كن منصفاً يا أستاذ عبد الباري

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

من جديد أجد نفسي في مواجهة أخي وصديقي الأستاذ عبد الباري عطوان الذي أتفق معه في الكثير من طروحاته وآرائه وتحليلاته، وأغبطه على الجرأة المتناهية في قلمه الذي لا يقل فعلاً عن الحسام في سوح الوغى.

ومن جديد أقول للأخ عبد الباري على رسلك فما هكذا تورد الإبل، فبالأمس قدمت نصيحة للسيد الرئيس بشار الأسد ابتعدت فيها عن الواقع الذي كان عليك تحذيره منه وجانبت فيها الصواب، واليوم تسل قلمك في مواجهة سعد الحريري المكلوم الفؤاد بأبيه الرئيس رفيق الحريري الذي اغتالته اليد المجرمة التي لا تريد أن يكون هناك في لبنان (بلد النسيج الطائفي شئنا أو أبينا) رجلاً سنياً يعيد أمجاد الرئيس رياض الصلح في مواجهة الذئاب الذين كشروا عن أنيابهم يريدون الطائفة السنية وهي التي تشكل ثلث لبنان عددا، ويسعون لذبحها من الوريد إلى الوريد من يوم دخول الرئيس الراحل حافظ الأسد لبنان عام 1976 بحجة وقف النزيف الدموي وإنهاء الحرب الأهلية فيه، ونجح الأسد في استئصال منظمة التحرير وطرد عرفات وفتح من لبنان التي كانت القلعة المتقدمة للثورة الفلسطينية في مواجهة إسرائيل، كما نجح الأسد في استئصال حركة المرابطين (السنية) التي كانت الفصيل المقاوم إلى جانب عرفات، واستئصال (حركة التوحيد الإسلامي) الوطنية السنية التي قادها الشيخ سعيد شعبان في شمال لبنان، ونجح في تنصيب زعماء هلاميين مرتزقة ليقودوا الطائفة السنية في لبنان إلى جانب ذئاب غادرة من طوائف أخرى لتمثل الطائفة التي تمثل ثلث لبنان وكان أبناؤها من الرعيل المجاهد الأول الذين انتزعوا الاستقلال إلى جانب إخوانهم من المسيحيين في تنسيق متكامل مع الكتلة الوطنية في سورية، حيث وجد السنة والمسيحيون - الذين يشكلون ثلثي لبنان الطائفي - أنفسهم رهينة بيد عصبة من لون واحد يريدون الاستئثار بلبنان وأهله وجعله ساحة لحروب الآخرين لا ناقة للبنان وأهله فيها.

يقول السيد عبد الباري عطوان في مقال له تحت عنوان (الحريري والمسدس المصوب على رأسه) نشر في جريدة القدس العربي يوم 15 تشرين الثاني الحالي: (نتفق مع السيد سعد الحريري رئيس وزراء لبنان، وزعيم تيار المستقبل، في موقفه الذي عبر عنه في مقابلته مع محطة 'روسيا اليوم' التلفزيونية العربية قبل يومين، وأكد فيه انه لن يرضخ للتهديد، لتنفيذ ما يريده الآخرون منه، في إشارة واضحة إلى 'حزب الله' والسيد حسن نصر الله على وجه الخصوص، ولكن ما نختلف معه فيه أيضا هو رضوخه الحالي للضغوط الأمريكية، وربما العربية التي تطالبه بالمضي قدما في تبني مشروع المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال والده، وقرارها الظني المتوقع، رغم معرفته المسبقة بان هذا الرضوخ قد يؤدي ليس إلى تفجير لبنان فقط، وإنما المنطقة العربية بأسرها)، ويؤكد عطوان أن المحكمة الدولية التي قامت بتوافق طائفي لبناني لم يتخلف عنه أحد بأنها محكمة مسيسة فيقول: (المحكمة الدولية مسيسة فعلاً ولا جدال في ذلك، ويجري توظيفها حاليا من قبل الإدارة الأمريكية لخدمة أجندات تريد خلق الذرائع والحجج لإيقاع حزب الله، ومن خلفه سورية، في مصيدة تحدي قرارات ما يسمى بالشرعية الدولية، من خلال تثبيت تهمة عدم التعاون مع محققي المحكمة، تمهيداً لشيطنتهما، وتبرير العدوان عليهما).

ويحذر عطوان الحريري من فتنة يُجر إليها قائلاً: (السيد الحريري يتعرض حاليا لعملية 'ابتزاز' أمريكية واضحة للعيان، عنوانها تحريضه على الثأر لمقتل والده، بتأييد المحكمة وإجراءاتها، وتحقيقاتها، وتبني أي قرار ظني يمكن أن تتمخض عنه، يدين 'حزب الله' أو بعض عناصره، يكون مقدمة لبدء عجلة الفتنة الطائفية في الدوران، وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى حرب أهلية أخرى تحرق الأخضر واليابس في لبنان). 

كنا نتمنى على السيد عبد الباري عطوان أن يكون منصفاً ويقف على مسافة واحدة من طوائف لبنان موالاته ومعارضته، فسعد الحريري يمثل في الحد الأدنى نصف لبنان، وليس في هذا مبالغة فكلنا يذكر الثورة البيضاء المليونية التي ضمت المسلمين والمسيحيين الذين يشكلون ثلثي لبنان التي خرجت تأييداً لتيار المستقبل عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري مطالبة بالثأر لدمه، وكلنا يذكر اتزان هذا الشاب (سعد الحريري) في كل مواقفه التي كان يرفض الثأر ويطالب بالعدالة والحقيقة، وحتى عندما اجتاحت ميليشيات حسن نصر الله بيروت في السابع من أيار الأسود وقتلت وأحرقت ودمرت وأرهبت وأرعبت، كان لهذا الشاب موقف يذكر له، ولم ينجر إلى أي لون من ألوان الفتنة وبقي يطالب بالعدالة والحقيقة وليس بالثأر وإذكاء الفتنة كما هو حاصل اليوم وكما يريدها طيف واحد من لبنان الطائفي.

كنا نتمنى على السيد عبد الباري عطوان أن يحترم قضاة المحكمة الدولية المشهود لهم عالمياً بالنزاهة والحيادية وقد انتدبوا من أكثر من ثلاثين دولة وبينهم قضاة مسلمون وعرب.. كنا نتمنى على السيد عبد الباري عطوان أن ينصح السيد نصر الله بأن ينتظر القرار الظني وأن يكون مع العدالة والحق حتى إن كان هناك متهمون من عناصر حزبه، فهم ليسوا منزهون ولا صحابة يدبون على الأرض كما يصورهم فهم بشر، وقد يكون أحدهم قد انزلق أو انجر لارتكاب هذه الجريمة أو المساهمة في حبك مسلسلها دون علم السيد وقيادات حزبه، وهذا لا يعيب حسن نصر الله أو يجرح في وطنيته أو وطنية حزبه، وهو رجل دين ويعلم قبل غيره أن هناك كثير من أهل الأنبياء والرسل والصحابة من انزلقوا في مهاوي الغدر والخيانة والعصيان.. كنا نتمنى على السيد عبد الباري عطوان أن لا يذهب بعيداً في وقوفه إلى جانب القوي الباغي دون العاقل المتوازن الصابر الذي يطلب العدالة وإظهار الحقيقة.. كنا نتمنى على السيد عبد الباري عطوان أن لا يعلق كل شيء على شماعة المقاومة والحزب المقاوم والفصيل المجاهد، فقد انتهى هذا الدور الذي لعبته بعد خروج الصهاينة من لبنان وجنوبه، وهي تهيئ نفسها للدور الأصيل لاستكمال حلقات الهلال الشيعي الذي تريد قم أن تمتد سلسلته من طهران حتى الضاحية الجنوبية مروراً ببغداد ودمشق وبيروت، وقد شهدنا هذه الحقائق ترسم على الأرض عند زيارة نجاد لجنوب لبنان، حيث لم نشاهد علماً لبنانيا يرفع، أو صورة لرئيس لبنان تنصب، اللهم إلا من الرايات والأعلام الطائفية وصور خميني وخامنئي ونجاد وحسن نصر الله، والهتاف يعلو ليس بلغة الضاد العربية ولكن بالفارسية، ولعلك يا أخي يا عبد الباري عطوان قد تابعت تلك المشاهد الجارحة للكرامة العربية التي باتت مستباحة – كما أتفق معك – في غياب الفعل العربي، ولكن هذا لا يعني أننا كمثقفين وإعلاميين عرب أن نغمض أعيننا عن الحقائق والثوابت ونطفئ شموع عقولنا ونفعل كما يفعل عوام الأمة ورعاعها، وباعتقادي أن مواقف سعد الحريري متوازنة وعقلانية، وأن مطلبه بإحقاق الحق وكشف اللثام عن القتلة المجرمين (التي اتفقت معه عليها في مقالك) لا يعني زرع الفتنة في لبنان، بل الذي يجر إلى الفتنة في هذا البلد هم من يستبقون الأحداث (لغاية في نفس يعقوب) ويزمجرون ويتوعدون بقطع اليد التي تطال أي عنصر من عناصرها القديسين (بزعمهم)!!

أخيراً استميحك أخي عبد الباري العذر إن كنت قد قسوت عليك في ردي هذا على مقالك، وأن ما دفعني إلى ما قلت هو حبي لك واحترامي لعقلك وتقديري لرأيك، وأرجو أن لا يفسد اختلاف الرأي بيننا قضية، وقديماً قيل (صديقك من صَدقكْ وليس من صدّقَك).