سجن العلويين.. وما تزال المفاتيح بأيديكم

دعوة بمناسبة يوم الجلاء

إنها دعوة صادقة إلى إسقاط معادلة الشرّ من العقول والقلوب، وتعبير عن أمل كان - وما يزال - يحكم أفقَ كلّ الخيّرين من أبناء الوطن، الأمل بعيشٍ مشترك آمن عزيز كريم، لا يستثني، ولا يستأثر، ولا يستأصل، ولا يُقصي، ولا يستخفّ، ولا يستعلي..

تنبع هذه الدعوة من فقه ورثناه عن الصحيفة النبوية الخالدة (صحيفة المدينة) التي جمعتْ فأوعَت، وأكّدت مبدأ المساواة بين كل أبناء (يثرب) المدينة الجديدة، منذ اليوم الأول للإعلان عن مجتمع الرحمة والعدل والمساواة..

كما تنطلق دعوتنا هذه من رؤية واقعية مستشرفة، سبق أن رسمنا خطوطها من قبل، في فقه قادة الجماعة المؤسّسين، يوم كان وطننا الجميل سورية، ميداناً رحباً للشراكة، والتنافس في الخير، والتعاون على البر.. ثم من مواثيق وعهود سياسية، تقدّمنا بها على مدى عقد ونصف، تمثلت في ميثاق الشرف الوطنيّ عام 2001، ومشروعنا السياسيّ لسورية المستقبل عام 2004، وعهدنا وميثاقنا الوطنيّ عام 2012.

إنها دعوة لكلّ أبناء المجتمع السوري.. نخصّ بها المواطنين والأشقاء في الشراكة الوطنية التاريخية الواقعية، بخلفياتهم الدينية والمذهبية والعرقية.. لاسيما أبناء الطائفة العلوية، فهم المعنيّون قبلَ غيرهم بهذه الدعوة، دون أيّ تقليل من مكانة ودور كلّ الشركاء الآخرين.

إننا - في جماعة الإخوان المسلمين في سورية - ندرك أن هذه الفاجعة يصطلي بجحيمها القاتل والمقتول، والجاني والمجنيّ عليه، مع يقيننا أنهم ليسوا سواء؛ فليس من العدل والإنصاف أن يسوّيَ الإنسان بين مصاب الباغي الصائل، الذي يقتل الناس ظلما وعدوانا، وبين مصاب الحرّ الشريف، المدافع عن دم أو عرض أو حق مسلوب، أو رغبة في عيش كريم يعم خيره كلّ أبناء الوطن.

لكن الحقيقة المرّة التي لا يستطيع أن يتهرّب من وطأتها أحد، أنّ نار الفتنة التي أوقدها (الشرّير) على أرضنا، قد انقلبت، كما السحر على الساحر، فكان من ضحاياها أولئك الذين استخدمهم (الشرّير) ضدّ أبناء وطنهم، كما تشير إلى ذلك التقارير الدولية التي تؤكّد على التآكل الوجودي لأبناء الطائفة، لاسيما في سنّ الرجال المحاربين (قتل في غضون السنوات الأربع ثلث الرجال المحاربين (73) ألف مقاتل)، وعلى النقمة المتنامية في صفوف أبناء الطائفة ضدّ (الشرّير) ومجموعة المستفيدين من الحرب والسلطة معه، وعلى الخلفيات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية لهذه النقمة .

لقد كان لزاما علينا، تقديرا منا للمصلحة الوطنية العليا، في وطن أردناه دائما موحدا أرضاً وإنساناً، كما أردناه حرّا عزيزا كريما مستقرا، لجميع أبنائه بلا تميّز ولا تمييز ولا استئثار.. أن نوضح الحقائق التالية من غير مجاملة ولا مواربة:

إن كلّ ما يُكتب ويُرصَد من معاناة (الباغي والصائل) من موقع سلطته وقدرته، لا يشكّل عشر معشار معاناة المظلومين المستضعفين من أبناء الشعب السوري، الذين نزل بهم ما نزل بفعل رؤوس الشرّ والاستبداد والفساد وأدواتهم أيضا..

وإن مما أثار الألم والاستنكار، أن يرتضيَ بعض أبناء الوطن بأشخاصهم أو بمرجعياتهم، أن يكونوا أعواناً (للشرّير) وأدواتٍ للشرّ ضدّ أبناء وطنهم، متناسين عِشرة بالمعروف، جمعتهم مع أبناء مجتمعهم قرونا طوالا.

إنهم ليسوا سواء.. فلا يمكن أن ننسى المواطنين الصادقين، من كل المكونات الوطنية، من علويين ومسيحيين ودروز وإسماعيليين وكرد وتركمان.. الذين انحازوا إلى الصف الوطنيّ، وأعلنوا ولاءهم لوطنهم، ولمجتمعهم، ولقيَم الحق والعدل والحرية والمساواة، فنصروا الثورة وثوارها، كما أنه ليس من السهل على الضمير الوطني أن يتناسى الأدوار المريبة لكل الذين انحازوا إلى صفّ (الشرّير) فقتلوا واستباحوا تحت لوائه.

إن من أولى البدهيات أن يتساءل العقلاء: ماذا يعني أن يستمرّ صراع (الأسد أو نحرق البلد)، وصراع (إما قاتل وإما مقتول). وما هي مآلات هذه الحرب (الوجودية)؟. وإذا كانت (الطائفة) موضوع الدعوة، قد دفعت ثلث شبابها في أربع سنوات - كما يشير إلى ذلك أكثر من مصدر إحصائي دوليّ - فأيّ مستقبل ينتظره المنتظرون من استمرار هذه الحرب؟. ولمصلحة من يستمرّ هذا القتل والتدمير؟. وهل يمكن أن تقفَ أمام سنن الله الماضية في الخلق والأمر، وقوانين التاريخ التي تقلبت بالأمم والشعوب، رغبة (شرّير فاسد)، في الاستعلاء على الناس واستعبادهم، وتقتيل رجالهم، وسلبهم حرياتهم؟. وسرقة أموالهم، على طريقة فرعون (إنّ فرعونَ علا في الأرض وجعلَ أهلها شيعا، يستعبد طائفة منهم، يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم ،إنه كان من المفسدين).

إن المخاوف والهواجس والأخطار التي يعبّر عنها تساؤل: (إلى متى سيستمرّ العلويون في دفن رؤوسهم في الرمال، وهم يشاهدون أبناءهم في صناديق الموت.؟!) كما يعبّر عنها ذلك المواطن السوري بقوله: (نحن ننزفُ بصمت.. آن لهذا الموت بين شبابنا أن يتوقف.) إن هذه المخاوفَ والأخطار التي تتهدّد الوطن أرضاً وإنساناً.. أصبحتْ بفعل (الشرّير) وكيده ومكره، حقيقة واقعة، لا يستطيع أحد أن ينكرَها. فهل نستسلمُ - نحن السوريين جميعا - لهذه المخاوف والأخطار، فنسترسل مع (الشرّير) في معادلة (إما قاتل وإما مقتول)، وهي معادلة - على بؤسها للجميع - محسومة النتائج، بحسابات وأرقام لا تكذب، وبحسابات سنن الله، ثم قوانين التاريخ التي تؤكد أنّ (لكلّ أجل كتاب) وأن إرادة الشعوب هي الأقوى.. أم نبادرُ إلى قطع الطريق على الشرّ وأهله، ونعيدُ سورية حديقة ورد متعدّدة الألوان.؟

لقد قدّم الموقف الوطني السوري كما قدّمت جماعتنا (جماعة الإخوان المسلمين)، من المبادرات، ما نعتقد أنه كافٍ للقناعة بالانحياز إلى الموقف الوطنيّ الجامع، بلا تردّد ولا تخوّف ولا تشكّك.. وكلّ الذي نملكُه اليوم، أن ننادي على الذين حُشروا في مركب الشرّ، أن يقفزوا منه قبلَ فوات الأوان، فما زال في الوقت - على ضيقه – متسع. وعلى المنعزلين في زنازين البؤس التي سجنهم فيها (الشرّير) أن يخرجوا منها، فما تزالُ مفاتيحها بأيديهم..

إن الذي ننتظرُه ونتوقعه ونعلن استعدادَنا للتعاون الإيجابيّ معه، بكلّ الصدق والوفاء والإخلاص.. أن تتقدّمَ نخبة من رجال المجتمع المدنيّ ونسائه، على مستوى الطائفة، بمبادرة حيّة، تعلنُ من خلالها رفضَها (للشرّير)، ولمشروعه، وخياراته، وأدواته.. وانحيازَها للمشروع الوطنيّ السياسي والثوري، بكلّ أبعاده الوطنية.. وأن تبادرَ إلى إعلان العصيان المدنيّ، فلم يكن أبناءُ الطائفة قطّ خوَلا عند بيت الأسد، ولا خزانا بشريا لتحقيق مآربهم. وأول هذا العصيان، هو الامتناع عن الالتحاق في سلك القتلة وعن الانضمام إلى عصابات المجرمين..

وحين تكون الموازنة سافرة بين مشروع طائفيّ فئويّ بغيض، ومشروع وطنيّ جامع، يتعاون عليه الجميع، ويشاركون فيه.. تتساقط كلّ الذرائع ، وتتهاوى كلّ التعلّات..

(والله غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثرَ الناس لا يعلمون)

17 نيسان 2015 - ٢٨ جمادى الثاني ١٤٣٦

جماعة الإخوان المسلمين في سورية