رئيس شعبك لا تقل فيه سوءًا
رئيس شعبك لا تقل فيه سوءًا ؟!
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
خمر
السلطة الزمنية أدارت رأس الكنيسة المصرية أو قيادة التمرد الطائفي ، فعميت عن
الممارسات المستفزة التي تشيعها في أرجاء البلاد وخارجها .الكنيسة في أسيوط تبتز
المحافظ ، وتفرض عليه أن يبيعها ثلاثة عشر فداناً لتلحقها بدير العذراء تحت حجة
توسيع دائرة المكان للزوار الذين يتوافدون كل عام لحضور احتفالاته ، واللغة الموجهة
إلى المحافظ فيها من الصلافة و العجرفة والعنجهية ما يفوق لغة السادة مع العبيد !
والأكثر طرافة من هذا أن القوم في المطرانية يطلبون من محافظ أسيوط " حصة دقيق "
استثنائية دائمة من أجل " القربان " السنوي (!) وهم يعلمون أن الجمهور لا يجد
الرغيف إلا بشق الأنفس ، وقصة الطوابير أمام أفران الخبز معروفة من أقصى البلاد إلى
أدناها .. ولإثبات التحدي والتمرد فقد أعلنت مطرانية أسيوط إلغاء الاحتفال بمولد "
العذراء " احتجاجاً على رفض المحافظ بيع الفدادين الثلاثة عشر . وهدّد أحد القساوسة
بوقف الصلوات في الكنيسة احتجاجاً على ما أسماه " تعنت المحافظ " ، مؤكداً على أن
المجلس الملي والمطرانية يدرسان إصدار بيان رسمي عن الموضوع ( أي تهديد السلطة
بالبيان !!) ( المصري اليوم 15/7/2008م ) .
في
أبوفانا تم التصعيد الكلامي والفعلي والابتزازي ، فقد رفض الأنبا شنودة من مصحته في
أمريكا تقرير لجنة تقصى الحقائق حول أحداث أبو فانا بالمنيا ، مشيراً إلى أنه لا
يزال ينتظر ما سيفعله " الوطن " تجاه المجرمين المتهمين بالاعتداء على الرهبان ،
وكيف ستقضى عدالة الدولة لصالح الضحايا (!) وتجاهل شنودة القتيل المسلم الذي ذهب
ضحية قتال الرهبان مع العربان في قصر هور ، للاستيلاء على أرض الدولة ، مؤكداً أن
الرئيس مبارك سبق أن تدخل أكثر من مرة في كثير من المشكلات التي يواجهها الأقباط ؛
وكان دائماً مسانداً للحق ومدافعاً عن المظلومين- يقصد أنه كان ينفذ رغباتهم من أجل
المواءمة ! ( المصري اليوم والأهرام 17 / 7 / 2008م ) .
وانطلقت في الوقت ذاته فعاليات دعائية يقوم بها نفر من الموالين للتمرد الطائفي ،
فقد حاول قادة حزب " توتو " الشيوعيون ، عقد مؤتمر عن الوحدة الوطنية في المنيا تحت
عنوان " ضد التعصب ، ضد التطرف ، ضد التخلف " مع مجموعة من الأحزاب والنقابات
والشخصيات العامة ، ولكن الأمن رفض تنظيم المؤتمر هناك ، فاضطر رئيس " توتو " إلى
عقده في مقر الحزب بالقاهرة ، وأصدر بياناً يحمّل الدولة مسئولية الأحداث الطائفية
ودعم التطرف (!) وكرّر الاسطوانة المشروخة التي سبق الحزب وأذاعها حول ضرورة
القانون الموحد لدور العبادة ، ومراجعة مناهج التعليم التي تحتوى على مواد تشجع
التزمت والتعصّب الفكري ، ومراجعة البرامج والسياسات الإعلامية الحكومية ،
والمطالبة بإصلاح الخطاب الديني ( الإسلامي وحده طبعاً ) وتجديده ، وفرض رقابة
مشدّدة على طبع وتوزيع شرائط الكاسيت التي تدعو علناً للتكفير ! ويبدو أن بعض
المشاركين في المؤتمر تطاول على الشعب المصري وطالب بإلغاء دينه من خلال المادة
الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام دين الدولة الرسمي وأن الشريعة
الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ، وهو ما دفع الدكتور " حمدي السيد " نقيب
الأطباء وكان حاضراً ، إلى التحذير من ذلك ، وقال أن حذف هذا النص سيكون أكثر إثارة
للفتنة الطائفية ( المصري اليوم 18/7/2008م ) .
وعلى الجبهة الإعلامية ، فقد انطلق الشيوعيون والعلمانيون للحديث عن الفتنة
الطائفية التي يشعلها المتطرفون من الجانبين (!) ، وتحدث بعضهم عما يُسمى الأزمة
الدينية الإسلامية – المسيحية الممتدة في مصر التي شكلت أحد الأعطاب البنائية في
عمليات تشكيل الدولة القومية والأمة المصرية والصفوة السياسية الحاكمة منذ نهاية
عقد الأربعينيات حتى اللحظة الراهنة ! وراح البعض يدخلنا في متاهة زئبقية لا تواجه
التمرد الطائفي مواجهة جادة وحقيقية وصريحة ، معتمداً على مصطلحات بائسة سخيفة من
قبيل " مفاهيم وأفكار وآليات ما قبل وما دون الدولة " أو " خطورة الآليات التقليدية
لأنساق ما دون الدولة ومسئوليها " أو " الانقطاع في ذاكرة الدولة المصرية الحديثة
وثقافتها الحداثوية " ! أو استراتيجيات الاستعارة والدمج في إنتاج التشريعات
الأساسية " أو " ظواهر وهندسات الحداثة السياسية والتمثيلية والقانونية " أو "
الكراهية المتبادلة التي ينشرها بعض الغلاة والمتزمتين من رجال الدين المتعصبين ،
وأتباعهم من العوام ، وبعض غلاة الخواص " أو " التأويلات والآراء اللاهوتية
والفقهية التي كانت جزءًا من تاريخ السلطة أو المؤسسة ! " .... إلخ .
إن
إمساك العصا من الوسط يدحض مقولات الداعين إلى سيادة القانون وتطبيقه على المتمردين
، فهم يفترضون أن هناك تمرداً إسلامياً على " الوطن " ،يقابل التمرد الطائفي
المدعوم من دول الغرب الاستعماري .. وهذا غير صحيح عقلاً ، لأن الذين يتمردون على
الوطن ويرفضون لجان تقصى الحقائق التي تدينهم ، وتؤكد على استفزازهم وعدوانيتهم (
انظر التقرير الأول والثاني من لجنة تقصى الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان
المصري الذي يرأسه بطرس بطرس غالى ، أمين عام الأمم المتحدة الأسبق ) ..ليسوا من
الجانب الإسلامي!
ثم
إن مؤتمراً تعقده أسقفية الشباب ، ويردد ما قاله مؤتمر حزب " توتو " المشار إليه
قبل قليل ، وفى الوقت ذاته يتهم التعليم والمؤسسات الدينية ( الإسلامية طبعاً ! )
بتدمير مفهوم المواطنة ، ويتهم جامعة الأزهر بأنها كيان لا يقبل الآخر ، لأنها ترفض
قبول نصارى للدراسة بها في الطب والهندسة بدعوى أن هناك طباً إسلاميا وهندسة
إسلامية ، ويدعى أن الآخر " النصراني " يدفع ضرائب تصرف على هذه الكليات .. لهو
مؤتمر غير علمي وغير بريء النوايا .. فهو ينسى والمشاركون ينسون أن ما يدفعه
النصراني يمثل نسبة ضئيلة من الضرائب ، ينال أكثر منها في الخدمات والتعليم
والمعونات الرسمية ، وأن الدولة تعطيه من ميزانيتها ليصرف على كنائسه ومدارسه
وكلياته التي لا تقبل المسلمين ، وأن الدولة أعادت إليهم الأوقاف النصرانية التي
أتاحت لهم الاستقلال ، في حين منعتها عن الأزهر الشريف وحرمته منها ليكون تابعاً
صاغراً لإرادتها !
المضحك أن مؤتمر الأسقفية المذكور أشاد بفيلم " حسن ومرقص " – لماذا لم يذكروا
كوهين أيضاً ؟ - الذي سوّى بين الجانبين في التمرد ، وقام فنان بتقديم أغنية " قوم
يا مصري " لتأكيد مفهوم المواطنة ( البديل 14/7/2008م ) وكأن الإسلام نقيض المواطنة
وعدوها اللدود!
والسؤال هو : لماذا الإصرار على تغييب الإسلام واستئصاله من وجدان الأغلبية الساحقة
؟ ولماذا يصرّ المتظاهرون في العواصم الأجنبية على أن الشريعة الإسلامية مصدر
اضطهادهم ؟
في
العواصم الأجنبية تحركت المظاهرات برضا التمرد الطائفي وموافقته ، وهى إن لم تسبب
حرجاً لرئيس الدولة ، وإهانة للأغلبية الساحقة المسلمة ، فهي تصنع نوعاً من التشويش
يضعف الوطن كله ، ولعل ذلك كان دافعاً للكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية في مصر إلى
استنكار هذه المظاهرات ودعوة الأنبا شنودة إلى تجريم الإساءة إلى مصر في الخارج ؛
ولكن أسقف الإعلام وشبرا اختزل المسألة برفض الإساءة للرئيس ، واتهام المتظاهرين
بمخالفة الكتاب المقدس " رئيس شعبك لا تقل فيه سوءًا " ! وماذا عن السوء الذي يُقال
في الشعب المصري المسلم الذي جعل الطائفة فوق الأغلبية ؛ والسوء الذي يُقال في حق
دين الأغلبية الساحقة من خلال المظاهرات والفضائيات والإنترنت ؟