بين الشيطنة والأنسنة

جميل السلحوت

[email protected]

دأبت حكومات الاحتلال الاسرائيلي على اطلاق مصطلح(الشيطنة)على الشعب الفلسطيني، والشيطنة مصطلح أطلقته الحكومات الأمريكية على بعض الأنظمة التي تخرج أو خرجت من بيت الطاعة الأمريكي، وآخر حملة اعلامية وسياسية قادتها الدبلوماسية والاعلام الاسرائيليين، جاءت بعد عملية الذبح الجماعي الذي استهدف أسرة المستوطن فوغل من مستوطنة ايتمار قرب نابلس يوم 11 آذار الحالي، والتي حصدت أرواح الزوجة والزوج وأطفالهما الثلاثة، ومن بينهم طفل رضيع، وهذه جريمة مستنكرة ومدانة بكل المقاييس الانسانية والدينية والأخلاقية، مثلها مثل أيّ عملية تستهدف المدنيين بغض النظر عن عرقهم أو لونهم أو دينهم، وبغض النظر عن هوية مرتكبها أيضا، ولا يمكن أن يرتكبها فلسطيني عاقل يحترم فلسطينيته ويؤمن بربه ودينه، بغض النظر عن الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين، والتي تتمثل بالقتل والتعذيب والاعتقال ومصادرة الأرض،  وجدار التوسع الاحتلالي وغيرها، فنحن ورثة حضارة عريقة تحترم حياة الانسان وكرامته، ونستذكر هنا وصية أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه لجيوش الفتح الاسلامي التي توجهت لبلاد الشام والتي جاء فيها:" لا تقتلوا طفلا ولا امرأة ولا شيخا، ولا تغرقوا زرعا ولا تقطعوا شجرة الا لنفع"...ولم يتورع الاعلام الاسرائيلي من وصف الفلسطينيين بـ"الحيوانات"كما ظهر "مانشيت" صحيفة معاريف، لكن الاعلام الاسرائيلي والقادة الاسرائيليين الذين توعدوا الفلسطينيين بالويل وعظائم الأمور التزموا الصمت حيال ما تناقلته وسائل الاعلام بأن الجاني الذي ارتكب المجزرة الارهابية عامل تايلندي، مما يؤكد أنهم معنيون بالصاق التهمة بالفلسطينيين بغض النظر عن مرتكبها، لكسب الرأي العام العالمي ضدهم خصوصا بعد ان انفضحت سياسة الحكومة الاسرائيلية المناهضة للعملية السلمية، والمستمرة بسياسة الاستيطان العدوانية، وامعانا في هذه السياسة فقد سمحت حكومة نتنياهو ببناء مئات الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية لاسترضاء المستوطنين الذين يعتدون على المدنيين الفلسطينيين وعلى ممتلكاتهم بشكل يومي، وبحماية من الجيش الاسرائيلي.

لكن أحدا من المسؤولين الاسرائيليين لم يكلف نفسه أعباء التفكير بأسباب استمرارية دائرة الصراع، وما يتمخض عنه من نزف دماء من كلا الطرفين، فالاحتلال المستمر للأراضي العربية المحتلة في حرب حزيران 1967 هو المسؤول الأول والأخير عن كل ما يحدث، واسرائيل الرسمية لا تعترف حتى الآن أنها دولة محتلة، وتستعبد شعبا آخر، بل العكس هو الصحيح فانها تعتبر الاراضي العربية المحتلة جزء من"أرض اسرائيل"تم تحريرها من المحتلين العرب، ونتنياهو يعتبر"أرض اسرائيل" بأنها تطل على الصحراء العربية، والمقصود جزيرة العرب، أي أن الأطماع الاسرائيلية تتخطى حدود فلسطين التاريخية، وأن المستوطنين المدعومين من الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة طلائعيون يعودون الى "أرض الآباء والأجداد" وما الفلسطينيون المرابطون في أرض وطنهم الا مجرد أقلية قومية في "أرض اسرائيل" و"لا يضير الديموقراطيات وجود أقلية قومية فيها"على رأي المنظر الصهيوني جابوتنسكي الأب الروحي لفكر حزب الليكود، وما تعمله حكومة نتنياهو من بناء استيطاني في الأراضي المحتلة ما هو الا سباق مع الزمن لفرض واقع على الأرض سيجعل اقامة الدولة الفلسطينية أمرا خياليا، ومع الأسف فان الادارة الأمريكية تدعم ذلك، وما استعمالها لحق النقض"الفيتو"في مجلس الأمن لمنع صدور قرار يدين الاستيطان الا برهان على ذلك.

ولا جدال بأن الاحتلال فعل شيطاني يخالف القانون الدولي والانساني وينتهك حقوق الانسان، وعلى المجتمع الدولي أن يقف ضد هذا الشيطان الذي يؤجج الصراع ويغذيه، وهو المسؤول عن سفك الدماء البريئة.