقليم من قبل الوزارات زيادة عن حصته المخصصة في الموازنة، بلغت منذ 2005 ولنهاية 2012 فقط، 21 ترليون و 309 مليار دينار ... بسبب "خطأ" بعض الوزارات أو تعمدها! وتوزعت هذه "الأخطاء" على بنود : 

مبالغ الحصة التموينية

ومبالغ مخصصات الأدوية

ومبالغ مخصصات استيراد الطاقة

ومبالغ التعداد السكاني

ومبالغ دعم المزارعين

ومبالغ شراء الحنطة والشلب

ومبالغ الرعاية الإجتماعية

ومبالغ إزالة الألغام

ومبالغ الحج

ومبالغ استيراد الوقود للمحطات

ومبالغ حل نزاعات الملكية

ومبالغ استيراد الوقود.

"في كل من هذه البنود يشير تقرير ديوان الرقابة المالية إلى أن المبلغ المصروف فعلياً لكردستان كان يتجاوز المبلغ المخصص، مثلا أن يكون المبلغ المخصص لها في الميزانية على أحد البنود 3 مليار، ليجد ديوان الرقابة المالية ان المصروف لها كان 5 مليار. وبالتالي فما صرف للإقليم (كان) بدون وجه حق بسبب خطأ او تعمد من قبل بعض الجهات...."

"ولو أضفنا له المبالغ المترتبة على ذمة الإقليم لسنتي 2013 و 2014، يصبح المجموع 42 ترليون دينار ، أي ما يعادل 36 مليار دولار، هو ما تطلبه الحكومة الإتحادية من الإقليم. ونستغرب أنه بالرغم من وجود مبالغ كبيرة بذمة الإقليم للحكومة الإتحادية ولم تسلم لحد اللحظة، ودون أن ينص في بند ما عن مصير هذه الأموال وهل أنها سوف تسدد في المستقبل، كلياً أو جزئياً، أو حتى أن تثبت كحق. لم يذكر أي نص (في الإتفاق) حول الأموال المترتبة بذمة الإقليم."

وطالبت الفتلاوي بالعدالة في توزيع الأموال بما يحقق التنمية المتوازنة ، وقالت أن "الإتفاق مضى وصوّت عليه مجلس الوزراء دون أن يمر على مجلس النواب".. وأشارت إلى أن الحكومة الإتحادية تقتر فيما يتعلق بصرف الرواتب لمختلف فئات الشعب لكنها تهب الأموال سراعاً للإقليم، وقالت أن الإتفاق اقر بتسليم الإقليم نصف مليار دولار ثم مليار (آخر) مقابل السماح لنا بتصدير بعض نفط كركوك التي مازالت تابعة للعراق وليس للإقليم ومازالت تستلم عوائدها من الحكومة الإتحادية وليس من الإقليم.. وطالبت الحكومة بوقفة جادة من هذه الحقائق التي كشفها تقريري ديوان الرقابة المالية.. (1)

وقد أكد هذه الأرقام رئيس اللجنة المالية النيابية، مشيراً إلى أن الإقليم "لا يحب الإعتراف بهذه الأرقام"!(2)

إن هذه الأرقام، لا يمكن أن تكون "أخطاءاً" فالأخطاء لا تتراكم بل يمحي أحدها الآخر، لأنها لا يمكن أن تكون "صدفة" في صالح جانب واحد، فيتم الخطأ دائماً لحساب الإقليم! إنها إذن عملية اختراق واسعة النطاق لمؤسسات الدولة العراقية وتنظيم عمليات سرقات كبرى مؤمنة من الكشف والحساب من خلال قدرة الرئاسات الكردستانية أو نوابها أو غيرهم على التغطية والإعفاء. ولا أقول أن كردستان ولصوصها وحدهم في هذا الفساد، لكن مثل هذا التنظيم الواسع النطاق ولزمن طويل، أمر مثير للدهشة والقلق معاً! إنهم مقارنة بغيرهم، عصابات الجريمة المنظمة مقارنة بالنشالين، فمع أي شريك نتعامل، وأي سفلة يعشعشون في مكاتب حكوماتنا حتى أعلى رأس فيها؟ فحين يتمكن هؤلاء من تقديم كل هذه الثروة لها، فأي غطاء وتعاون يحصلون عليه من كردستان وأية إمكانية هجوم وهرب تمثل كردستان بالنسبة لهم في مواجهتنا؟ ومن هي هذه الجهات؟ ولماذا يفترض الخطأ وحسن النية في هذه الجريمة؟ إننا لا نعرف شيئاً، وربما لن نعرف أبداً!

لقد كتبت سابقاً أنه لولا الاستاذ فؤاد الأمير لما عرفنا نحن العراقيين (حتى في كردستان!) شيئاً عن مؤامرات كردستان والشركات النفطية على ثرواتنا. ونلاحظ هنا أنه لولا الفتلاوي لما استرعى أحد من جيوش المأبونين من الساسة انتباهنا إلى ما يجري تحت أقدامنا! ولما عرفنا خفايا ترتيب مؤامرة تنصيب العبادي على رأس السلطة. فالعراق وشعبه من ناحية المعلومات على الأقل، "يعيشان على القدرة" وبصدفة وجود شريف هنا في البرلمان أو شريف هناك يتابع النفط أو شريف هناك يمحص في الأخبار.. بضعة أشخاص لا أكثر، هم مصدر المعلومات الاساسية الوحيد في العراق، وإن حدث لهم شيء، فسيسير الشعب العراقي كالأعمى، ويكون مصيره أكثر مما هو الآن، على كف عفريت.. فيكاد كل من يمنحه الشعب ثقته وثروته ويختاره ليمثل مصالحه، أو يسلمه وسائل إعلامه، يعمل ضده! وهاهي فضيحة كبرى أخرى، بارقام مهولة وبدلالات شديدة الخطورة، كانت ستمر كخبر عابر لا يسمع به اكثر من واحد بالمئة الف من العراقيين، لولا نائب واحد تصدى لها!

الجزء الأخطر في هذه القصة كلها، ليس فقط الضياع الرهيب والمستمر لثروات الشعب العراقي في إحدى أحلك لحظات تاريخه، وإنما ايضاً توجيه تلك الثروات لإنشاء غول رهيب من الفساد الأعظم القادر على شراء كل شيء وتخريب كل شيء وحقن الدم الفاسد في كل خلية في جسد هذا الوطن! فعندما يكون الفساد بالملايين سوف يحتاج إلى حرب شديدة عليه إن أراد الشعب إنقاذ بلاده، لأن الفساد سوف يدافع عن نفسه ويستخدم ملايينه أسلحة ضد الشعب الذي سلبت منه تلك الملايين. أما عندما تكون الغنائم بالمليارات فأن الغول يكون أكبر بألف مرة، وصعوبة التغلب عليه تكون ألف مرة! فما بالك عندما يبتلع هذا الغول عشرات المليارات؟! هل من عجب أن يزيح حكومة ليأتي بغيرها عيني عينك؟

لا أعاجيب فيما يحدث في العراق، فالعجب من حجم الفساد المالي، يفسر بذاته العجب من قوة من يقود المؤامرة وتمكنه من السيطرة على مختلف مرافق الحياة السياسية والقضائية والإعلامية في البلاد. لذلك فإننا لن نستغرب من الشعور بالعجز التام لدى من أوكلت إليهم مصالح الشعب لتمثيلها، ويريدون أن يقوموا بواجبهم بشرف. 

رأينا الدكتورة حنان تصارع ضباعاً تتربص بها لأنهم يرونها الصوت الوحيد الذي بقي يصرخ في البرلمان، لكن هناك آخرين. فها هو النائب عن إئتلاف دولة القانون عبد السلام المالكي يدعو أبناء المحافظات عامة والبصرة خاصة إلى الخروج بقوة إلى الشارع لإيقاف سرقة ثروات البلاد العلنية من قبل كردستان.(3) 

واتهم الكرد بأنهم يطالبون "بمبالغ إضافية تحت مسميات مختلفة لزيادة الثقل على كاهل الموازنة التي هي بالأساس تعاني من تضخم كبير وصل إلى 47 تريليون دينار". مؤكداً أن "الكرد يدعون أنهم مدينون للحكومة بمبلغ 12 مليار دولار كمستحقات سابقة من الموازنة في وقت أنهم يتغاضون عن الديون التي عليهم من تصدير النفط خلال الفترة السابقة وعدم تسليم مبالغه إلى الخزينة الحكومية والتي وصلت إلى 22 تريليون دينار، إضافة إلى وجود شحنة من النفط موجودة الآن في الموانئ التركية وجاهزة للتصدير ولا نعلم أين ستذهب مبالغها"، داعيا أبناء المحافظات عامة والبصرة خاصة إلى الخروج بقوة إلى الشارع لان المؤامرة كبيرة والعصابة اكبر وثروات الشعب اليوم تسرق بشكل علني وتذهب إلى كردستان"،

وأشار المالكي إلى أن "الاتفاق الحكومي مع الإقليم الذي جرى في وقت سابق هو انتحار اقتصادي ومغامرة بثروات الشعب قامت بها الحكومة على حساب مصلحة الشعب العراقي الذي أصبح الخاسر الأول فيها" وقال أن الموازنة ستكون "مهزلة اقتصادية بدل ان تكون موازنة اقتصادية" ودعا الشعب العراقي الوقوف بقوة لحماية ثرواته، وقال "نفطكم وثرواتكم ستذهب الى كردستان على طبق من ذهب وانتم لن تحصلوا على شيء ونحن كممثلين لكم في البرلمان عاجزون عن حماية حقوقكم لان المؤامرة كبيرة والعصابة اكبر وبحاجة إلى وقفة حقيقية من جميع المحافظات للدفاع عن حقوقهم كما دافعوا عن أرضهم ومقدساتهم ضد الدواعش".

في تصورنا صار واضحاً أين تقف كردستان من الشعب العراقي : هراوة إسرائيلية لنهب العراق وتحطيمه! فأما النهب فلم يعد بحاجة إلى أي دليل مهما كان الناظر مصاباً بالعمى وبقصور العزم الذاتي لأزمان الدفاع عن "حقوق الكرد" وبتقمص المواقف الداعية "للتفاهم" مشجعاً السرقة والإبتزاز ومغطياً عليهما. وأما كونها إسرائيلية فلأن هذه هي أهداف إسرائيل وهي التي تستفيد منها أولاً، ولأن مؤامرة بهذا الحجم والطول الزمني والتنسيق والنجاحات المتتالية، هي فوق طاقة لصوص كردستان الذين لا يقلون تخلفاً عن اعضاء حكومتنا. وأما هدف تحطيم العراق فلان حجم النهب من جهة، فاق كل ما يمكن أن تفسره الأطماع البشرية التي نعرفها، ولم يعد يفسره غير الإستهداف المتعمد لتحطيم العراق بكل الأساليب الممكنة من مص كل طاقته الإقتصادية الممكنة إلى الدعوات الصريحة لتكوين الإقاليم وتأييد مشاريع التقسيم، وإلى استفزاز المحافظات الأخرى بوضعهم في حالة ظلم شديدة وعوز مقابل رفاه اللصوص المغري، وأخيراً إعطاء المثل السيء للمحافظات للإقتداء بطريق كردستان لتمارس ذات الإبتزاز على العراق والذي سيؤدي عاجلا إلى انهيار البلاد. وما فكرة "الحرس الوطني" واستقدام القوات الأمريكية تقول السفارة أنها حصلت على حصانات ثم تعود لتسحب كلامها وتقول أنها حصانات شخصية من العبادي ....وكثرة الزيارات المكوكية لحيدر العبادي إلى الدول المعروفة بعدائها للعراق، كل شيء يبدو أنه أعد لإتخاذ الإحتياطات استعداداً لتداعيات هذا الإنهيار أو لمجابهة ردود الفعل الشعبية المتوقعة على المؤامرة، وأن حجة محاربة داعش لم تعد تنطلي على أحد.

لقد كان واضحاً منذ البداية، وصار اليوم ناصع الوضوح، أننا أمام مؤامرة طويلة المدى لتحقيق أهداف أميركا وإسرائيل للعراق، وأن كل حديث عن "صداقة" و "أخوة" هي حقن تخدير لكي تسير الضحية هادئة نحو المذبح. المؤامرة ليست وليدة اليوم بل تمتد إلى منذ ما قبل الإحتلال، وقد شارك بها بوعي أو بدون وعي، كل من حكم العراق حتى اليوم، وعلى رأسهم اياد علاوي والمالكي الذي جاءت به كونداليزا رايس بإزاحة الجعفري بعملية قادتها كردستان التي لم تجد مبرراً تفسر فيه موقفها سوى زيارته لتركيا دون موافقتها! واخيراً مؤامرة تنصيب العبادي على العراق، والتي كلفت كردستان بتنفيذها ايضاً بإسناد من عصابة المجلس الأعلى ولفيف من العملاء من القيادات السنية التي تعمل بهمة اليوم لكي تتسلح وتتكفل كل منها بفصل منطقتها عن العراق وعلى رأسهم الأخوين النجيفي. 

هاهم أعداء العراق قد تخندقوا، وقد أشتروا الغالبية الساحقة من قيادييه وسحبوا أمواله وكبلوه بالإتفاقيات المدمرة وبدستور كالأغلال، وتمكنوا من وضع أرذل من فيه في أعلى المناصب الحساسة، ثم وضعوه أمام التحدي بتوجيه الصفعة إلى وجهه بوضع حكومة صريحة العمالة في السلطة وتوقيعها اتفاقات تثبيت الإبتزاز والإذلال والفقر عليه، وجرى تنفيذ بنودها بسرعة مدهشة، وهم يأملون أنه في وضع لن يتمكن فيه من الرد وإنقاذ نفسه. هذه هي تقديراتهم، وهي ليست بلا اساس، لكن السؤال يبقى إن كانت تلك التقديرات دقيقة فعلاً. الجواب سنراه قريباً، فلم يعد في العراق مكان لشعبه ولأعدائه معاً. أحدهما سيبقى وسيذهب الآخر إلى العدم، والأيام القادمة ستقرر هذا.

               

(1) المؤتمر الصحفي للدكتورة حنان الفتلاوي

https://www.facebook.com/video.php?v=734790039923419&set=vb.159405140795248&type=2&theater

(2) المالية النيابية : لبغداد في ذمة كردستان 42 ترليون دينار والاقليم لا يعترف بهذه الارقام

http://www.albaghdadia.com/index.php/iraqnews/item/35162-42

(3) وكالة المعلومة : المالكي: إقليم كردستان مدين لحكومة المركز بأكثر من 22 تريليون دينار

http://www.almaalomah.com/news/4751/