لماذا لم يحدث الانقسام في عهد عرفات

حسام خضرة

مع مرور الذكرى السادسة لاستشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وفي ظل الطروحات الموضوعة على طاولة الحل لإنهاء حالة الانقسام السياسي التي بدأت بعد سيطرة حركة حماس على مؤسسات السلطة الفلسطينية بالقوة في يونيو 2007، تمر الحالة الفلسطينية بأسوأ ظروفها منذ بدأ العمل السياسي والعسكري بهدف إنهاء الاحتلال.

وفي ظل التجاذبات الخلافية بين كافة الأطر التنظيمية، ومع دخول حركة حماس معترك العمل السياسي بفوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006، برزت آراء مختلفة لم تكن حماس توافق عليها خلال تصدرها لسدة المعارضة الفلسطينية، كالموافقة على دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967.

بالعودة الى الخلف قليلاً قبل رحيل الرئيس عرفات نجد أن حالة الانقسام الفلسطيني ظاهرة قديمة حديثة، إلا أن الحداثة التي طرأت عليها جعلتها تؤثر وبقوة على جل القضايا الفلسطينية المصيرية من خلال الفشل الذريع الذي مني به الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتحقيق شئ من المفاوضات التي خاضها خلال الشهور الماضية مع إسرائيل، بسبب تعنت الحكومات الإسرائيلية برفضها منح المفاوض الفلسطيني أدنى حقوقه التي نصت عليها الاتفاقات والمواثيق الدولية.

على الرغم من قدم ظاهرة الانقسام السياسي التي عانت منها الحالة الفلسطينية بسبب رفض الأخر من خلال وجود برامج سياسية متعددة لم يحدث أي اتفاق بينها في يوم من الأيام، إلا أن هذه الحالة لم تدع مجالاً للخروقات الأمنية بالتعدي على ممتلكات السلطة الفلسطينية في عهد الرئيس عرفات لعدة أسباب.

الأول منها شمولية الفكر السياسي والعسكري للرئيس عرفات من خلال اعتماده على الوسائل التكتيكية للم شمل الفصائل الفلسطينية تحت راية العمل العسكري الخفي ضمن رموز معينة كان يطلقها عرفات للحركات الفلسطينية لتشكل ورقة ضغط شاملة على إسرائيل تدفعها الى اللجوء للرئيس عرفات الذي كان بدوره يحتوي الأزمة ضمن اتفاق مسبق مع الفصائل الفلسطينية، وكان الهدف الأساسي من ذلك هو نيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بإنهاء الاحتلال وحل القضية الفلسطينية على أسس المواثيق الدولية.

وما يدلل على ذلك بروز بعض الحلقات المفقودة والتي كانت توحي بدعم الرئيس عرفات للعمل العسكري بشكل خفي من خلال تصريحات بعض قيادات الحركات المقاومة، بذكرها أن عرفات أوعز إليها بتنفيذ عدة عمليات عسكرية في قلب إسرائيل بعد أن كان يشعر بفشل تفاوضه مع الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت.

وثاني هذه الأسباب الكاريزما القيادية التي كان يحظى بها الرئيس عرفات، ما خلق له جمهوراً فلسطينياً على وعي كامل بالثورة الفلسطينية وأساليب النضال التي كان يتبعها خلال مرحلة الثورة في الخارج ومع قدوم السلطة الفلسطينية وتوقيع اتفاقية أوسلو وبروز شخصيته كرجل السلام والحرب من خلال مقولته الشهيرة في الأمم المتحدة، "لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".

أما ما يميز تلك المرحلة هو وجود كافة القيادات المعتدلة في حركة حماس على رأس الهرم السياسي متمثلة بالزعيم الروحي لحركة حماس أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والمهندس إسماعيل أبو شنب والدكتور إبراهيم المقادمة، وغيرهم ممن كانوا على وعي كامل بأن الرئيس عرفات لم يتنازل عن أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني خلال مراحل تفاوضه مع إسرائيل.

وما يدلل على ذلك موقف حركة حماس رفضها دخول الانتخابات والانخراط في العمل السياسي الفلسطيني في تلك المرحلة بذريعة أنها أحد إفرازات اتفاقية أوسلو التي وقعتها إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن عام 1993، والتي كانت أحد إفرازات مؤتمر مدريد عام 1991 الذي عقد على أساس مبدأ "الأرض مقابل السلام".

أما بعد عمليات التغييب التي طالت قيادات الهرم السياسي داخل الحركة الإسلامية من خلال التصفيات التي قامت بها إسرائيل، برز داخل حركة حماس تيار مؤيد للانتقال من مرحلة المعارضة الى مرحلة العمل السياسي بدخول الانتخابات التشريعية ضمن برنامج سياسي يدعم المقاومة وينبذ المفاوضات، وفازت الحركة في الانتخابات التي تمت عام 2006، الأمر الذي لم يحظى بترحيب دولي، ووضعت العراقيل في وجهها، ما دفعها لإلقاء التهم على السلطة الفلسطينية بمحاربتها، وقيامها بعد ذلك بالاستيلاء على جميع المقار والمؤسسات التابعة للسلطة في صيف 2007 بالقوة العسكرية.

ومن خلال التقارب الحاصل بالمواقف بين الفصيلين المتناحرين "فتح وحماس"، بعد دخول حركة حماس المعترك السياسي، واستبدال فكرة تحرير فلسطين من البحر الى النهر، بالاكتفاء بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود 67 تتضح الرؤية جلية بإمكانية التوصل الى حل جذري لمسألة الانقسام الفلسطيني الحاصل بين الأطر السياسية في قمة الهرم، من خلال توحد الهدف الأساسي بالنسبة للحدود التي تحكم أراضي الدولة الفلسطينية.

ومن الممكن أن تتبدد الفكرة القائمة على تحقيق الوحدة الفلسطينية، من خلال تغير الأجندات الخاصة بالفصائل الفلسطينية  بسبب الضغوطات التي تواجهها من الدول المانحة، سواء تلك الداعمة للسلطة الفلسطينية، أو لحركة حماس، والتي تنظر بالدرجة الأولى الى مصالحها الإقليمية والدولية بغض النظر عن الحالة التي تعيشها القضية الفلسطينية.

ومن المعتقد بديهياً أن المصالحة الفلسطينية بين أطراف قمة الهرم السياسي لا تعني شيئاً في ظل الحالة التي يعيشها النسيج الاجتماعي المدمر فعلياً بسبب الحالات السيئة التي خلفها الاقتتال الداخلي، إضافة الى حالة الفقر الشديد الذي وصلت إليه غالبية طبقات المجتمع خاصة في قطاع غزة، الأمر الذي يهدد بمزيد من تفسخ هذا النسيج.

ما يضع الحالة الفلسطينية في أزمة حقيقية متمثلة بالصعوبة التي ستواجهها كلتا الحركتين خلال مرحلة الوفاق الفلسطيني الداخلي، الذي من الممكن أن يتم على أسس واضحة بتنازل العائلات التي أضرتها حالة الاقتتال الداخلي عن حقوقهم في سبيل تغليب المصلحة الفلسطينية العامة على الشأن الخاص.