ما تفسير كل هذه الهجمة الشرسة لحسن نصر الله
ما تفسير كل هذه الهجمة الشرسة
لحسن نصر الله؟!
محمد فاروق الإمامم
قبل سنوات تنبه العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين إلى خطر قيام هلال شيعي
وحذر منه، ولكن العرب الذين – كعادتهم، وأقصد هنا الحكام – كانوا ساهدون في غفلتهم
ولم يأخذوا هذا التحذير مأخذ الجد، حتى إذا ما أصبح حقيقة وطالت أنيابه، راح هؤلاء
يلهثون وراء الغرب وأمريكا يستجدون العون منها لوقف خطر المد الشيعي قبل التمكن من
رسم الهلال الشيعي الذي سيظلل العراق وسورية ولبنان.. وقد التهم العراق وجرف سورية
وأقام قاعدة متقدمة في لبنان يصعب دك حصونها بدون جر المنطقة إلى أتون حرب أهلية أو
تدخل أجنبي ليس أقل سوءاً مما حدث في العراق.
في العراق أخفق العرب ومعهم الغرب وأمريكا في وقف الأخطبوط الإيراني الذي أمسك عن
طريق وكلائه بتلابيب الحكم وعنق السلطة في العراق، بصمت أمريكي مكافأة لطهران
لدعمها القوات الأمريكية والبريطانية الغازية التي احتلت العراق عام 2003، وفرض
إيران وكيلها المميز (نوري المالكي) ليكون رئيساً للحكومة القادمة رغم ما ارتكب من
جرائم قتل طائفية طالت أكثر من (150) ألف عراقي سني،
استنداً إلى الوثائق السرية عن
حرب
العراق التي حصل عليها
موقع (ويكيليكس)
الذي كشف أيضاً تورط المالكي وحاشيته بعمليات سلب ونهب للأموال العراقية بأرقام
مرعبة تحدثت عن مليارات الدولارات.
وفي سورية – بالرغم من ادعاء النظام في دمشق بتمسكه بالخط القومي والممانعة والصمود
والتصدي – فإن المد الشيعي يكاد يبسط نفوذه على كل مفاصل الحياة في سورية من خلال
ما أقام الإيرانيون من حوزات (جامعات) تدرس المذهب الشيعي في المدن السورية الكبرى،
ونشر مئات الحسينيات في مختلف المناطق السورية التي تبشر بالمذهب الشيعي، وإقامة
عشرات الأضرحة لبعض بنات الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة وجعلها محجاً
للشيعة دون بيت الله الحرام، وفتح العشرات من المراكز الثقافية وتزويدها بما كتبه
ويكتبه علماء الشيعة وما يفترونه على الإسلام وبيت النبوة والصحابة وزوجات الرسول
صلى الله عليه وسلم من افتراءات وأباطيل وخرافات، لتضليل الناس وخاصة العوام منهم
وأنصاف المتعلمين وضعاف النفوس، والكرم المادي الشيعي الذي يستغل الفقر والحاجة
والبطالة التي يعيشها نحو نصف الشعب السوري، ومن المعلوم أن نسبة الشيعة في سورية
قبل الغزو الإيراني الشيعي الأخير منذ العام 1979 لا يزيد عن 1%، في مقابل الهجمة
الشرسة للنظام السوري في تجفيف منابع الشريعة الإسلامية، من خلال التضييق على
المدارس الشرعية ودور تحفيظ القرآن، ومنع المنقبات من التوظف في دوائر الدولة أو
الدخول إلى الجامعات والمعاهد السورية، إضافة إلى نقل المدرسات المحجبات والمعلمين
المتدينين من سلك التعليم إلى دوائر الدولة الأخرى، وإقالة عدد من مدرسي الشريعة في
الجامعات السورية بتهمة التدين، ومنع نشر وطباعة الشعارات الإسلامية والآيات
القرآنية والأحاديث النبوية، أو تعليقها في واجهة المحلات التجارية أو المؤسسات
الخاصة أو وسائط النقل الخاصة والعامة، وملاحقة الشباب المتدين، ومنع فتح المساجد
لأداء الصلوات إلا في الأوقات الرسمية، ومنع الاعتكاف بها.
أما لبنان وقد تمكنت منه الطائفة الشيعية بقوة السلاح الإيراني ودعم النظام السوري،
حتى دفعت هذه القوة المتنفذ فيها حسن نصر الله الذي يعلن جهاراً نهاراً وفي كل
المناسبات أنه على مذهب إمامة الفقيه وأنه يدين بالولاء للخميني ومن بعده للخامنئي
ويعلق صورهم في مؤسساته ودوائره ومدارسه ومستوصفاته وشوارع وأحياء أماكن تواجد
ميليشياته وأنصاره، ويهدد ويتوعد في خطاباته التي يلقيها من سراديب زجاجية مغلقة
غير معروفة المكان، بقطع يد كل من يريد توجيه أي اتهام لأحد عناصر ميليشياته
بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والعشرات من القادة الوطنيين
اللبنانيين الذين ينتسبون إلى الطائفة السنية والطائفة الدرزية والمسيحيين، متحدياً
الإرادة الوطنية اللبنانية التي فجعت بأعز أبنائها، والتي اتفقت على تشكيل المحكمة
الدولية وأقرتها بالإجماع، والتي أمر بتشكيلها مجلس الأمن الدولي تحت بند الفصل
السابع، لعجز القضاء اللبناني عن تحقيق العدالة، لكشف من نفذ أو كان وراء تنفيذ
عملية الاغتيال لإحالته إلى العدالة والاقتصاص منه.
إن ما يثير حسن نصر الله ويجعله يرغد ويزبد ويهدد ويتوعد ما تردد من أن المحكمة
الدولية ستصدر قراراً ظنياً باتهام عدد من بعض قيادات ميليشياته بتورطهم في عملية
الاغتيال، ولحساسية ذلك القرار الظني الذي سيكشف المستور ويفضح من كان وراء عملية
الاغتيال جعل حسن نصر الله يفقد صوابه واتزانه ويجعله في موقف لا يحسد عليه، دفعه
إلى تهديد اللبنانيين كل اللبنانيين من عاقبة نشر مثل هذا التقرير الظني، ودفعه
للقول إن هذا القرار يعني إشعال الفتنة في لبنان وإدخاله في أتون نفق دموي سيأتي
على لبنان كله، من باب الترهيب والتخويف، وقد فعل شبيهاً بذلك في السابع من أيار
الأسود عندما اجتاحت ميليشياته بيروت وأحرقت ودمرت وقتلت.
كان الأجدر بحسن نصر الله أن يتريث حتى يصدر القرار الظني عن المحكمة الدولية، وأن
يعلن من سراديبه المجهولة المكان أنه سيقف ضد كل من تلوثت يداه بدم الحريري والقادة
اللبنانيين الآخرين، حتى وإن كان من بين المتورطين عناصر من حزبه، وهذا لا يعيب نصر
الله ولا يحط من قدر حزبه ومكانته في لبنان، فاختراق الأحزاب والمنظمات والحركات
السياسية والعسكرية أمر مألوف في كل العالم، وبعكس ذلك فإن القلوب في الشارع
اللبناني والشارع العربي ستشد إليه وتقدره وتحييه على موقفه الشجاع هذا إن حصل.