ما لم تقله المستشارة في مؤتمرها الصحفي !
طارق أبو جابر
خرجت مستشارة الرئيس بزينتها وتسريحتها الفارهة التي تغطي نصف وجهها ، وأطلت على الشعب السوري بعين واحدة من عل ، لكي تزف له بزهو وافتخار البشارات السعيدة من القيادة القطرية لحزب البعث بمحاربة الفساد ، ومنع الاعتقالات التعسفية ، والنظر بقانون الطوارئ الذي يقر الاعتقال التعسفي ، واختيار اسم جديد لقوانينه استجابة لمطالب الشعب ، وتمشيا مع روح العصر .. وكأن في سورية اعتقالات تعسفية وتطبيق لقانون الطوارئ ؟ أليس هذا القانون موجود أصلا للتبرك به ، وليس للتطبيق على المواطنين ؟ وهل اعتقال الشخص الذي يطالب بالحرية والكرامة ، خدمة لمصلحة العدو الإسرائيلي ، ويوهن نفسية الأمة ، حتى لا ترضى بالهوان والذل ، ومحاكمته بمحكمة عسكرية ..تعسف ؟ أليس هو عين الوطنية ، وعنوان الحرص على الوطن ، الذي لم يبق نظام صامد ممانع في وجه شعبه غيره على وجه الأرض ؟ أليس صمود هذا النظام المنقطع النظير أمام مطالب الشعب ومناشداته وتوسلاته بأن يمنحه هامشا من الحرية ، يوفر له شيئا من الكرامة والشعور بالآدمية .. هو ببركات قانون الطوارئ ؟ وكيف سيكون حال الصمود والممانعة لو منح الشعب حرية وكرامة ؟ هل كانت تحررت الجولان ، وتحقق العدل والرخاء الذي ينعم به المواطن في سوريا ؟
أما ما غصت به المستشارة ، وهي تنظر إلى الجمع بطرف حيي ، ولم تستطع البوح به أمام شاشات الإعلام ، فهو رغبتها الشديدة - كما بدا لي- بأن تقول للصحفيين الذين كانوا يتلفتون وينظرون إلى بعضهم خائبين : أنا أعلم أنكم أصبتم بخيبة أمل كبيرة من هذه القرارات ، التي تمثل بالنسبة لي – كمستشارة مؤتمنة على مستقبل هذا الوطن – إنجازات عظيمة ، لأ نكم لا تعلمون كم بذلت من الجهد ، وكم أمضيت من الوقت ، وأنا أتلطف السيد الرئيس ، وأرجوه ، وأتوسل إليه ، لكي يوافق على هذه القرارات العظيمة ،التي ترونها أنتم تافهة حقيرة ، وهو يصد ني صدا ، ويقول لي : يا بثن ، كأنك لا تعرفين عواقب الاستجابة لأي مطلب من مطالب هذا الشعب اللئيم ؟ إن أي تنازل مهما كان صغيرا حقيرا سيطمعهم ، ويغريهم بطلب المزيد ، ولا تستغربي أن يأتي يوم يرفضون فيه الاستفتاء على موقع رئيس الجمهورية ، ويرشحون منافسا لي، من خارج القيادة القطرية أو من داخلها ، ويطلبون مراقبة دولية على الانتخابات .. وعندها (أروح لمين) يا بثن ؟! لا تدعيني أفقد ثقتي بك ؛ فقد عرفتك وفية ناصحة أمينة .. فماذا أصابك ؟ أخشى أن تكوني قلقت من الانتفاضات والثورات في مصر وتونس ... نحن غير يابثن ، نحن غير، نحن معنا .. ومعنا .. وسنفعل ونفعل .. وسترين بعينك كيف سنتصدى لهؤلاء العملاء للوطن ، ونذكرهم الدرس الذي كأنهم نسوه ..
وصدقوني أيها السادة : إن السيد الرئيس لم يوافق على هذه القرارات إلا عندما استجمعت كل دهائي وخبرتي السياسية والدبلوماسية ، من أجل حفظ ماء الوجه ، وهمست له : يا سيادة الرئيس ، إنني مازلت عند حسن ظنك وظن أبيك ، وهذه القرارات سننفذها بالمقلوب ؛ نقول : إنك أمرت ألا نطلق الرصاص على المتظاهرين ، ونريهم الموت الزؤام ، ونقول : سنزيد الرواتب ، ونسترد أضعافها من الرسوم والضرائب ، ونقول : سنلغي قانون الطوارئ ، ونضع بدلا منه قوانين تجعل الناس يترحمون على قوانين الطوارئ ..وما قانون الإعدام على مجرد الانتماء للإخوان المسلمين رقم (49) عنكم ببعيد .. وهكذا الإصلاح عندنا ، أو إنك تظن بنا الظنون ؟!هنا انفرجت أسارير السيد الرئيس ، وعادت الطمأنينة إليه ، وتعجب من دهائي وحنكتي السياسية ، ووافق راضيا على هذه القوانين ..ومن لا يعرف حقيقة الأمور، يقول : كف عدس !! وإلى اللقاء مع قرارات جديدة ، وإنجازات ثورية أخرى.