حقائق مأساويّة لا يعلمها كثير من الناس عن الأسد ونظامه
حقائق مأساويّة
لا يعلمها كثير من الناس عن الأسد ونظامه
شاهد عيان يتحدّث عن شخصيّة الأسد ونظامه
عامر أبو الفاروق
سوري ناشط في حقوق الإنسان
ضمّني لقاء على غير ميعاد مع ضابط سوريّ متقاعد ، في العقد السابع من العمر ، يحمل في ذاكرته عن سورية تاريخاً حافلاً من المواقف المؤلمة ، والأحداث الدامية ، والمآسي التي هي أشبه بأفلام الرعب منها بوقائع الحياة ، ولولا أنّه يروي تفاصيلها ، وكأنّه يشهدها أمامه لظننت أنّه روائيّ محترف ، ينسج خيوط روايته ، ويرويها لمجالسيه ، ليرى مدى نجاحها في شدّ القارئين والمستمعين ..
وعندما علمت أنّه ممّن عاصر حافظ أسد في خدمته العسكريّة المتطوّعة ، أحببت أن أسمع شهادته بالرجل ، فقلت له : لقد سمعت عن شخصيّة حافظ أسد كلاماً متناقضاً ، فمن متحدّث عن لطفه البالغ ودبلوماسيّته ، ومن متّهم له بالدمويّة المفرطة ، وعنفه مع خصومه إلى أبعد الحدود ، ومن واصف له بالحكمة وحسن السياسة ، وأنّه لا يلجأ إلى الشدّة إلاّ إذا اضطرّه خصومه إليها ، وابتدؤوا بها .. وأريد أن أسمع منك مستوثقاً ..
فقال الرجل : لقد خدمت في " مطار الضمير " العسكريّ أكثر من ثلاث سنوات ، وكانت طبيعة عملي تتلاءم مع شخصيّتي التي لا تحبّ كثرة الاختلاط بالناس ، وخاصّة أنّني اكتشفت كثرة المخبرين ، الذين يتصيّدون الكلمة الواحدة العابرة ، لينسجوا منها تقريراً طويلاً عريضاً ، ويضعوا لها حواشي وذيولاً .. وأنا في غنى عن مثل هذا الجوّ الموبوء .. وكان يومها حافظ أسد ضابطاً برتبة رائد ، وكان متسلّطاً متنفّذاً في " مطار الضمير " وهل كان القائد الأعلى فيه أو دونه ، ولكنّه متنفّذ ومتسلّط .؟! لم أكن أدري الحقيقة .. ولكنّ الذي رأيته منه ، وشهدته عيناي ، وسمعته أذناي من أهوال ما فعل لا يمكن أن أنساه ، ولا أستطيع ذلك .. لقد كان مشرفاً بنفسه على تعذيب الضبّاط المتّهمين بمناوأة نظام البعث ، أو الذين صدرت منهم بعض التصريحات الناقدة ، ولكن كيف كان يعذّبهم ، وينكّل بهم .؟!
قلت له : كيف يفعل ذلك .؟! قال : إنّ من لم يشهد ما فعله لا يكاد يصدّق .. لقد كان يعذّب هؤلاء الضبّاط في مكان لا يعرفه إلاّ قلّة قليلة .. ولكنّه كان يجعل كلّ الموجودين في المطار يحضرون حفلات تعذيبهم ويشهدونها .! ولعلّك تسأل كيف يتمّ هذا اللغز العجيب .؟! فلا تستشكل ، ولا تحتار .. وإليك الجواب : لقد وضع لنا والله العظيم سمّاعات ومكبّرات صوت في كلّ مبنى وغرفة من المطار : في مهاجع النوم ، وفي غرف الإدارة ، وفي المطعم .. نعم في المطعم ، وفي الساحة العامة ، وضع عدّة مكبّرات .. وكنّا نسمع أصوات المعذّبين واستغاثاتهم ، والسباب والكفر واللعن الذي ينزل بهم .. وسمعنا والله تكسير عظامهم .. وكثير منهم لم يخرجوا من حفلات عذابه التي كان يشرف عليها بنفسه إلاّ إلى المقبرة ..
قلت له : وكيف كنتم تتحمّلون هذه الأصوات .؟ قال : ومن قال : إنّني كنت أتحمّلها .؟ لقد كنت أشغل نفسي عنها ما استطعت .. فإذا اشتدّ عليّ الضغط النفسيّ ذهبت إلى الحمّام ، وأفرغت ما في نفسي من شحنة الألم بالبكاء ، ثمّ غسّلت وجهي وخرجت .. لقد كنت أدعو على هذا الطاغية في الليل والنهار .. ثمّ تابع يقول : وكان في المطار مسجد قديم يصلّي فيه إماماً ببعض الأفراد العسكريّين رقيب متطوّع ، ويخطب يوم الجمعة خطبة مختصرة ، فقال مرّة في خطبته : أرجو من سيادة الضابط المشرف على تأديب هؤلاء المجرمين أن يكفّ عنّا أصواتهم ، ويريحنا من سماعها .. وليفعل بهم ما شاء .. فبلغ الخبر للمجرم الساديّ ، الفاشيّ الإرهابيّ حافظ أسد ، فاستدعاه ، وحقّق معه ، ونال منه الرقيب ما نال من الإهانة والتهديد ، ولولا ما كان له من شفاعة بعض الضبّاط المقرّبين وتزكيتهم للقي أسوأ مصير .. ولكنّ الضحيّة كان هو المسجد ، لقد كتب عليه أن يغلق ، فلا أذان ولا صلاة جمعة ولا جماعة ..
هذا هم المجرم الإرهابيّ حافظ أسد ، وهذا تاريخه .. وهو الذي فعل بحماة ما فعل .. وفعل في لبنان ما فعل .. وفعل بإخواننا الفلسطينيّين ما فعل .. وتخرّج على يديه أخوه رفعت ، الذي كان مدرسة قائمة بنفسها في علم الجريمة ، وفن القتل والإجرام .. ووزير دفاعه المجرم ، الماجن العابث مصطفى طلاس ، الذي صرّح بكلّ وقاحة وصفاقة وجه لمجلة "دير شبيغل" الألمانية في العدد 8/2005 في مقابلة أجرتها معه الصحفية (سوزانة كوليبل) بأنه كان يُشنق في فترة الثمانينات في الأسبوع الواحد، وفي دمشق لوحدها 150 معارضاً سياسياً، واعترف لها بأن يده وقعت على أحكام إعدام بلغت الآلاف ..
وضبّاط الأمن المجرمون في كلّ المحافظات السورية على تفاوت درجات إجرامهم كلّهم تخرّجوا في مدرسة حافظ أسد وأخيه ..
ولا يختلف سلوك الابن عن سلوك أبيه ، ونظام القمع والإجرام الذي عمل به ورسّخه .. ويزيد الابن أنّه واجهة خشبيّة لنظام فاشيّ عريق في البطش والإجرام ..
واعجب بعد ذلك لأولئك السذّج المغفّلين ، الذين يخدعون بمعسول القول ، وهم أسرى إعلام هذا النظام الفاشيّ الأثيم ، وصرعى دجله وأكاذيبه ، ولا يقيمون وزناً لأفعال هذا الطاغية وجرائمه ، ويبرّؤونه منها ، بدعوى أنّها تصرّفات فرديّة ، ولا علم له بها .. ولكنّ الله يمهل ولا يهمل ، وليل الظلم مهما طال فلن يدوم ، والله لكلّ الطغاة بالمرصاد ، ويوم الحساب قريب ، وذاكرة التاريخ لن تخدع ولن تزوّر .. وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ...