الجريمة واحدة والدين لله

جميل السلحوت

[email protected]

لا يختلف عاقلان على إدانة وشجب واستنكار استهداف أي مواطن أو دار عبادة، بغض النظر عن جنس أو لون أو عرق ، أو ديانة الضحية، فالارهاب واحد والجريمة واحدة ودماء البشر وأرواحهم مقدسة، وما استهداف المسيحيين العرب في بعض الأقطار العربية، واستهداف دور عبادتهم إلا جريمة بشعة تلحق الأذى والضرر  بالعرب أنفسهم وبأوطانهم المجزأة والمفككة...وتحمل اساءة كبيرة للإسلام الذي هو دين الأكثرية، كون من يمارسون الأعمال الارهابية هذه يرفعون شعار الاسلام والاسلام منهم براء، مع التأكيد على أن المواطنين المسيحيين ليسوا أقلية، ولا يجب أن يعاملوا كأقلية، فهم مواطنون كاملو الحقوق...من هنا فإن كل مواطن عربي أو مسلم يجب أن يقف ضد هذه الأعمال الارهابية، وأن يقاومها قدر ما يستطيع، وأن لا يسكت عنها، لأن نارها ستحرق الجميع.

لكن اللافت أن بعض الكتاب الذين يزعمون أنهم"علمانيون" لا يتورعون في مهاجمة الإسلام كدين في أعقاب أيّ عملية ارهابية، وكأن الدين هو المسؤول عن هكذا جرائم، بل إن بعضهم وهو من أصول اسلامية متفرغ –باسم العقلانية والعلمانية- لمهاجمة الاسلام كدين بسبب وبدون سبب، وهناك صحف الكترونية مجندة لذلك باسم"الانفتاح الثقافي" وهي ممولة من دول عربية محافظة، ومعتدلة في سياساتها وتحارب التطرف، لكن "انفتاحها الثقافي" مغلق أمام من يدافع عن أمته ووطنه وحتى دينه، حتى وصل الأمر بإحدى المواقع العلمانية أن تنشر بحثا مطولا وعلى عدة حلقات بعنوان" المثلية في القرآن الكريم"، يزعم فيها كاتبه أن المثلية الجنسية موجودة في القرآن، ويفسر آيات قرآنية حسب أهوائه لخدمة مثليته الجنسية.

 واذا كان من حق أيّ انسان أن يختار دينه حسب قناعاته، أو أن لا يؤمن بأي ديانة حسب قناعاته أيضا،(لا إكراه في الدين) إلا أن ليس من حقه أن يسيء للآخرين من خلال الاساءة الى معتقداتهم.

 واللافت أن أي عمل ارهابي أو اجرامي يرتكبه شخص من أصول عربية أو اسلامية، فإن طواحين الاعلام الغربي تنبري لمهاجمة الاسلام كدين، ومهاجمة الشعوب العربية والاسلامية، ويتجند لها كتاب عرب ومن أصول اسلامية ليساهموا في هذه الحرب الاعلامية، في حين لو أن مرتكب العمل الارهابي من أتباع الديانتين السماويتين الأخريين، فإن الجريمة تنحصر في مرتكبها فقط، -وفي رأيي هذا هو الصحيح- فالمسيحية مثلا ليست مسؤولة عن الجرائم والمذابح التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية، والتي حصدت أرواح أكثر من ستين مليون انسان، كما أنها ليست مسؤولة عن قتل مليون مدني عراقي، وتيتيم أربعة ملايين طفل عراقي، و"رُملة" مليون امرأة عراقية، عدا عن ملايين الأمهات والآباء الثكلى، وعدا عن تدمير العراق ونهب ثرواته...وعدا عن الضحايا في افغانستان وفلسطين وغيرها، مع أن الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش صرح أكثر من مرة، أنه يتلقى الأوامر من الرب كل يوم، ولم يتورع عن استعمال عبارة"الحروب الصليبية" فالمسيحية براء منه ومن أفعاله، واسرائيل التي ترفع شعار يهودية الدولة، تستبيح الأراضي المحتلة، وتمعن فيها قتلا وقمعا وحصارا وتجويعا، وارتكبت مجازر جماعية مثل: دير ياسين، كفر قاسم، الدوايمة، الطنطورة، بحر البقر، قانا، وغيرها، فإن أحدا لم يهاجم اليهودية كدين، مع أنهم يتمترسون خلف "التوراة" في استمرارية احتلالهم للأراضي العربية، وفي سن القوانين العنصرية التي تصدر عن حاخامات مرموقين.

واذا كنا نؤمن بأن الرب واحد، وأن الدين لله، والوطن لأبناء شعبه، وأن للديانات جميعها حرماتها، فاننا نرى أن مهاجمة الاسلام كدين ليست بريئة، وقد يكون وراءها دول لتنفيذ سياسات  تستهدف المنطقة برمتها، وأن مرتكبي الأعمال الارهابية والاجرامية مدانون ويجب عقابهم حتى ولو كانوا يعتمرون العمائم. وأن إدانة الارهاب الذي يمارسه أفراد أو جماعات، لا تقل أضراره وعواقبه عن الارهاب الذي تمارسه دول وحكومات، بل قد يكون وليدا لها.