الانقلاب بين الترويض والإسقاط

بلال محمود القصاص

الانقلاب بين الترويض والإسقاط

بلال محمود القصاص

باحث تاريخي

[email protected]

سؤال يطرح نفسه منذ عام ونصف العام كيف يسقط الانقلاب؟! وماذا بعد سقوطه؟! وهل هناك تجارب مماثلة نجحت في ذلك؟!

الإجابة صعبة جدًا لكن دعونا نتحدث بصراحة.

خلال القرن الماضي حدثت انقلابات في بلاد عديدة استطاعت معظمها التخلص منها. لكن هل تم إسقاطها؟ يعني هل تم إسقاط التبعية والهيمنة والديكتاتورية أم تم ترويضها. ما حدث كان ترويضًا وليس إسقاطً! وهذا ما نجده في الحالة المصرية.

نجد التفكير ينصب جله على ترويض الانقلاب لا على إسقاطه! المهم التخلص من القبضة الأمنية المفروضة – قتل الدولة البوليسية - على المجتمع، والحياة في رغد من العيش؛ والتخلص من مشاكل المجتمع المتسبب فيها النظام.

وهذا إن حدث فلن يتغير شيء مما نحن عليه؛ سيفرح الناس فترة ويصولون ويجولون لكن سرعان ما تجتاح البلاد موجة جديدة من الديكتاتورية في ثوب جديد. ليست مقتصرة على القبضة الأمنية لكنها ستقتصر على أشياء أخرى أصعب كثيرًا.

سنجد ديكتاتورية في ثوب ديمقراطية مما يعني انهيار يؤدي إلى الهاوية لا نهوض يؤدي إلى العالية.

فالقوى المناهضة للانقلاب في مصر وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين لا تزال تفكر بمنطق  ترويض الانقلاب لا إسقاطه؛ إصلاحه لا تغييره. صحيح أنهم ينادون بإسقاطه وزواله ومحاكمة قياداته وجنوده والمتسببين في إفساد حياة المجتمع برمته. لكن أفعالهم وأساليبهم المعلنة والظاهرة تبين غير ذلك. تبدو ترويضًا لا إسقاطًا.

فوسائل الترويض غير وسائل الإسقاط. الإسقاط يعني انهيار دولة العسكر ومعها الدولة العميقة المتسبب فيها حكم مبارك ومن خلفه حكم أكثر من 60 عامًا. انهيار كامل لنظام فاسد. انهيار لمسميات مؤسسات الدولة وكيانات الدولة وجيش الدولة وشرطة الدولة وأي ما ينسب لكلمة دولة زورًا وبهتانًا؛ انهيار يتبعه بناء على نظام نهضوي شامل ينهض بالأمة. يكون للشباب وللشيوخ للنساء والأطفال دور في بناءه. بناء لثقافة مجتمع جديد فكر جديد يجعل الأمة تتكاتف كلها لتحقيقه. بناء وإن وجدت فيه اختلافات فهي في الفروع لا في الأصول في التنفيذ لا في المبدأ.

طالما ظلت هذه الفكرة – ترويض الانقلاب – هي المسيطر علينا. سواء على مستوى أفراد مناهضي الانقلاب أم على مستوى قياداتهم المتمثلة في جماعة الإخوان المسلمين وتحالف دعم الشرعية والكيانات المنشقة عنه، فلن يتغير سوى شكل في إدارة دولة الفساد دولة التبعية لا دولة السيادة دولة السقوط لا دولة الصعود.

نماذج التخلص من الديكتاتوريات والديمقراطيات خلال القرن الماضي نماذج مسيسة منفذة لسياسة عالمية لا يمكن الخروج عنها؛ بل لا نكون مبالغين إذا ادعينا عدم نجاح أي حراك شعبي - ثورات - خلال المائة سنة الماضية.

فتارة ترى السياسة الدولية أهمية لحكم عسكري أو ديكتاتوري في دولة ما وتارة ترى أهمية استبداله بحكم آخر ظاهره الديمقراطية وباطنه الديكتاتورية. فتتلاعب بالشعوب ومصائرها كما تتلاعب السباع بفريستها.

حالة واحدة خلال السنوات الأخيرة لا يزال ينتابها الغموض ألا وهي النموذج التركي. فترويض عسكر تركيا طريقة جديدة تجعلك تقف حائرًا هل ما يحدث اصطفاف تركي كامل ضد الهيمنة وإقامة دولة قوية؟! أم أنه تغير في أسلوب اللعبة لأن المجتمع وصل لمرحلة لا يمكن – بأي حال من الأحوال – وجود سيطرة عسكرية أو ديكتاتورية عليه؟! لكن ستبدي لنا الأيام ما نجهله منها. فحتى الآن ما نستنجه هي الأولى وليست الثانية.

إذا استطاع مناهضي الانقلاب وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين التوصل لاصطفاف حقيقي - اصطفاف دون من نزل في 30 حزيران «يونيو» وظل على ذلك لما بعد فض رابعة والنهضة في 14 آب «أغسطس» - ووضع رؤية متكاملة لإسقاط الانقلاب - إسقاطًا لا ترويضًا - وكيفية بناء الدولة الجديدة بكل معالمها وآلياتها وطرق تنفيذها. والبدء في تنفيذ هذه الرؤية. سيسقط الانقلاب بلا رجعة وسيغير كثيرًا في شكل الصراع مع الغرب وستحقق نجاحات باهرة يشهد لها التاريخ. لكن هناك من لا يسمع ولا يرى سوى أنه فقط المصيب وغيره مخطئين؛ من يعطي لنفسه الوصاية على الأمة بلا سابق خبرة ولا تضحية.

ويبقى السؤال: كيف يسقط الانقلاب؟!