بمناسبة عشر سنوات على انتفاضة الأقصى المباركة

د. جبر خضير البيتاوي

بمناسبة عشر سنوات على انتفاضة الأقصى المباركة

فلسطين إلى أين؟

د. جبر خضير البيتاوي

[email protected]

[email protected]

أ. مساعد في قسم اللغة العربية/ كلية الآداب

جامعة النجاح الوطنية

لقد احدثت انتفاضة الاقصى المباركة تغييرا جذريا في مسيرة القضية الفلسطينية , عبر هذه الانتفاضة الجماهيرية التي عمت الاراضي الفلسطينية ضد المحتل الاسرائيلي , والتي انطلقت من المسجد الاقصى المبارك, يوم الجمعة, 29|9|2000 , وتبعتها عمليات مقاومة مسلحة ,وعمليات جهادية أدت الى مقتل اكثر من ألف اسرائيلي واكثر من عشرة الاّّف جريح .

 صحيح أن الشعب الفلسطيني قدم اكثرمن سبعة الاف شهيد واكثر من عشرين الف جريح .ولكن الشعب الفلسطيني اظهر للعالم ,ولا زال انه شعب عظيم لا يفرط بأرضه ولا يتنازل عن حقوقه ,وانه يدرك الامأنة التي وكل بها من رب العالمين . فنحن  أهل الرباط والمدافعون عن ارض الانبياء والمرسلين , ارض بيت المقدس , وارض الاسراء والمعراج .

 فقد استطاعت هذه الانتفاضة ان تجبر الاحتلال الاسرائيلي الانسحاب من قطاع غزة , وخمس مستوطنات من شمال الضفة الغربية بفعل هذه المقاومة.  فتغيرت خريطة الارض الفلسطينية ,  فغدت قضية فلسطين تربك الاعداء والاقارب , بل والعالم بأسره الذي ادرك ان شعب فلسطين هو,الذي افشل عملية السلام المزعوم , وعلمّ الأمم والشعوب المقاومة والصبر . فها هي فلسطين تهوج وتموج .

        فالقضية الفلسطينية تعيش هذه الأيام أشدّ أوقاتها وأصعبها، فمن جهة تدير فتح وكوادرها سواءٌ من انضوى منهم في الأجهزة العسكرية أم بقي خارجها، نصف أراضي الضفة الغربيّة، باستثناء القدس والمستوطنات، أي أنها تحكم معظم المدن والقرى والبلدات الفلسطينية فيها، وفي المقابل تسيطر حماس وأجهزتها العسكرية ومعها الفصائل الجهادّية والمقاومة على قطاع غزّة.

إنّ من يتحكّم في أرض فلسطين حالياً ثلاث إدارات هي: الإدارة الإسرائيلية على أراضي فلسطين المحتلة عام 1948م والمستوطنات والقدس والأغوار، والمياه والطرق الرئيسية بين المدن والقرى والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية.

وطرف ثانٍ سلطة فتح بقيادة محمود عباس، وسلام فياض رئيس وزراء السلطة الفلسطينية في أراضٍ من الضفة الغربية.وحماس وأجهزتها، وفصال المقاومة والجهاد تسيطر على داخل أراضي قطاع غزة.والشعب الفلسطيني والعالم كله يشاهد كل ذلك باستغراب واستهجان ودهشة، كيف تتحرك الأمور وتجري في داخل فلسطين، في ظل هذه الأوضاع الغريبة والشّاذة.

أمّا أنا فأرى أن الدّولة الإسرائيليّة بدت تضعف وتنكمش فشعار إسرائيل "دولتك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات" بدأ بالانحسار والتخلي عنه بل الانسحاب من القطاع، ومن أراضٍ في الضفة الغربية، ومن مستوطنات شمالها،كما اسلفنا , كل ذلك يحدث بفضل مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، التي امتد ستين عاماً مضت، ولا سيما فعل انتفاضة الأقصى المباركة.  بل نرى دولا مثل بريطانيا التي اوجدت الدولة اليهودية , تقوم منظمات العمل فيها بمقاطعة البضائع الاسرائيلية ,وجامعاتها ومعاهدها العلمية. بل نجد الحديث في الدولة اليهودية الاّّن حول مصير هذه الدولة ذاتها

لقد وجدت السلطة الفلسطينية بفعل جهاد الشعب الفلسطيني ومقاومته أولا، وباتفاق إسرائيلي وغربي أمريكي، لمحاولة إرضاء الشعب الفلسطيني وتوقفه عن المطالبة بحقوقه المشروعة في أرضه.

والآن فالدولة الإسرائيلية في حيرة من أمرها هل تبقي أوضاع السلطة الفلسطينية هذه كما هي , في ظل وجود حوالي أربعين ألف عنصر مسلح من أجهزة السلطة، والذين هم بمعظمهم من عناصر فتح الثورة، الذين تربّوا على رفض الاحتلال، وكانوا في طليعة المقاومة الفلسطينيّة في الدّاخل والخارج، أم تتراجع عن موافقتها في تسليح الأجهزة العسكرية، وتبدأ باعتبارهم خارجين عن القانون كما فعل شارون قبل ذلك؟.

وفي المقابل فان مشروع دول الغرب الأمريكي يرى بأنّه لا بد من قيام دولة فلسطينية على أراضٍ من الضفة الغربية، ولا مانع من إبقاء المستوطنات وزيادتها وكذا القدس تحت الإدارة الإسرائيلية.

ولكنّي اعتقد أن هذا المشروع الأخير يتعارض مع أبسط الحقوق ومنطقها، حتى قرار المنظمة الأممية قرار 242 الذي ينصّ على قيام دولة فلسطينيّة  في كل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، أي ما كان عليه الحال قبل اندلاع مسرحية حرب الخامس من حزيران عام 1967م حينما هُزمت الأنظمة العربيّة عسكريّاً وسياسيّاً أمام إسرائيل.

لهذا فعلى الشّعب الفلسطيني المصابر والمرابط، وطلائعه المخلصة في الدّاخل والخارج ومعه شعوب العرب والمسلمين وأحرار العالم، أن يبحثوا عن بدائل لهذا الوضع المأساوي. فالأيام القادمة عصيبة وحسّاسة، بل والأمور في منتهى الخطورة.

لكنّني متأكد أنّ فلسطين هي أرض الله والأرض المقدسة، وارض الأنبياء، والمعجزات والكرامات، التي تحطمت على أرضها كل إمبراطوريات الظلام، وممالك الفساد، وأنّ هذا الشعب المتجذر في أرض كنعان ويبوس مُتناغم مع زيتونها وبرتقالها وعنبها , وهو يشم رائحة الزعتر والصّنوبر، ويتنفس نسيم البحر ويعشق صعود الجبال، ويتلذذ هبوط الأغوار، ويراقب شمس النقب وصحاريها .

 وهذا الشعب لم يعد تنطلي عليه هذه الحيل والأكاذيب، ولا هذه المراوغات المضللة والانتخابات المزيّفة الفاسدة، والديمقراطيات الأمريكيّة البغيضة، التي جرّت على الشعب الفلسطيني وغيره الانقسام والقتل والخراب. وهو يعرف طريق الخلاص التي ترجع له الحقوق والكرامات، ويدرك بأنّ فجر فلسطين وحريتها لاح في الآفاق.