شتان بين علماء السلطان وعلماء الرحمن
شتان بين علماء السلطان وعلماء الرحمن
محمد فاروق الإمام
[email protected]
ما كنت أتمنى أن أدخل في نفق متاهات فتاوى علماء السلطان التي
جاءت في البيان الذي أصدره مفتي النظام السوري أحمد حسون لولا تطاوله على ركن
الإسلام والمنافح عن بيضته الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين، الذي لم يقف يوماً إلى جانب الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية أو
يتملقها ويبيع – كما يفعل صاحبنا حسون – دينه بدنياه، وآثر الوقوف طيلة حياته إلى
جانب الشعوب المقهورة من هذه الأنظمة التي اكتوى بنارها وظلمها وجورها وقسوتها،
محتسباً أجره عند الله وليس في فتات موائد هؤلاء الحكام التي مُلئت من نهب المال
العام ونتاج عرق وجهد الناس.
أحمد حسون الذي سطع نجمه سريعاً في كنف الأسد الأب وقد أعجب به
وبهر عندما ألقى خطاباً في حضرته في (مجلس الشعب) الذي يصفه الشعب السوري بـ(مجلس
التهريج) كال فيه عبارات التملق والنفاق والإطناب والمديح بمآثر القائد الملهم بطل
الصمود والتصدي وحامي بيضة الإسلام والإمام العادل الذي تجب طاعته وتكفير كل من
يخالفه، وقد قرن كلماته بكثير من الآيات والأحاديث مستشهداً بها على صحة دعاويه
وأباطيله، جعلت الأسد الأب تنتفخ أوداجه وتنفرج أساريره بشكل ملفت للنظر لدرجة ظهور
نواجزه التي لم يرها الشعب يوماً ترتسم على فمه.
أحمد حسون الذي كال كل هذا المديح لهذا الديكتاتور المستبد الذي
تخلى عن الجولان للصهاينة عام 1967 دون دفع أو مدافعة، وولغت يداه بدماء عشرات
الألوف في مجازر نصبها في مجمل المدن والسجون السورية والتي توجها بمجزرة حماة التي
سميت بـ(مأساة العصر) لبشاعتها وكثرة ما أريق فيها من دماء وما سويت بالأرض من
أحياء ومساجد وكنائس ودور علم وثقافة وآثار وحضارة، ولمّا تجف بعد هذه الدماء التي
خلفت مآسي على سورية وأهلها فاقت ما خلفه التتار من مآسي في مجمل بلاد الشام.
لقد كانت بداية هذا المفتي الصغير قد انطلقت من سمعة أبيه الشيخ
محمد أديب حسون الذي كان من أكرم علماء حلب وأوسطهم مقاماً.. وقد عرف هذا الابن
المفتون من أين تؤكل الكتف. نمت شعبيته في حلب لأنه كان ينتقد النظام في جميع خطبه
في بداية السبعينيات (الاشتراكية والتأميم والتعليم الإلحادي الموجه) يوم كان
التنفس من المحرمات. هجمته الخطابية كانت نسخة نسبها لنفسه عن جميع خطب الشيخ
المصري عبد الحميد كشك رحمه الله.
وعلى ذمة بعض معارفه ممن كانوا معه أيام الدراسة أن أحمد حسون
(كان على خلاف شديد مع والده لأنه انتسب لحزب البعث وكان عنصر مخابرات يتجسس على
أقرانه من الطلاب ليكتب التقارير وقد كنت – والكلام لصديقه - من الذين لا يصدقون ما
يشاع عن هذا الرجل حتى يوماً رأيته بأم عيني يحمل مسدساً وهو في الجامع يصلي رأيته
خلسة في غفلة منه وكان هذا المسدس من المسدسات التي تحملها المخابرات).
وعن ضحالة علم هذا المفتي الصغير كتب الشيخ عبد الرحمن الرفاعي
دراسة تحت عنوان: (الدر المصون في الرد على أحمد بدر الدين حسون) وبعد المقدمة يقول
الرفاعي في معرض رده على حسون: (وأما اليوم فيقوم جهال لم يحصّل أحدهم قدراً
معتبراً لا من اللغة ولا من النحو ولا من العقيدة ولا من الفقه ولا من التفسير ولا
من الحديث ومع ذلك يكتفي بلبس زي أهل العلم ليجتمع حوله الناس ثم يلقي إليهم ما
يشاء من غير تقيد بقاعدة أو خوف من الله عز وجل فيتكلم بالهوى ويكفر كفراً بعد كفر
بحيث يكاد يكفر مع كل فقرة من كلامه، داعياً على أبواب جهنم من أطاعه قذفه فيها،
ومع ذلك لا يجد من يردعه أو ينتقده أو ينصحه أو ينهاه إلا بقايا من أهل العلم يحفظ
الله بهم هذا الدين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في الله لومة لائم
فيدفع الله بهم عن هذه الأمة ذئاباً ووحوشا تتربص بها الدوائر جزاهم الله عن سعيهم
خيراً وأجزل لهم الثواب في الآخرة .ومن هؤلاء الدعاة رجل حلبي له شهرة في بلده يلقي
كلاماً في المساجد وتباع شرط خطبه ودروسه في الدكاكين والأسواق وهي تحوي العجائب
والسم الزعاف يقال له " أحمد بدر الدين حسون " تخاذل كثير من علماء سوريا في
التحذير منه فصار له شهرة بين الناس حتى توصّل بطرق إلى تسلم منصب الفتوى في ناحيته
فعند ذلك رأينا أنه لا بد من الجهر ببيان ضلاله ولا بد من الكتابة في التحذير منه
حتى لا ينخدع به السُّذّج وضعاف العلم ، فعملنا هذه الورقات القليلة وسميناها "
الدر المصون في الرد على بدر الدين حسون " ذكرنا فيها بعض ما قاله من فساد لا كل ما
جاء به من الشذوذ إذ لو أردنا ذكر كل ذلك لطال الكلام ومل كثير من القراء).
بعد أن حظي أحمد حسون برضا ورعاية حافظ الأسد أُغدقت عليه
المناصب يتقلب بها سريعا، فقد عين عضواً في مجلس الشعب عن فئة المستقلين لدورتين
متتاليتين (1991- 1999)، وعضو لجنة الشؤون الخارجية
والإرشاد, ثم عين مفتي ثانٍ لمحافظة حلب، فمفتي محافظة حلب الأول، فعضواً في مجلس
الإفتاء الأعلى في الجمهورية العربية
السورية، ثم ليصبح مفتياً عاماً للجمهورية
العربية السورية ورئيساً لمجلس الإفتاء الأعلى فيها من
دون العشرات من علماء سورية الأفاضل مقاماً ومكانة وعلماً.
حسون في بيانه الذي رد فيه على بيان الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين وجه اتهاماً صريحا للاتحاد بارتباطه بمخططات معادية فيقول: (إن موقف
الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين بخصوص الأوضاع في سورية لم يفاجئ علماء سورية كونه صدر
عن خلفيات حزبية
مرتبطة بمخططات واضحة المعالم والأبعاد والأهداف والذي يستهدف النيل من أمن
واستقرار سورية).
وينتقص بيان حسون من علماء الاتحاد في علمهم ودينهم فيقول: (إن
مهمة العلماء هي "درء الفتن،
وتحقيق مقاصد الشريعة في جلب المصالح ودرء المفاسد بناء على
فقهٍ بواقع العالم الإسلامي عموماً وسورية خصوصاً ولاسيما أنهم يعلمون مواقف سورية
الثابتة والصامدة
في وجه أعداء العرب والمسلمين جميعاً، وها هي تدفع ثمناً غالياً لتلك المواقف) وفق
تعبيره.
ويتهم حسون صراحة الجهات التي أصدرت موقف اتحاد علماء المسلمين
بأنها (مرتبطة بمخطط خارجي يستهدف زعزعة أمن واستقرار
سورية).
وتساءل حسون في بيانه عن (الجهة
التي خولت الاتحاد التدخل في قضايا الشعوب وشؤون الدول
الداخلية تحت شعار حقوق الإنسان
والحريات والإصلاح(.
وكان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد وجه
رسالة للأسد تحت عنوان (الحلول الجزئية لم تعد ترضي ولن
تنهي المظاهرات)
دعاه فيها إلى (الإسراع بتحقيق مطالب الشعب
كاملة)، معرباً عن (فزعه من قتل وتعذيب وإهانة الإنسان
في سورية، ومجدداً الإعلان عن
وقوفه الكامل مع مطالب الشعب السوري).
وقال الاتحاد في بيانه إنه (يواصل متابعته ببالغ القلق تطور
الأحداث في سورية، وعدم وجود أي مؤشر عملي للبدء
بالإصلاحات الجذرية سوى استبدال بعض الوزراء ليحل محلهم
آخرون، وتنصيب حكومة جديدة
مكان أخرى).
ورأى الاتحاد في بيانه أن خطاب الأسد أمام الوزراء (لم يكن في
مستوى تطلعات الشعب
السوري)، وحضّوه على (الإسراع بالبدء فوراً بتغيير الدستور، وإطلاق الحريات)،
محذرين من ازدياد (سقف المطالب كلما تأخرت الإصلاحات
الجذرية).
وأضاف البيان
(على القيادة السورية أن تعلم أن عصر الحزب الواحد، والزعيم
الأوحد، قد انتهى وتجاوزه الزمن، وأن الشباب اليوم يريدون الحرية الكاملة، والكرامة
الشاملة)، وندد بـ(حجم
الاعتداءات على المتظاهرين من قتل وتعذيب وإهانة لكرامة الإنسان)، وناشد(الجيش
السوري البطل حماية المحتجين).
ما جاء في بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كان متناغماً
مع تطلعات الجماهير السورية، وانتقاداً للنظام لما يقوم به من قمع مسلح للمتظاهرين
السلميين الذين ينادون بالحرية والكرامة، بعكس ما جاء في بيان حسون الذي دافع فيه
عن النظام الاستبدادي وسوّغ أفعاله الشنيعة وجرائمه الفظيعة وقمعه الوحشي
للمتظاهرين، وإدارة ظهره لهذه الجماهير التي سلب النظام منها حريتها وداس كرامتها،
وكان الأجدر به أن يقف إلى صف هذه الجماهير في مثل هذه الأوقات العصيبة المفصلية
التي لا مكان للمداهنة أو التملق فيها أو حساب الربح والخسارة فالبقاء للأوطان
والحكام زائلون.