أما آن لشباب سورية أن يخلعوا النظام السادي

محمد فاروق الإمام

أما آن لشباب سورية

أن يخلعوا النظام السادي!!

محمد فاروق الإمام

[email protected]

إن ما يقوم به النظام السوري من اعتقال وسجن وقتل ونفي لرموز الوطن ومثقفيه وناشطيه في مجال حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والتدوين، ثم يطلق سراح البعض ويفرج عن البعض ويسمح للبعض بالعودة إلى الوطن، وكأنه الفرد الصمد في حكمه لا ينازعه قانون أو قيم أو أخلاق أو مبادئ، وهذا الفعل يذكرني بما رواه التاريخ عن شيخ الحشاشين حسن الصباح الذي تمرد على الخلافة العباسية وسعى في الأرض فساداً، حيث أقدم على اغتيال نخبة من عظماء الدولة العباسية وقادتها وكان منهم الوزير الأديب (نظام الملك)، ومحاولات عدة لاغتيال ثلاثة من الخلفاء العباسيين، ومحاولة اغتيال القائد صلاح الدين الأيوبي، ومحاولاته في استدراج الصليبيين والتعاون معهم، وتقديم الخدمات لهم لتسهيل احتلالهم لبلاد الشام.

يروي التاريخ أن الخليفة العباسي المسترشد بالله أرسل وفداً إلى شيخ الحشاشين حسن الصباح في قلعته المعروفة (بقلعة الموت) يطلب منه الرجوع عن دعوته ووقف تعامله مع الصليبيين وإنهاء تمرده على الخلافة العباسية والنزول عن قلعته لجيوش الدولة العباسية، وكان جواب حسن الصباح للوفد أن خرج بهم إلى أحد أسوار القلعة ونادى فَتَيان من مقاتليه وأمرهما بالتقدم نحو حافة السور، ثم طلب منهما التوقف فوقفا، ثم التفت إلى وفد الخليفة وقال: إني أعطي الحياة وأمنعها، فقيل له: كيف ذلك والذي يعطي الحياة ومنعها هو الله؟! فقال: سأريكم أنني أنا أيضاً أعطي الحياة وأمنعها، فأمر أحد الفتيان بالتقدم، فتقدم حتى هوى من أعلى السور إلى الأرض ولقي حتفه، ثم أمر الآخر بالعودة فعاد إليه يقبل قدميه لأنه وهبه الحياة.

بعد هذا المشهد الدرامي الأليم التفت حسن الصباح إلى وفد الخليفة قائلاً في تحد وصلف وكبرياء: (أبلغوا من أرسلكم أني أنا من يوهب الحياة وأنا من يمنع الحياة فهل لخليفتكم القدرة على فعل ذلك)!!

ما دفعني إلى هذه المقدمة في مقالي هو ما يفعله النظام السوري في الشعب السوري منذ تسلق حزب البعث الشمولي السادي جدران السلطة في دمشق في الثامن من آذار 1963، وهو ينازع الله عز وجل – قاتله الله - في قدرته وأفعاله، فهو يهب الحرية لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء، وأنا لا أفتري على هذا الحزب وشاعره يقول:

آمنت بالبعث رباً لا شريك له .. وبالعروبة ديناً ما له ثاني

أول من أمس أفرج النظام عن شيخ الحقوقيين القاضي هيثم المالح بعفو رئاسي خاص، وقد سبق ذلك إصدار الرئيس بشار الأسد مرسوماً يعفو بموجبه عن الجرائم الصغرى، مستثنياً ذلك المرسوم المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي ومعارضي النظام والمدونين.

ولم يكن الإفراج عن القاضي هيثم المالح الذي تجاوز عمره الثمانين إلا نزولاً عند الضغوط الدولية لمنظمات حقوق الإنسان، وانعكاساً لما يعانيه النظام من قلق حيال ما يحدث في الساحة العربية من ثورات وانتفاضات أودت بأنظمة الاستبداد والفساد في كل من تونس ومصر، في حين بات نظام الديكتاتور الأرعن معمر القذافي يترنح أمام ضربات الثائرين عليه، وظهور بوادر وإرهاصات انطلاق انتفاضة الشباب في سورية، حيث ملأت الشوارع والساحات وواجهات مؤسسات الدولة والأبنية الرسمية في كل المدن السورية شعارات التنديد بالنظام السوري مطالبين بسقوطه ورحيله، والدعوة إلى الانتفاضة عليه في الخامس عشر من آذار الحالي.

وكان القاضي هيثم المالح قد اعتقل في 14 تشرين الأول 2009 على خلفية عدد من اللقاءات الإعلامية، وكتابته مجموعة من المقالات الداعية للتصحيح والتغيير السلمي والمتدرج، وسبق وسجن المالح عام 1980 عند انتفاضة النقابات المهنية على النظام التي طالبت بالإصلاحات الدستورية، وبقي في السجن حتى عام 1986 مع عدد كبير من النقابيين والناشطين والمعارضين السياسيين، الذين لا يزال بعضهم معتقلاً حتى اليوم وكثيرين من المفقودين الذين لا يعرف مصيرهم.

النظام السوري بما يقدم عليه من قمع للحريات وإشاعة للفساد واعتقال وسجن الناس بمراسيم والإفراج عنهم بمراسيم، بعيداً عن القضاء الذي تحكمه الشرائع والقوانين، هو بفعله هذا أشبه ما يكون بما كان يفعله شيخ الحشاشين حسن الصباح، وآن للنظام السوري أن يستفيق من هذا المرض السادي الذي ألحق بالشعب السوري أفدح الأضرار ودفع بسورية إلى قاع العصور الوسطى، حتى باتت سورية رمز للتخلف والانحطاط، وقد تقدمت عليها دول مجاهل أفريقيا ودول غابات الأمازون التي باتت تحتكم للشعب وصناديق الاقتراع والتداول السلمي للسلطة ولا زلنا نحن محرومين من أبسط الحقوق التي كفلتها الشرائع والقوانين، ونعامل من قبل النظام كقطيع في مزرعة أو عبيد في سوق النخاسة!!

وظننا في لحظة من اللحظات – على خلفية خطاب القسم الذي أداه الرئيس بشار الأسد عند توليه السلطة - وهو الشاب القادم من بلاد الضباب بلاد أعرق الديمقراطيات، وقد منّانا بالتغيير والإصلاح ومحاربة الفساد وإطلاق الحريات والتعددية السياسية وإبعاد الحرس القديم، فظننا – واهمين - أن هذا الشاب سيطوي صفحة أبيه القاتمة من ذاكرة السوريين، وسيقوم بعملية إصلاح شاملة تضع سورية على الطريق الصحيح، وأنه سيرتقي بسورية إلى مصافي دول العالم الثالث المتقدمة الآسيوية منها والأمريكية الجنوبية، أسوة بماليزيا واندونيسيا والهند وسنغافورة والبرازيل وفنزويلا والأرجنتين وكلها دول سبقناها بأشواط بعيدة بعد الاستقلال، فهذا مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا يزور سورية في خمسينات القرن الماضي ويصاب بالدهشة من التقدم الذي حققته سورية في الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة، ويقول ممني النفس: (إنشاء الله سنلحق بسورية بعد خمسين سنة)، والآن البون شاسع بين ما وصلت إليه ماليزيا وما آلت إليه سورية، والسبب بسيط فماليزيا تُحكم بنظام ديمقراطي تتداول السلطة فيه الأحزاب بشكل سلمي وشفاف، بينما نحن يحكمنا حزب ديكتاتوري شمولي يمنع على الآخرين مجرد إبداء الرأي أو توجيه أي نقد، وأبقانا الأسد الابن في نفس النفق المظلم الذي ورثه عن أبيه وعن حزب البعث القائد والموجه للمجتمع والدولة.

ومرة أخرى – وعلى خلفية انتفاضتي تونس ومصر وخلع طاغيتهما – ظننا أن الأسد الابن سوف يتعظ بما حل بتونس وما حل بمصر وسيسارع إلى القيام بخطوات تصحيحية وعمليات تغيير سريعة تشمل كل مناحي حياة المواطن السوري المقموع والمصادرة حريته منذ العام 1963، ويستبق الأحداث ويعتبر بها ويجنب البلاد أية هزات، ولكن السيد الرئيس راح يقوم بعمليات أراجوزية لا تستحق من المواطن السوري حتى التوقف عندها أو الحديث عنها، ثم قامت انتفاضة ليبيا تهز أعتا ديكتاتورية في الوطن العربي وراحت بخطى سريعة تضيق الخناق على الديكتاتور الأرعن معمر القذافي، الذي أبى الانحناء لإرادة الجماهير والنزول عند رغباتهم، وراح بكل صلف وغرور وجبروت يقمع الشعب الليبي الأعزل بكل أنواع الأسلحة التي عادة ما تستعملها الجيوش في حروبها أو في صد العدوان على أراضيها.

ومرة أخرى لم نجد عند الأسد الابن أي بادرة تغيير أو أي نية في الإصلاح، وعلى العكس تمادى في قهر السوريين وإذلالهم وملاحقتهم وسوقهم إلى المحاكم العسكرية وإلى السجون والمعتقلات، وفعله هذا يجعلنا نوطن النفس على كل الاحتمالات وسنضع أمامنا صورة انتفاضة تونس ومصر وحتى ليبيا إن لم يسارع الأسد الابن إلى إبداء المرونة تجاه مطالب الجماهير التي تتلخص في إلغاء حالة الطوارئ، وإطلاق سجناء الرأي، والسماح لعودة المنفيين، وإلغاء القوانين الاستئصالية كالقانون رقم(49/1980)، ووقف تغوّل أجهزة الأمن في حياة المواطن السوري، وملاحقة الفاسدين، وحرية الصحافة، والفصل بين السلطات، ووضع دستور عصري جديد، وتحديد مدة الرئاسة على أن لا تتجاوز الفترتين، وحل البرلمان، وحل كل النقابات والمنظمات التي قامت بمرسوم من الرئيس أو الحزب، ولم يكن للجماهير رأياً فيها، والعودة بالبلاد إلى النظام البرلماني، ، والتداول السلمي للسلطة.

وفي كل الأحوال فإننا نتطلع إلى الشباب الذين هم عماد الوطن وأداة التغيير، وشباب سورية ليسوا أقل توقاً إلى الحرية والانعتاق من سياط الجلادين وناهبي ثروات الوطن وسارقي جيوب المواطنين وجهدهم وعرقهم، والتخلص من خفافيش النظام وجواسيسهم، الذين يحصون على الناس أنفاسهم ويتحكمون بدقائق حياتهم ومفردات عيشهم.. شباب سورية ليسوا أقل ضيقاً من هذه الأنظمة المستبدة الشمولية السادية من أشقائهم في تونس ومصر وليبيا واليمن والعراق المنتفضين على هذه الأنظمة، وهم أبناء من كانوا وقود كل الثورات والانتفاضات التي عرفتها ساحات النضال العربية من بغداد حتى تطوان.