الثلاثاء الدامي
الثلاثاء الدامي
وذكريات مذبحة (سانت بارتيليمي)
محمد فاروق الإمام
[email protected]
محمد فاروق الإمام
نحن الآن في حضرة مجرم الحرب القديم الجديد محمد إبراهيم الشعار
وزير الداخلية السوري في الوزارة التي شكلها بشار الأسد لتبدأ بعملية الإصلاحات
نزولاً عند مطالب الجماهير السورية المتظاهرة سلمياً في كل المدن السورية.
نحن الآن في ساحة الحرية في مدينة حمص الوادعة كأهلها حيث أمضى
مجموعة من الشباب اعتصاماً سلمياً حضارياً عقب تشييع ثمانية شهداء قضوا على يد
شبيحة النظام يوم ذكرى جلاء الفرنسيين عن سورية مطالبين بالحرية والديمقراطية،
ليفاجأ المعتصمون على حين غفلة برصاص شبيحة النظام بالساعة الثانية فجراً ودون سابق
إنذار يحصد العشرات منهم بين قتيل وجريح دون أن يجد المعتصمون أي منفذ للفرار من
هذا الرصاص الغادر الذي انهال عليهم من كل الجهات، مما زاد في ارتفاع عدد المصابين
حتى صبغت الساحة بقاني دماء هؤلاء الشهداء والجرحى وسالت كأنها شلالات تسونامي التي
ضربت اليابان قبل شهر. وقد استبق هذا الوزير المجرم تنفيذ عمليته الجبانه بإصدار
بيان عن وزارة الداخلية قبل عدة ساعات من تنفيذ المذبحة بحق المعتصمين جاء فيه: (إن
الأحداث التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة إنما هي تمرد مسلح)، وأن(مجريات
الأحداث الأخيرة كشفت أن ما شهدته أكثر من محافظة سورية من قتل لعناصر الجيش
والشرطة والمدنيين والتمثيل بأجسادهم.. إنما هو تمرد مسلح تقوم به مجموعات مسلحة
لتنظيمات سلفية ولاسيما في مدينتي حمص وبانياس). وما جاء في البيان يؤكد أن الوزير
المجرم كان يبيت لهذه المجزرة البشعة، تحت مسميات جديدة (السلفية الداعية لإقامة
إمارات إسلامية) وقد أخفقت المسميات التي سبقتها والتي وجهت الاتهام إلى عملاء
مندسين، ثم إلى فلسطينيين حاقدين، ثم إلى عناصر جاءت من الأردن، وأخرى جاءت من
لبنان، ثم إلى عصابات موتورة، ثم إلى مؤامرات خارجية تستهدف النظام الذي يقود معسكر
الصمود والممانعة، ثم إلى العراق الذي يرسل الأسلحة إلى هذه العصابات!!
مجرم الحرب وزير الداخلية الجديد الذي تلقى الأوامر بالحزم
والشدة تجاه المتظاهرين والمحتجين المسالمين، الذين كانوا يحملون بأيديهم أغصان
الزيتون والورود ويرددون (سلمية.. سلمية.. لا بارود ولا بندقية).. مجرم الحرب هذا
نفذ أوامر سيده بشار الأسد بالحزم والشدة يوم التقى بعناصر وزارته ليملي عليهم
توجيهاته وتعليماته، نفذ أمر سيده بكل دقة ووحشية تعيد ذاكرتنا إلى مجزرة ارتكبت في
مثل هذه الأيام قبل 439 سنة في باريس وعرفت بمذبحة (سانت بارتيليمي) التي نفذها
القتلة فجر يوم الثلاثاء بعدد من الفرنسيين المسالمين الذين يخالفون الملك بالرأي
والمعتقد تجاوز عددهم الثلاثة آلاف بينهم نساء وأطفال وشيوخ، ولا يزال الفرنسيون
يشعرون بالعار تجاه أنفسهم بسبب هذه المذبحة البشعة، ولكن وزير داخلية النظام
السادي في سورية لا أعتقد انه سيشعر بالعار في يوم من الأيام لأنه فقد الحس
بإنسانية الإنسان منذ زمن بعيد.
فسجل تاريخ وزير الداخلية العتيد الذي جاء به بشار الأسد لينفذ
إصلاحاته التي وعد بها الشعب السوري، وهو الخبير بكيفية القتل بدم بارد الذي مارسه
لسنوات من خلال المراكز الأمنية التي تولاها تتحدث بوضوح عنه:
شغل هذا الوزير الموثوق به جداً من بشار الأسد، مديراً لسجن
تدمر الصحراوي سيء السمعة، وشارك رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع في ارتكاب مجزرة
تدمر التي راح فيها نحو 800 سجين مكبلي الأيدي والأرجل، ومديراً لسجن صيدنايا،
وشارك ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة (سرايا الدفاع سابقاً) ورئيس الحرس الجمهوري
في ذبح العشرات من المعتقلين السياسيين في سجن صيدنايا عام 2008 وقد شوهد القاتل
ماهر الأسد وإلى جانبه وزير الداخلية الجديد عبر فديو وهو يصور رؤوس الضحايا
المقطوعة والأيدي والأرجل المبتورة للسجناء، وشغل هذا الوزير المجرم قبل ذلك -
مكافأة له على جرائمه - مناصب أمنية حساسة.
هذا السجل الأسود الذي ميز وزير الداخلية في الوزارة الإصلاحية
الجديدة جعل بشار الأسد يضع ثقته به ويكلفه بمنصب وزير الداخلية لينفذ التعليمات
بدقة متناهية دون تردد، وقد باع نفسه وضميره للشيطان، فالقتل عنده عمل اكتسبه من
خلال تمرسه في المناصب الأمنية المختلفة في عهد الأسد الكبير ومن بعده في عهد الأسد
الصغير.
وإذا ما كان هذا الوزير المجرم القاتل هو رمز الوزارة الإصلاحية
الجديدة التي شكلها بشار الأسد فإن ذلك يؤكد أن لا نية لهذا النظام بإجراء أي
إصلاحات، وأن كل وعود بشار الإصلاحية هي حبر على ورق ثم الغرق، أطلقها بهدف امتصاص
نقمة الجماهير وغليانها، واللعب على ورقة الزمن التي ستكفل لهذا النظام – بوهم ظنه
- بإطالة عمره وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهذا جهل وحماقة من هذا النظام
وغباء من مستشاري قيادته، سيجعله في مواجهة الإعصار الذي هب على المنطقة واقتلع
أعتى الأنظمة الديكتاتورية والمستبدة في المنطقة العربية في تونس ومصر، وجعل البعض
الآخر من هذه الأنظمة المستبدة يترنح أمام صمود الجماهير وإصرارهم.
لقد اتخذت الجماهير السورية قرارها وحزمت رأيها فلا عودة إلى ما
قبل 15 آذار ولا عودة للركون لنظام القتل والإذلال والقهر والإفساد والنهب، وقد شبت
هذه الجماهير على طوق العبودية لآل الأسد ومافيا الطبقة الحاكمة المستبدة مهما غلت
التضحيات وارتفعت قيمة فواتيرها فإذا أرادها النظام سفكاً للدماء فيا مرحباً بالموت
على طريق الحرية والكرامة، في انتفاضة سلمية.. سلمية حتى النصر.