ما الذي يجعل المجزرة ممكنة ومستمرة؟!

د. حمزة رستناوي

[email protected]

أكثر من مئة من المدنيين الابرياء كانوا ضحية الغارات الجوية للطيران السوري ( الاسدي) على مدينة الرقة ... لقد حدثتْ مجزرة ؟! يا الهي مجزرة ؟!!

قد نجد في وثائق يكتبها لاحقاً المؤرخون عن الثورة السورية /  الحرب الاهلية السورية أنه بتاريخ 25-نوفمبر-2014 حدثت مجزرة في مدينة الرقة, و نجد ذكرها في التقارير الدورية لمنظمة العفو الدولية .. و في اليوم التالي  لحدوث المجزرة لم تكن    لتظهر و لو كخبر عارض في نشرات أخبار: ب ب سي أو سي أن أن...الخ   

لا صدى او ردود افعال مهمة  و لو على مستو التصريحات الرسمية عالميا ..و لا حتى شعبيا عدا  تظاهرات احتجاجية بسيطة لسوريين مقيمين  في تركيا.

و بعد ذلك نتساءل ما لذي يجعل المجزرة و المجازر مستمرة على قدم و ساق؟!

*

احدى أهم الاسباب في استمرار المجزرة / المجازر هو الاعتياد على الجرائم و الاخبار السيئة,  و ضعف الارتكاس تجاهها ؟! قد لا يكون هذا الموقف من المجزرة مقصودا او سكوتا عليها , و لكنه في كثير من الاحيان ناتج عن قلة الحيلة و الاستسلام لقدرية و مصير بائس , يبدو لنا محدودية التأثير فيه.

*

في المجازر و الابادة الجماعية و الجرائم ضد الانسانية , هناك كما يقول المثل الشامي  (خيار و فقّوس ) تبعا لسوق المصالح السياسية و طريقة التقديم و التسويق الاعلامي , و الى عصرنا هذا ما تزال الهولوكوست (مجازر النازية ضد اليهود) تتربع على قمة هرم المجازر, و قد تم استخدامها و بكل أسف لتبرير مجازر أخرى,  لا تقل فداحة عن الهولوكوست نفسه كان ضحيتها تشريد و معاناة لا تنتهي للشعب الفلسطيني ..و اذا كانت مجازر و حروب ابادة  من قبيل ما جرى للهنود الحمر , الأفارقة ابان فترة تجارة العبيد و المجازر أبان الحقبة الاستعمارية ..قد مرت من  دون عقاب,  لا بل لم يتم الى الآن الاعتراف بتوصيفها كمجازر و جرائم ضد الانسانية ..لا بل  و أكثر من ذلك فقد  جرى الاعتراف بالسفاحين كأبطال قوميين و قادة تاريخيين!  المجازر السابقة كلّها حدثت في زمن مضى بما يزيد عن نصف قرن .. بعد ذلكَ تراءى لنا و كأنّ العالم قد تغيير , مع الدخول في عصر العولمة و الفضاءات المفتوحة و عولمة ثقافة حقوق الانسان... و لكن مع اندلاع الثورة السورية / الحرب الاهلية السورية في آذار 2001 ظهرت الى العلن هشاشيه النظام العالمي الجديد , و ازدواجية المعايير التي ما تزال تتحكم في قراراته و استجابته المختلفة.

*

في الهلال الخصيب في سوريا و العراق و لبنان و لأسباب تتعلق بقصور المجتمعات السنية ذاتها أساسا  ( كجزيء من قصور مجتمعي شامل  تهيمن عليه قوى الشَخْصَنَة السُّنية )  و لعدم وجود راعي اقليمي داعم , (على غرار الدور الايراني و ما تمثله سلطة ولاية الفقيه بالنسبة  قوى الشَخْصَنَة الشيعية المهيمنة في هذه المرحلة )  أصبحت المجتمعات السنية في هذه الجغرافيا هي المستهدف الاساس بسياسات المجازر الجماعية من قبل قوى الشَخْصَنَة الشيعية النافذة في هذه البلدان الثلاثة ..في سوريا و على سبيل المثال لا الحصر.. سلسلة مجازر: مجزرة جسر صيدا نيسان 2011- مجزرة حماة حزيران 2011- مجزرة كرم الزيتون آذار 2012- مجزرة دير بعلبة نيسان 2012-مجزرة الحولة ايار 2012-مجزرة القبير حزيران 2012- مجزرة التريمسة تموز 2012- مجزرة داريا آب 2012 مجزرة معضمية الشام آب 2012- مجزرة الفرن في حلفايا ك1 2012 - مجزرة بانياس أيار 2013-مجزرة الصنمين نيسان 2014-مجزرة جديدة الفضل نيسان 2013-مجزرة طريق الباب حلب شباط 2013-مجزرة المزرعة 2013- مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية و الغربية آب 2013-مجزرة صوران 2014- مجزرة حي الانصاري –مدرسة عين جالوت 2014

و تحوّل ما يقارب حوالي عشرة ملايين منهم  الى نازحين داخل أو  خارج سوريا.

*

الذي يجعل المجزرة أي مجزرة مستمرة هو أوّلا : هيمنة ثقافة جوهرانيِّة تنظر الى الآخرين كوجود زائد منحط متخلّف وضيع ..ثقافة تقوم بتجريد الكائن الانساني و المجتمعات الانسانية من أدميتها و انسانيتها تحت مسميات من قبيل: كافر- مرتد – متخلف – رجعي- غريب- أجنبي- نجس – أبناء المتعة - الروافض – النواصب –فلاحيين رعاع – شوايا متخلفين- عملاء خونة ..الخ.

هذه الثقافة الجوهرانيِّه نجد تعبيراتها الجلية في الخطاب الاعلامي و السياسي و الديني عادة, و عند توفر مصالح وازنة للنخب السياسيّة , يقومْ السياسي بتسخير هذه الثقافة -القابلة أصلا للتسخير- للاحتفاظ بغنائم  السلطة او انشاء سلطة وليدة و ترسيخ النفوذ...

*

 الثقافة السائدة في المجتمع السوري بكل اسف حاليا هي من النوع الجوهراني الذي ينظر الى الذات كجوهر مختلف و متفوق على الآخرين ,,و بوجود هذا النمط من الثقافة سيكون حدوث المجزرة,  و استمرارها تحصيل حاصل و قضية وقت ليس أكثر ..و كقرينة على ذلك ما عليك سوى متابعة صفحات التواصل الاجتماعي للسوريين في الداخل و المغترب  و الانصات لجلساتهم , حيث يفاجئك  ربما سماع هذا الكم الكبير من الكراهية و الشتيمة و المفاضلة و ادعاءات المظلومية ..و اللافت هو عدم التستر و الخجل من هذا الخطاب الجوهراني العنصري , حيث مع كل كبسة زناد من رشاش شتيمة : بدكون حرية – خونة اخونجية - ارهابيين ..كس اختكون يا كلاب.. لا فعل كذا و كذا..جيناكونْ بالدبح ..بدنا نرجَّعكون عبيد متل ما كنو..ابادة السنة ..ابادة العلويين  ..الخ و هناك مقاطع فيديو موثقة مؤلمة  لرمي براميل متفجرة من طائرات هيلوكوبتر (للنظام الأسدي ) عشوائيا على مناطق سكنية و سط حالة من تبلد الحس أو الحماس لارتكاب مجزرة!

*

ما يجعل المجزرة ممكنة هو هيمنة ثقافة ذكورية ..تنظر الى الآخر كموضوع للتملك و السيطرة ..و ليس كشريك و من مبدأ تعاوني توحيدي, ثقافة بدوية مُتصحّرة تعيد انتاج الغزو و عقلية الغزاة ..تحتقر الضعيف ..تنظر الى المرأة كموضوع جنسي فقط ..و وسيلة لإذلال الخصم ..ثقافة مفرداتها حرائر.. أخت الرجال.. جهاد النكاح- ابن المتعة.. و قاموس حافل من الشتائم الجنسية المهينة.. بحق الانسان سواء كان ذكرا أم أنثى. 

*

ما يجعل المجزرة ممكنة و مستمرة هو الامان الذي يشعر به المجرم من العقاب و سيف العدالة ,  فلو كان العقاب جديا او التهديد به لاختلف الامر ..في الحرب الدائرة في سوريا مجتمع دولي مهلهل هش ..و ضع اقليمي لصالح الاسد ..الثورة مخترقه و مجيرة لصالح الاسلاميين التكفيريين (قاسم مشترك مكروه عالميا قابل للاستثمار المخابراتي ) عدم توازن قوى الى حد كبير هو ما يجعل المجرم الاسدي طليقا و يتمادى ..كان هناك حالة مشابهة في صربيا و ابادة مسلمي البوسنة , و لكن الفرق كان بوجود نظام دولي تدخل في مرحلة معينة من الصراع لصالح المظلوم ..بينما يستمر العالم في مشاهدة فصول من مسرحية الحرب الاهلية السورية حيث يتقاتل الاشقاء الى حدِّ العبث ..وسط انهيار قيمي و إفلاس اخلاقي ..مُفسحاً المجال لاستمرار المجزرة/ المجازر.