بعد تفجر شلالات الدماء.. على بشار أن يختار
بين مصير بن علي أو حسني مبارك
محمد فاروق الإمام
[email protected]
لقد جفت مآقي الحرائر في سورية كما جف المداد في أقلامنا فبات
النجيع النازف من الصدور العارية هي كل ما تبقى من دموع في مآقي الحرائر ومداد يغذي
أقلامنا!!
يوم الجمعة العظيمة التي أرادها شباب الثورة في سورية رمزاً
يعكس التعايش السلمي والحب والوئام والترابط ومتانة الحبل المتين فيما بين أديان
وأعراق ومذاهب وفسيفساء الوطن المتنوعة المشارب والمعتقدات، بكل ألوانها الموزعة
كطيف قوس قزح على مساحة رقعة الجمهورية الممتدة من طوروس وحتى حوران ومرتفعات
الجولان المحتلة، ومن البادية وضفاف دجلة والفرات وحتى الساحل بكل مدن الشام
العريقة الموغلة في التاريخ التي قدمت للبشرية أول أبجدية عرفها الإنسان.. في هذه
الجمعة العظيمة التي أرادها هذا الشباب رعبون مهر الحرية والكرامة وقد تنفس الصعداء
منعتقاً من قمقم العبودية الذي سجن فيه ما يقرب من نصف قرن مكبلاً بأصفاد صدئة قيدت
فكره وعقله وقلبه وأحاسيسه ومشاعره وأحلامه وتطلعاته وأمانيه قبل أن تقلع أظافر
أطفاله في درعا وترسم الكدمات على وجوههم بألوان قاتمة، وتقيد أيدي فتيانه في ساحة
البيضا ويلقوا على وجوههم، ويداس على أظهرهم وتركل وجوههم ومؤخراتهم في حفل بهيمي
أقامه لهم مصاصو الدماء وآكلو لحوم البشر الذين تروي حكاياتهم المفزعة والمرعبة
أفلام هوليود وخرافات الجدات في ليالي الشتاء!!
في هذه الجمعة العظيمة خرجت جماهير شعبنا السوري تنشد الحرية
وتطالب بالكرامة وقد ظنت أنها محصنة من تعديات قانون الطوارئ بعد إلغائه، ومحمية
برجال الأمن الملزمين بحمايتهم بموجب قانون الحريات وحق التعبير والتظاهر الذي حُلت
عنه القيود وتفككت عن معصمه الأصفاد بموجب مرسوم رئاسي وقعه السيد الرئيس بشار
الأسد بإلغاء قانون الطوارئ..!!
في هذه الجمعة العظيمة كان البهيميون خفافيش الليل وغربان
النهار بانتظار هذه الجماهير التي تهتف حناجرها بكل خشوع صداحة بشعار (سلمية..
سلمية.. لا بارود ولا بندقية).. (لا إخوان ولا سلفية بدنا بدنا الحرية) وكانت هذه
الهتافات الشفافة الواضحة رداً على توصيف النظام لهم، بدلاً من أن تعزز الشعارات من
احترامهم وتؤمن سلامتهم وتبعد عنهم الأخطار.. كانت كلسعة الحرباء لهؤلاء المتربصين
المشحونين بكل عقد الحقد الأعمى الذين أعدوا للأمر عدته وبيتوا للغدر حبائله وكيده،
وقد أقاموا الحواجز الترابية والجدران المعدنية في رأس كل شارع وحي وميدان وزنقة،
استعداداً لملاقاة عدو كأنه قادم من وراء الحدود يريد الوطن وأهله.. أليس هؤلاء
المتظاهرون هم من يدفع بهم الأعداء ليقفوا حجر عثرة في مسيرة دولة الممانعة والصمود
والتصدي، ويريدون حرف المسيرة النضالية لحزب البعث القائد للمجتمع والدولة، وشق صف
المقاومة وحمايتها، وهم المتآمرون والخونة والعملاء والمأجورون والمندسون
والإرهابيون والسلفيون والأصوليون المرتبطون بالصهيونية والإمبريالية ويجب قتلهم
واستباحة دمهم واستئصال شأفتهم!!
لقد فتح هؤلاء الحاقدون، بلا مقدمات عهدناها عند كل دول العالم
(تحذير.. إنذار.. قنابل غاز، رش مياه).. فتح هؤلاء الحاقدون نيران أسلحتهم الرشاشة
دون سابق إنذار إلى صدور ورؤوس فتيان وشباب هذه التظاهرات بهدف القتل وإنهاء
الحياة، ولتتناثر الدماء وترسم لوحات مخيفة على الأرصفة والشوارع والجدران ونوافذ
السيارات ووجوه المارة، وتسقط قامات وتتهاوى أجساد وتتعثر أقدام ويختلط التكبير
بتناجي الأرواح وهي تصعد إلى بارئها تشكو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان وتسأل بأي ذنب
قتلتني يا بشار؟!
وتختلط الدماء.. دماء الآباء والأبناء والإخوة والأحبة
والأصدقاء وتزف أرواح الشهداء إلى الفردوس الأعلى قبل أن توارى أجسادهم التراب،
وحناجر المشيعين تصدح (بالروح بالدم نفديك يا شهيد) ويتردد صدى هتافهم في حناجر
الملايين من الحسكة ودير الزور والقامشلي وحتى درعا والسويداء والقنيطرة مروراً
بالرقة ودمشق وحلب واللاذقية وطرطوس وحمص وحماة ودوما وبانياس تصدح (الله أكبر لا
إله إلا الله خاين يلي بيقتل شعبه.. خاين يلي بيقتل شعبه)، ويُسحب الجرحى ودماؤهم
تنزف كي لا تقع بيد القتلة للإجهاز عليهم كما شهدنا وشاهد العالم كيف يهوي القتلة
بعصيهم على رؤوس هؤلاء الجرحى بدل إسعافهم حتى يفارقوا الحياة في الأيام والأسابيع
الماضية.
لقد ظن نظام البعث السادي الذي ولد من رحم الإجرام – بغبائه
وجهله وسفاهته وحقده - أنه سيتمكن من النيل من هذا الشعب، بالقتل والاعتقال
والترهيب والتخويف وتفجير أنهار الدماء، يريد الوقوف بوجه هذا الإعصار الذي هب بكل
عنفوان الشباب وطاقاته وقد انتفض وشب على قيده وطوقه، وكسر حاجز الخوف والمهابة
منه، ظن هذا النظام – واهماً - أنه سيتمكن من كسر إرادة هذه الجماهير أو يفل من
عزيمتها أو يقلل من إصرارها وجلدها.
إن نواميس الحياة تقول: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن
يستجيب القدر.. ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر، وعلى النظام السادي في
دمشق أن يعي الدرس قبل فوات الأوان ويحزم أمره ويرحل عن الشام ببقية من ماء الوجه
قبل أن توصد في وجهه كل الأبواب ويفر كما فعل زين العابدين بن علي، وحينها لن يجد
أمامه إلا عدالة السماء وقضبان السجن وهراوة السجان تكوي ظهره كما كوى ظهور
السوريين على مدى 48 عام ويشرب من نفس الكأس التي أذاقها لعشرين مليون مواطن على
مدى نصف قرن تقريباً ويكون مصيره كمصير حسني مبارك أو صديق أبيه شاوشسكو!!