لماذا يقتل من يتضامن معنا
صلاح حميدة
قتل قبل فترة قصيرة من الزّمن جوليانو خميس في مدينة جنين على يد قاتل محترف بسلاح كاتم للصوت، وهو متضامن مختلط النّسب، إبن لأم يهودية كرهت الصّهيونية ونذرت نفسها لفعل ما تراه جيداً للشّعب الفلسطين. ولدها قام بإكمال ما فعله والداه، واعتقد أنّ إنشاءه لمسرح في مدينة جنين سيكون عاملاً في مد يد العون لأطفال مخيّم جنين، في ما أصطلح على تسميته بالمقاومة بأشكال أخرى غير عنيفة، ومهما رأى بعض الفلسطينيين أنّهم يختلفون مع هذا الشّخص، إلا أنّ المساس به كان من المحرّمات، بل مكث في جنين لسنين معدودة دون أن يزعجه أحد.
المتضامن الإيطالي الذي قتل على يد مجموعة تقول أنّها سلفية في قطاع غزة، كان من أبرز المتضامنين مع الشّعب الفلسطيني ضد الحصار والحرب والقتل والجدار والمنطقة العازلة، وترك أهله ووطنه حتى يعيش ويدافع عن الفلسطينيين، وفضل العيش معهم تحت الحصار، على أن يعيش مرفّهاً في إيطاليا.
قتل هذا الرجل، وفي هذا الوقت بالذّات، وبعد قتل المتضامن الآخر في الضّفة الغربية ليس صدفةً، ولا أعتقد أنّه بعيد عن أيدي وعقول خططت لتلك الجرائم باحترافية وبأيد (قفّازات وأقنعة) فلسطينية. الكثير من الشّبان يقعون ضحية عملاء في المخابرات المعادية، يستدرجونهم لتشكيل خلايا تسمي نفسها بالسلفية الجهادية، ويوجّهونهم لخدمة أهداف تلك الأجهزة، معتقدين أنّهم يخدمون الإسلام، بل يتم توجيه هؤلاء عبر شبكة المعلوماتية لارتكاب تلك الجرائم، ولا يفيق هؤلاء إلا بعد فوات الأوان، وبعد اقترافهم لأفعال يندى لها الجبين، وتشوّه صورة الشّعب الفلسطيني في العالم، فأي إنجاز أنجزه هؤلاء القتلة المجرمون من قتل متضامنين مع الشّعب الفلسطيني؟ وأي رسالة يرسلها هؤلاء للمتضامنين مع الشّعب الفلسطيني في العالم؟ هل نقول لهم تضامنوا معنا وسنقتلكم؟!.
إنّ الرسالة التي أرسلت عبر هؤلاء القتلة الذين ما هم إلا قفّازات لأطراف مخابراتية محترفة متضررة من حركة التّضامن الدّولي مع الفلسطينيين، فالقضية الفلسطينية تشهد تعاطفاً شعبياً كبيراً معها في العالم أجمع، وهذا التّعاطف تجسّد في نشاطات وفعاليات كبيرة، تحارب الجدار والاستيطان، وتقاطع الكيان الصّهيوني في كافّة المحافل الدّولية، وتقاضي مجرمي الحرب الصّهاينة، وتنظّم قوافل بحرية وبرّية لكسر حصار غزة، وتشارك بفعالية في الأعمال التّطوعية والمظاهرات الشّعبية المناهضة للجدار والإحتلال في الضّفة والقطاع وسرقة وهدم بيوت المقدسيين.
هذا الأرق والإزعاج الذي سببته حركة التضامن الدّولية مع الشّعب الفلسطيني، توّج بالرّعب الذي ينتاب قادة الدّولة العبرية من قرب قدوم أسطول الحرّية خلال الأيام القادمة، وهذا الأسطول تقوم على تنظيمه حركة التّضامن الدّولية، وسيضم آلاف المتضامنين الدّوليين، وارتكاب مجزرة مماثلة لمجزرة مرمرة سيكون صعباً هذه المرة، ولنا الحق أن نتساءل عن تزامن قتل المتضامنين الدّوليين مع قرب قدوم آلاف المتضامنين إلى فلسطين؟ وعن تصاعد الحشد الرّسمي الدّولي المناصر للقضيّة الفلسطينية؟ وعن خروج الاحتلال جريحاً من جولة حربية اختبارية لبعض ما تملكه المقاومة الفلسطينية من أسلحة ردعية؟.
الذين نفّذوا هذه الجرائم إمّا عملاء وهم يعلمون، وهذه مصيبة، وإمّا أدوات تنفّذ إرادة أعداء الشّعب الفلسطيني وهم لا يعلمون، وهذه مصيبة أعظم. ولكن المطلوب الآن أن تتم ملاحقة وردع هؤلاء المجرمين بطريقة تجعلهم عبرة لغيرهم، بل يجب العمل الحثيث على استئصال هؤلاء وفكرهم الضّال من المجتمع، وليس انتظار ارتكابهم للجرائم ومن ثم التّعامل معها. فهؤلاء لا علاقة لهم لا بالسّلفية الحقّة، ولا هم مجاهدون، فهل المجاهد المقتدي بالسّلف الصالح يقتل حليفه ونصيره غدراً، في وقت عزّ فيه النّصير؟!.