المدونة طل الملوحي

محمد فاروق الإمام

المدونة طل الملوحي

محمد فاروق الإمام

[email protected]

منذ أن غدت قضية المدونة السورية طل الملوحي حدثاً فريداً تتناقله وسائل الإعلام وتثير قضيتها منظمات حقوق الإنسان وأنا أبحث عما اقترفته هذه الطفلة من جريمة كي تؤخذ من بيتها بهذه الطريقة الفظة وغير الإنسانية وهي لم تتجاوز التاسعة عشر ربيعاً من عمرها، وتحتجز بمعزل عن العالم الخارجي دون توجيه اتهامات – حتى ولو كانت ملفقة – لأكثر من تسعة أشهر في أمن الدولة (فرع 279) أحد أجهزة سورية الأمنية المتعددة، لتأتي بعد يومين عناصر من نفس الجهاز إلى منزل الملوحي وتصادر حاسبها الآلي، وبعض الأقراص المدمجة (سي دي) وكتب وأغراض شخصية أخرى. ومنذ الاعتقال لم تسمح الأجهزة الأمنية لأسرتها بالاتصال بها كما لم تبد أية أسباب للقبض عليها، وقد أشيع مؤخراً أن هذه الطفلة وهي في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية قد قضت على يد أجهزة الأمن التي تحتجزها بسبب التعذيب، فيما نفت أمها هذه الإشاعة، وقالت إن ابنتها حية وأنها في سجن دوما وأنها وُعدت من قبل إدارة السجن بزيارتها.. وحتى الآن لم تقم الأم بزيارة ابنتها أو مكالمتها والاطمئنان عنها حتى عبر الهاتف!!

الحالة غير الإنسانية هذه دفعت أهم منظمات حقوق الإنسان العالمية (هيومن رايتس ووتش) تطلب من الحكومة السورية رسمياً أن تفرج فوراً عن طل الملوحي.. فقد قالت (سارة ليا ويتسن)، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في (هيومن رايتس ووتش): (احتجاز طالبة ثانوي مدة تسعة أشهر دون توجيه اتهامات إليها هو نموذج على سلوك الأجهزة الأمنية السورية القاسي والمتعسف). وتابعت: (الحكومة التي تعتقد أنها قادرة على الإفلات بسحق حقوق مواطنيها هي حكومة فاقدة لكل صلة تربطها بشعبها).

فيما دعت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، إلى (إخلاء سبيل مدونة وطالبة عمرها 19 عاماً، قالت إنها محتجزة في سورية بلا تهم وبمعزل عن العالم الخارجي منذ نهاية العام الماضي).
وقالت المنظمة إن طل الملوحي (اعتقلها جهاز أمن الدولة في العاصمة دمشق يوم 27 كانون الأول الماضي إثر استدعائها للتحقيق) وأضافت أن المدافعين عن حقوق الإنسان ودعاة الإصلاح (يواجهون مضايقات مستمرة واعتقالات واحتجازات اعتباطية، رغم أن عائلة طل الملوحي تصر على أن ابنتها ليس لديها أي انتماءات سياسية).
وقالت مديرة منظمة العفو الدولية فرع المملكة المتحدة (كيت ألن): (هذه حالة مقلقة للغاية ويجب ألا يُحتجز أي شخص لمجرد أنه ناقش حرية التعبير، وإذا كان هذا هو السبب في وضع طل الملوحي وراء القضبان فإن ذلك يمثل وصمة عار)، وطالبت السلطات السورية بـ(إخلاء سبيلها أو اتهامها بارتكاب جريمة جنائية معترف بها).

كل معارف المدونة طل الملوحي وأسرتها أكدوا على أن طل لا تنتمي لأي فصيل أو تجمع سياسي، وان كل هوايتها نشر قصائد وأشعار وتعليقات وطنية واجتماعية تركز بالأساس على القضية الفلسطينية ولا تتعرض لقضايا سياسية سورية. صفحتها الأساسية على المدونة تُظهر صورة لغاندي وفوقها كتبت (ستبقى مثلاً).

لقد حاولت كثيراً – كما قلت – العثور على ما كانت تكتبه هذه الطفلة وتنشره في مدونتها علي أجد فيه مبرراً لاعتقال أجهزة أمن الدولة لها ومصادرة حاسوبها وبعض حوائجها الشخصية دون جدوى، إلى أن وصلتني بعض قصائدها التي كانت تنشرها في موقعها عن طريق أحد المحبين تنتقد فيها بعض القيود التي تفرضها أجهزة الأمن السورية على حرية التعبير ومنها قولها: 

لن نرتضي ذلاً جديدا

لن نرتضي عاراً جديدا

لن تداس القدس

لا... ولا تنازل عن فلسطين السليبة

لن يداس المسجد الأقصى

ولا ثرى أرضي الحبيبة

وفي قصيدة أخرى تقول:

أيا دمشق ... يا دمشق

يا معاقل الأبطال

يا جبهة العرب المجيدة

من ثراك دماؤنا

كالسيل نقتحم الجحيم

حمى الجولان مغتصب

ودماؤنا حمم رهيبة

من المحيط إلى الخليج

وفي قصيدة عن القدس تقول:

القدس عشق

وأرواحنا للنصر, ندفعها ضريبة

شرف العقيدة ...وقفة

يا قدس, يا شام

يا سنبلة الحياة

يا شذا الطين, وأزهار البرتقال

يا صوت مطر الخير, يا طعم الخريف

يا مسار النسيم الهادي

يا أنا..

وأنت, يا دمي العربي

يا نجمة بيني وبينك

تضيء القدس من لحمي ودمي

من محيطي إلى خليجي

من قبل أن يسلمنا الأهل

إلى الغزاة..

وتنتقد في قصيدة حال العرب فتقول:

إلى ملوك تربعوا على نعشي

والمعزّون سبايا

من ذلك الزمن الهشّ

يا قدس..

هل ضاعت هويتنا

هل ما يدلّ على هويتنا... سوى دمنا..؟

دمنا الذي يتسلق البخار

دمنا الذي سفكه

ألف، ألف جلاد

دمنا الذي كتب على جلودنا الآيات

"سبحان الذي أسرى بعبده...."

والمعزون سبايا

والكل ينشد في الخفاء

"من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى"

من المحيط إلى الجحيم

نصبوا المشانق من جديد

لكل فجر,,, آت من بعيد

ولكل مشنقة مليون واحد من العبيد

فالفجر لن يشقنا

والسيف في غمد قديم

وعنق النخل ملوي

وعمر.... في سفر بعيد..!

مرّ المحارب من هنا

يحمل في قلبه الوصايا

يحمل عشقا على أغصان من جديد

يمشي نحو أغنية بعيدة..

يمشي ويمشي إلى الحرية

فتحاصره كل زجاجات الخمر المستوردة

ألهذه الكلمات البريئة التي أطلقتها طل الملوحي لتعبر عن مكنون قلبها وحزنها على القدس وقضية فلسطين وحال العرب البئيس تُعتقل وتجرجر إلى أقبية مراكز الأمن والتحقيق معها، ونحن بلد الصمود والتصدي والممانعة والتحدي؟؟ سؤال نتقدم به إلى أهل الحكم في دمشق فهل سنجد الجواب سريعاً بإطلاق سراح هذه الطفلة وإعادتها إلى حضن أسرتها بعد كل الذي عانتها لفراقها لأكثر من تسعة أشهر، أم أن حال هذه الطفلة لن يكون أحسن من حال جيش من دعاة حقوق الإنسان والمدافعين عن الحقوق المدنية المهدورة، الذين يقبعون خلف القضبان في السجون والمعتقلات وأقبية المراكز الأمنية، وعلى رأسهم شيخ الحقوقيين القاضي الثمانيني (هيثم المالح)!!