أنظمة معاصرة

الشيخ حمّاد أبو دعابس

كذَّابون "وبلاطجة"

الشيخ حمّاد أبو دعابس

رئيس الحركة الإسلاميّة

كشفت لنا الثورات العربية، وما رافقها من ردود فعل الأنظمة عليها، تشابهاً كبيراً بين السياسات والعقليات والممارسات، التي تنتهجها الحكومات وأجهزتها الأمنيّة والإعلاميّة. ولا اشك في أن أنظمة أخرى كثيرة تشترك في هذه الخاصِّيات والممارسات، بما فيها دول تدعي التقدُّم والرُقيّ والديمقراطية. وقد بات بادياً للعيان أن الكذب المحكم، والتفنُّن فيه والقدرة على تسويقه هي من أهم الأدوات والوسائل " الدبلوماسيّة" المعاصرة، ذلك لان إقناع الخصوم بالمواقف الاستثنائية، وتبرير الأعمال الإجرامية والممارسات المشينة،لا يتم إلاّ عن طريق اختلاق أعذار ومبررات بعيدة عن الواقع، ولا تخطر على بالٍ. أما أعمال البلطجة فقد باتت اسماً مصاحباً لهجوم أجهزة أمنية " غير رسمية" على المعتصمين في الساحات والميادين. المصطلح الذي أطلقه المصريون على شِلّة الخيَّالة والجمَّالين الذين اقتحموا ميدان التحرير، مستخدمين الأسلحة البيضاء، والوسائل الهمجيّة والمتخلِّفة في إيذاء المتظاهرين والمعتصمين. ثم ما لبث هذا المصطلح وهذه الظواهر وأشباهها إن مورست في اليمن وسوريا والأردن. إنها تعبير صادق وصورة حقيقية للنظام الذي يبتعثهم، ولا شك أن لهم أشباه أيضاً في دول أخرى وأنظمة مختلفة عربية وغير عربية.

مسابقة من الأكذب؟..... للأنظمة فقط

ما بين رئيسٍ جثم على صدر شعبه ثلاثين عاماً، وجمع ثروة تعد بعشرات المليارات ثم يقول: ما سعيت يوماً من الأيام من اجل منصب أو سلطة زائفة. وما بين رئيس آخر يحكم بلده منذ أكثر من أربعين عاماً في حكم مستبد، لا يكاد احد يعرف غيره حاكماً أو متنفذاًُ في تلك الدولة، ثم يقول: أنا لست رئيس وليس لي أي منصب، والسلطة كلها بأيدي الشعب، ولو كنت رئيساً لقدَّمت لهم استقالتي. إلى رئيسٍ ثالثٍ ورابعٍ وأنظمة أخرى  تنصُب القناصة على سطوح البنايات، أو تطلق النار بشكل مباشر على المتظاهرين، فتُوقع فيهم قتلاً وإصابات،ثم تقول: لا علم لنا عن هذه الجهات التي تمارس العنف. أو أنها جهات خارجية مُغرِضة تطلق النار على المتظاهرين وقوات الأمن في آن واحد. إنها كلها أكاذيب لا تنطلي على عاقل ولا على مجنون. وهي أدلة دامغة على استخفاف هذه الأنظمة بشعوبها، واستخفافها بعقول البشر جميعاً كأنهم يصفون لنا واقعا في عالم آخر. يُحدثك الرئيس عن بلاده وكأنه يتحدث عن بلاد ألواق واق. فالميادين تضجُّ بمئات ألاف المتظاهرين الذين يطالبون بإسقاط النظام، في معظم مدن البلاد، وقواته تطلق عليهم الرصاص الحيّ، وتقتحم عليهم المساجد والأماكن العامة، وتوقعهم بين قتيلٍ وجريحٍ ومعتقل، والرئيس يتحدَّث عن حفنة صغيرة من المُغرَّر بهم. أو مجموعة من المرتزقة الذين جاءوا عبر الحدود ليثيروا الشغب، ضمن مؤامرة خارجية. أو كما قال احدهم:متعاطي مخدرات وحبوب هلوسة. لا احد منهم يرى أن لهم شعباً مظلوماً انتفض على واقعه ليُغيِّره.

واللهِ لقد احترنا أيُّهم أكذب من الآخر، ومن أجرم مّمَّن؟ فقد أظهرتهم الأحداث كلُّهم مجرمون، وكذَّابون، كلهم طواغيت وظلمة.الكل يستعد لقتل شعبه وتدمير كل ما حوله من اجل كرسيّه ونظامه.لقد انكشفت سوءات كل الأنظمة العربية ولا بد لها جميعا من الرحيل، غير مأسوف عليهم.

والحكومات الإسرائيلية أكثر كذباً وإجراماً

يشترك في المنافسة على لقب الاكذب والاجرم رؤساء وحكام من غير العرب.فالرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، اطلق اكذوبة كبرى مفادها أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل، تُهدِّد العالم بأسره، وانه مصدر الإرهاب في الشرق الأوسط، واستطاع أن يسحب معه مجلس الأمن وتحالف دولي مُجرم دمَّر العراق، وتركه بملايينه بين قتيل وسجين وشريد.وباتت جموع الأرامل والأيتام والمشوهين والمقعدين تملأ كل مكان. لعله الكذَّاب الأكبر في هذا القرن.أو إن كذبة بوش الابن هي الأخطر والأدهى، مع انه ينسب لنفسه لقب"مبعوث العناية الإلهية"، وكذب وافترى وسيظل لعنةً ووصمة عارٍفي جبين التاريخ. أما حكومات إسرائيل فليست بعيدة أبداً عن كل ما وصفنا. يرتكبون الجرائم بلا توقف، فيتنكرون لها تارةً،ويبررونها تارةً أخرى بمبررات واهية لا تنطلي على احد. يقتلون الآلاف في غزة ولبنان تحت ذريعة الدِّفاع عن النفس،ويحاصرون غزة ويعتقلون المئات كل عام في الضفة، ويصادرون الأرض ويهدمون المنازل الفلسطينية في القدس والضفة والنقب، تحت ذرائع واهية، تارة بحجة مكافحة الإرهاب، وتارة هدم بحجة البناء غير المرخَّص، بل ذهب بهم الكذب لدرجة قتل الفلسطينيين في سياراتهم في غزة  بحجة أن "خططوا" لعملية خطف إسرائيليين في سيناء.أي قتل بحجة نوايا في قلوبهم لم تخرج إلى  حيز التنفيذ وليست عليها أي دليل .

أما في النقب فحدث ولا جرح. بلاطجة "الكيرن كيميت "أو الصندوق القومي لإسرائيل ،يعتدون على الناس  في منازلهم ويهدمونها فوق رؤوسهم ويدعون بان "البدو"غزاة على ارض الدولة .إنهم كذَّابون ومجرمون تماماً مثل الأنظمة العربية البائدة والأمريكية الجائرة،وكلُّهم في الشرِّ شركاء .

هل الحرب على غزّة ولبنان باتت وشيكة؟

رغم ما تبديه الفصائل الفلسطينية وحكومة حماس في غزة من ضبط النفس وسد الذرائع أمام إسرائيل ،فان الأخيرة تتحفَّز لشنّ هجومٍ كاسحٍ ومدمِّرٍ على غزة بغية قلب النظام ،وتغيير الوقائع على الأرض، والحيلولة دون عودة اللحمة الفلسطينية ما بين شقي الوطن الفلسطيني. ففي كل يوم تقوم إسرائيل بعمليات دهم استفزازية، فتقنص فلسطينيين في مزارعهم أو سياراتهم أو منازلهم، لتستدعي بذلك ردّاً فلسطينياً حتى إذا قدَّر الله إصابة احد الصواريخ لمنزل إسرائيلي . اعتبرته إسرائيل ذريعة لهجوم كاسح ومدمر على غزة لاستكمال ما لم تكمله قبل عامين ونيف في عملية الرصاص المسكوب.التدريبات المستمرة للجيش الإسرائيلي، والتجهيزات التي تشهدها الجبهة الداخلية من تجهيز ملاجئ، ومنظومة القبة الحديدية وجاهزّية السلطات المحلية والمؤسسات العامّة لأوقات الطوارئ. كلها تُنبئ بانّ في الأفق تحضيرات لصيف ساخن، وحرب ضروس قد تبدأ بحرب جديدة على غزّة ولا تنتهي بجنوب لبنان.

وكما بدأ العالم يفيق ويكتشف كذبٍ وإجرامٍ الأنظمة العربية المستبدَّة، يجب حتماً أن يفيق ويكتشف كذب وإجرام الحكومات الإسرائيلية. ويجب أن تجد إسرائيل نفسها وحيدة معزولة بسبب إجرامها،ولن يعذر التاريخ نظاماً عالمياً ومؤسسات دولية تقف متفرِّجة على الاستفزازات والجرائم الإسرائيلية السابقة واللاحقة. فهل سيتغير العالم ويتحرَّك لكي يمنع حرباً جديدةً أن تنشب وشلّالات دماء غزيرة أن تنزف ؟

والله غالب على أمره.