كلهم أفطن منك يا شيخ البوطي!

طارق أبو جابر

تعلم أيها الشيخ أنك لا تستحق الشكر على الكلام الذي توجهت به إلى الشعب السوري ، على الرغم من الخدمة الجليلة التي قدمتها للثورة الطاهرة المظفرة بعون الله ، عندما ذممت رجالها ، واتهمتهم في دينهم وخلقهم ، ومدحت النظام المجرم الغادر، وأركانه البغاة الفجار ، فازدادوا يقينا أنهم على الحق الصراح ، وازدادوا عزيمة وقوة وإيمانا بثورتهم العادلة على البغي والإجرام والظلم والفساد .. تقول : إنك نظرت في وجوه  الذين تظاهروا في رحاب المسجد الأموي فوجدت أنهم ليسوا من الذين حضروا الصلاة ، وليسوا من المصلين ، من أنبأك بهذا يا شيخ ؟ هل كنت خارج المسجد أو داخله ؟ هل كنت تصلي أو كنت تراقب المصلين ، أو إنك تعلم الغيب؟ هذه واحدة . وتقول : إنهم يتلقون الأوامر من الخارج ، وأنت تعلم أن الخروج في مسيرة ضد هذا النظام الباغي المجرم يكلف الإنسان حياته ، فمن هذا الذي سيبيع حياته لينفذ أوامر الخارج مهما كان الثمن ؟ وهل ما يلاقيه المواطن السوري - يا شيخ – من هذا النظام الباغي وعلى يد أزلامه الفجار ، لا يستحق الغضب والانفجار؟ وقد عرفت المصلي وغير المصلي ، وهذا من ضروب الغيب ، فمن هو هذا (الخارج) يا شيخ ؟ لماذا لا تعلن هذا الخارج الذي يريد ببلدنا شرا، حتى يقف الشعب كله معك ضده ؟ لماذا تترك ذكاءك وعلمك وفهمك وعقلك عندما يتعلق الأمر بكرامة شعبك ووطنك وحريته ؟

لقد كان الأجراء من أركان النظام الذين يفاخرون بعلمانيتهم ، ونبذهم للدين أكثر احتراما لعقولهم منك ، عندما أعلنوا أن هؤلاء الشباب قد تأثروا بما يجري حولهم ، فقاموا يتظاهرون ويعلنون مطالبهم كغيرهم ، وأنهم محقون ، وأن النظام يريد الاستجابة لمطالبهم المحقة ، وما قالوا : إنهم لا يحملون سمت الوطنية والصلاح ، وحتى حافظ أسد كان أكثر منك احتراما لعقله ، عندما تودد للشباب الذين لم يرحم شبابهم ، وأعلن أثناء الأحداث التي فتك فيها بشعب سوريا شيبهم وشبانهم، رجالهم ونسائهم :إنه لو كان شابا لكان أصوليا ، وأحسبه قصد لكان ثوريا على الظلم والقهر والفساد ، وأنت تستكثر على شباب سوريا أن يغلي الدم في عروقهم ، وينتفضون ، وهم يرون شعوبا تثور وتنتفض على الظلم والفساد ،وهي ليست أكثر منهم إيمانا ورجولة وعروبة ووطنية ، ولا يعاني بعضهم معشار ما يعاني شباب سورية وشعبها؟ ألم تر كيف فعلوا بك عندما عرّضت بكل لطف ورقة بجانب عابر من جوانب الفجور والفساد ، وأنت المعظم والمبجل ، الذي لا يرى إلا ما يرى الطغاة البغاة ، ولا يسمع إلا ما يتكلمون؟ إنني لعلى يقين أيها الشيخ ، أن صلاة هؤلاء الشباب الثائرين على الظلم والبغي والفساد ، الذين حملوا أرواحهم على أكفهم ، خير من ألف صلاة لخانع مستسلم ذليل ، وأن قلوبهم أذكى وأطهر ، وأن عقولهم أكبر، وأن وجوههم أنور من الوجوه التي كساها الذل والنفاق ، ودماءهم أذكى دماء ،وهم القادة والمعلمون ، ألم تقرأ ما جاء نا في الأثر في وصف هذه الأمة: "إنها في أول الزمان يتعلم صغارها من كبارها، فإذا كان آخر الزمان تعلم كبارهم من صغارهم" وتأويله – كما ذكر العلماء الثقات - أن آخر الزمان سيكون لهذه الأمة زمن جهاد واقتحام، وعزيمة ومغلبة على استقلال الحياة؛ فلا يصلح لوقاية الأمة إلا شبابها المتعلم القوي الجريء، كما نرى في أيامنا هذه، فينزلون من الكبار تلك المنزلة ؛ إذ تكون الحماسة متممة لقوة العلم. وفي الحديث: "أمتي كالمطر: لا يدرى أوله خير أم آخره"

ليس لمثلي أن يعظ مثلك ، ولكنك آذيت شعبك ووطنك كثيرا- يا شيخ - والله لو كنت أظن أنك لا تعلم أكثر مني، مدى الظلم الواقع على شعب سوريا منذ أكثر من أربعين عاما ، لقصصنا عليك شيئا منه ،ولكنك تعلم أكثر مما يعلم شخص مبعد عن وطنه مع أسرته منذ ثلاثين عاما ومثله كثير،وتعلم كم عدد المغيبين في السجون منذ أكثر من ثلاثين عاما،وتعلم  وتعلم...فاتق الله يا شيخ، إن الدنيا لا تغني عن الآخرة ،وأبرئ ذمتك أمام الله والناس، واعتذر لهؤلاء الشباب الثوار الأطهار الأبرار،الذين يخطون للأمة فجرا جديدا، تنعم فيه أنت وغيرك، ويعتق رقبتك ورقبة شعبنا الكريم من الذل والهوان.