في ذكرى المجزرة والتّهجير

في ذكرى المجزرة والتّهجير

صلاح حميدة

[email protected]

في مثل هذه الأيّام في العام 1948م كان الفلسطينيون على موعد مع رحلة الألم والمعاناة المتجدّدة، والتي لا زالوا يعيشون معاناتها بكل تفاصيلها حتى اليوم في فلسطين وفي خارجها، وفي مثل هذا اليوم كان أهالي قرية دير ياسين على موعد مع العصابات الصّهيونية التي أعملت فيهم قتلاّ وإجراماً. في  هذه الذّكرى الأليمة ماذا يمكن للفلسطيني أن يقول؟ وماذا يمكن له أن يريد، في عصر بدايات تحقّق الإرادة الشّعبية العربية؟ وإلى أين تتّجه بوصلة الفلسطيني هذه الأيّام؟ وهل هذه ذكرى للنّواح وتبادل الحكايات الشّعبية والخطب الرّنانة؟ أم هي فرصة للتّذكير بالحق الذي لا يمكن أن يضيع؟.

أعدّ مراسل قناة الجزيرة تقريراً مؤثّراً عن اللقاء الذي جمع الحاجّة ريما من قرية صفّورية الفلسطينية، التي هدمتها العصابات الصّهيونية عام 1948م، لقاء تمّ بين الحاجّة ريما وشقيقتها التي لم ترها منذ ثلاثة وستين عاماً، ولم يتمّ اللقاء إلا بعد أن حصلت شقيقتها على جنسية دولة أجنبية وتمكّنت من زيارة شقيقتها أخيراً. تخلل التقرير مشاعر ولفتات إنسانية مؤثّرة، ولكن أهم ما تضمّنه التّقرير هو اتجاه البوصلة الفلسطينية دائماً نحو فلسطين فقط، فحتى من تم تهجيره إلى لبنان، ومن لبنان تم تهجيره إلى أوروبا، بقيت بوصلته متّجهة نحو العودة إلى فلسطين الكبيرة بجغرافيتها المعروفة، وفلسطين الخاصّة بكل فلسطيني مهجّر، فلسطين صفّورية وفلسطين دير ياسين، وفلسطين يافا وحيفا وعكا وبئر السّبع.

قتل الفلسطيني وتهجيره مستمر حتى اليوم من قبل آلة القتل والدّمار العنصرية، بل لا يزال الفلسطينيون في قطاع غزة يعيشون نفس الظّروف التي سادت قبل أكثر من ستة عقود، والعالم الغربي مستمر في المشاركة والتآمر في العدوان على هذا الشّعب، ولكن هل فتّ هذا من عضد الفلسطينيين؟ الفلسطينيون ثابتون على أرضهم كما الجبال الرّاسيات، يقتلون وتدمّر بيوتهم، فينبتون في الأرض كالسّنابل، يخرج الرّجل من بيته فتعود ذرّيته بالمئات والآلاف لتطالب وتعمل على العودة إلى هذا البيت، ولكن الثّابت الآن أنّ الفلسطيني لا يخرج من بيته حتى لو تمّ هدمه فوق رأسه، وتفكيره منصبّ على العودة إلى أرضه التي طرد منها قبل ذلك.

هذا الثّبات يرعب المغتصبين، ولذلك يلجأون لكافّة أشكال القهر لدفع الفلسطينيين للكف عن المطالبة بحق عودتهم إلى أرضهم المسروقة، ويتوّج هذا في المجازر المتتالية التي ترتكب بحقهم. فالقاتل يعتقد أنّ الاستمرار في القتل والإبادة سيدفع الفلسطيني إلى الاختفاء والنّكوص، ولكن طبائع الأشياء والسّلوك الإنساني تسير بعكس إراد آلة السّرقة والقتل والتّدمير، فكل مجزرة تحدث تزيد من دافعيّة الفلسطيني تجاه المطالبة بحقوقه المسلوبة، وكل الأفعال الإجرامية والتّمنّيات العنصرية باختفاء الخصم أو ابتلاع البحر له، أو (اختفاء )ودفن التّقارير والقرارات التي تؤكّد على حقّه- أو جزء من حقّه- لا تغيّر الحقيقة السّاطعة، ولن تمنع استعادة الفلسطيني لحقّه.

ماذا يريد الشّعب الفلسطيني؟

الشّعب يريد، هذا هو شعار المرحلة الحالية، فالشّعب الفلسطيني يريد العودة لأرضه والعيش عليها بكرامة يستحقّها، وقد حرم منها لعقود، هذا هو المطلب الشّعبي الفلسطيني الواضح والوحيد، الشّعب الفلسطيني يريد أرضه وماءه وسماءه، الشّعب الفلسطيني يريد إنهاء معاناته في مخيّمات اللجوء وفي الشّتات، الشّعب الفلسطيني لا يريد دولة لا تعيد له حقوقه المسلوبة، ولا يريد مشاريع ومقترحات سطحيّة، تعمّق المعاناة وترسّخ الاحتلال.

قضيّة الفلسطيني واضحة وضوح الشّمس في رابعة النّهار، شعب يريد العودة إلى أرضه فقط، أما خلاف ذلك فلا يهم في شيء، فالفلسطينيون كانوا منقسمين قبل النّكبة بين حسيني ونشاشيبي، ولذلك يوجد هدف جامع لكل الفلسطينيين يتمثّل بخطاب صريح وعمل واضح، ويتمثّل هذا في إعادة الأمور إلى نصابها الواضح، وهو أنّ أي حل وأي إنهاء للمعاناة الفلسطينية يجب أن يمر عبر إعادة الحقوق إلى أصحابها، وليس إتمام سلب ما تبقّى منها.