الانسحاب تكتيكي وخطوة أولى لحرب قادمة
استطلاع للرأي:
الانسحاب تكتيكي وخطوة أولى لحرب قادمة
بغداد- عواصم- وكالات:
أظهر استطلاع للرأي أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق تكتيكي وسببه هزيمة خطتها العسكرية والسياسية في وقت تسيطر فيه مشاعر الإحباط على الجنوب الأمريكيين المنسحبين من العراق فيما يرى زملاؤهم الذين مازالوا داخل هذا البلد أنهم باتوا عرضة للهجمات، وقال مركز " الدراسات العربي الأوروبي" ومقره باريس إن 44.6 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع قالوا انهم لايتوقعون أي انعكاسات ايجابية لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وأن الانسحاب الأمريكي مع بقاء خمسين ألف جندي في قواعد أشبه بالحصون هو انسحاب تكتيكي.ورأوا أن الانسحاب أنجز بإطار دعائي يخدم وعد الإدارة الأمريكية الحالية بالانسحاب من العراق في عام 2010 كتركة ثقيلة للإدارة الجمهورية السابقة ويضع حداً للالتزام المباشر وهروب من المسؤولية الأخلاقية لقوات الاحتلال في إعادة بناء مؤسسات دولة عراقية بديلة مستقرة.
ووفق الاستطلاع فإن 22.1 في المئة رأوا أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق هو انسحاب ناتج عن هزيمة الخطة العسكرية والسياسية والاقتصادية في السيطرة على العراق، وأن الانسحاب يؤكد نجاعة المقاومة وزيف أحلام المبشرين ببقاء الجيش الأمريكي على أرض العراق أطول مدة ممكنة وبرأيهم فإن لهذا الانسحاب أثر بزيادة ثقة المقاومين في النهج المسلح داخل العراق وفلسطين . وجاء الانسحاب في وقت لازال فيه العراق يمر بظروف سياسية وأمنية حساسة جداً إذ تعجز القوى السياسية عن تشكيل حكومة رغم إجراء انتخابات تشريعية منذ آذار الماضي، وفي وقت تتفاقم فيه الموجات الإرهابية التي تستهدف المواطنين في أماكن عملهم ومراكز عباداتهم، مايعني أن الإدارة الأمريكية فشلت بعد سبع سنوات من احتلالها العراق في فرض الأمن والاستقرار وبناء عراق حديث ومتطور والقضاء على الارهاب الذي من أجله أعلنت أمريكا أنها احتلت هذا البلد، وأكد المركز أن الذي دفع بالقوات الأمريكية إلى الانسحاب من العراق ليس لأنها انجزت مهمتها بل لأنها عجزت عن القيام بتنفيذ مخططها ففضلت الانسحاب للحد من حجم الخسائر البشرية التي وصلت إلى نحو 5 آلاف قتيل وللتقليل من كلفة الحرب المالية التي وصلت إلى نحو 800 مليار دولار ولاسكات الحملات الإعلامية التي ترى أن الوجود الأمريكي في العراق بات دون جدوى.الى ذلك تسيطر مشاعر الإحباط على الجنود الأمريكيين الذين لايزالون في العراق، وقالت وكالة رويترز في تقرير لها أمس: إن الجنود الأمريكيين الذين تركوا في العراق بعد الإعلان الرسمي عن انتهاء المهمات القتالية للقوات الأمريكية في هذا البلد حسب التسمية الأمريكية لها نهاية الشهر الماضي بدؤوا بالتذمر لأنهم يشعرون وكأن صفعة وجهت إليهم فهم يعتبرون الآن جنوداً غير مقاتلين وفي الواقع لاتزال هجمات المسلحين تطاردهم.وقال السرجنت كندريك مانويل بعد أن رافق قافلة من 19 شاحنة عبر جزء من شمال العراق، حيث مازال تفجير القنابل على جوانب الطرق وهجمات المورتر يشكل خطراً داهماً: انه وحينما تحدثت الشبكة التلفزيونية "ان0بي0سي" عن رحيل آخر الجنود المقاتلين جعلت الأمر يبدو وكأن كل شيء انتهى.وأضاف مانويل الذي كان يتحدث في قاعدة كامب سبيتشر العسكرية الأمريكية قرب تكريت إن هذه المسألة شكلت بالنسبة لنا صفعة على الوجه لأننا مازلنا هنا وما زلنا نتعرض للخطر في كل مرة نخرج فيها من البوابة.وعرضت شبكات التلفزيون الأمريكية لقطات لما وصفه الجيش الأمريكي بآخر لواء مقاتل وهو يغادر الأراضي العراقية وأظهرت الشبكة الجنود أمام الكاميرات يهللون قائلين: إن الحرب انتهت.وفي السابع من الشهر الجاري قتل جنديان أمريكيان وأصيب تسعة آخرون حين فتح جندي عراقي النار عليهم في قاعدة للقوات الخاصة العراقية. وسمح تغيير المهمة للرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن يقول: إنه يفي بوعده ببدء إنهاء الحرب لكن الضجة التي أحاطت بذلك أثارت شكاوى بين بعض الجنود المتبقين الذين لم يعد ينظر اليهم على أنهم جنود مقاتلون. وما زالت قوافل الجيش الأمريكي تتعرض لإطلاق النار والتفجيرات وقواعده للقصف بالمورتر ويقول الجندي بايرون ريد الذي يخدم لثاني مرة في العراق وهو يستعد لمرافقة قافلة الى قاعدة كامب سبيتشر من قاعدة بلد الجوية بمحافظة صلاح الدين: إن تغيير المسميات لا يغير شيئاً ففي واقع الأمر ما زال الوضع خطيراً. وأضاف مانويل: إن تغيير اسم المهمة لن يشكل فرقاً عندما يقتل أي من الجنود الأمريكيين بانفجار قنبلة على طريق مثلاً، مضيفاً: ما دمنا عرضة للخطر فإن الحرب لم تنته بالنسبة إلينا.وقال جنود أمريكيون: إن مهمتهم لم تشهد تغيراً يذكر منذ الأول من أيلول فقد حولت معظم الوحدات العسكرية الأمريكية تركيزها الى تدريب قوات الجيش والشرطة العراقيين حين انسحبت تلك الوحدات من البلدات والمدن في الثلاثين من حزيران من العام الماضي.بدوره اللفتنانت كولونيل ديفيد غوتش وهو قائد كتيبة مشاة قال: نحن نمثل هدفاً كبيراً للمسلحين وما زلنا نتعرض لهجمات ولكن ليس بنفس الوتيرة ويقول ضباط أمريكيون: إن الأيام التي كان الجنود الأمريكيون يركلون فيها الأبواب ويفتشون البيوت بحثاً عن مقاتلين وأسلحة ولّت فهم لا يستطيعون الآن حتى دخول البلدات ما لم تتم دعوتهم ومرافقتهم.الى ذلك اعترف مسؤولون بوزارة الدفاع البريطانية بأن جنوداً بريطانيين يشتبه بأنهم قتلوا عدداً كبيراً من المدنيين العراقيين من دون أن يتم تقديمهم للمحاكمة وقالت صحيفة الغارديان البريطانية أمس: إن من بين الضحايا الشاب سعيد شبرم (19) عاماً الذي مات غرقاً بعد أن دفعه جنود بريطانيون الى مياه شط العرب بالقرب من مدينة البصرة ورجل تعرض للركل حتى الموت على متن مروحية تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، وآخر قُتل بالرصاص على يدي جندي من فوج (بلاك ووتش) بعد تورطه في حادث سير.وأضافت: إن الشرطة العسكرية الملكية أوصت بمحاكمة الجنود البريطانيين الذين قتلوا مدنيين عراقيين بتهم القتل والقتل غير العمد، لكن النيابة العسكرية البريطانية رفضت القيام بذلك بذريعة عدم توفر أدلة للإدانة.وأشارت الصحيفة الى أن وزارة الدفاع والنيابة العسكرية رفضتا وعلى نحو متكرر تقديم شرح تفصيلي لذلك القرار، كما أن الوزارة لم تقدم سوى تفاصيل غامضة عن بعض التحقيقات التي تجريها حول مقتل مدنيين عراقيين على يد جنودها.في هذه الأثناء كشف كتاب صدر في بريطانيا أمس أن نلسون مانديلا رئيس جنوب أفريقيا الأسبق شعر بالخيانة بسبب قرار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق المشاركة في غزو العراق وأجرى اتصالاً هاتفياً غاضباً معه للاحتجاج على ذلك.وقال كتاب السيرة الذاتية لمانديلا الذي وضعه النائب عن حزب العمال البريطاني المعارض بيتر هين: إن مانديلا كان ينفث النار حين تحدث هاتفياً الى بلير ليحتج على قراره المشاركة في غزو العراق، وشعر بأن الأخير وضع كل عمله في مهب الرياح بسبب ذلك القرار.وأضاف: إن مانيلا اتصل به عندما كان يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية في حكومة بلير 2003 بعد غزو العراق وأبلغه بأن مشاركة بريطانيا في الغزو خطأ كبير جداً وستلحق ضرراً ببلير على الصعيد الدولي.وأشار الى أنه لم يسمع مانديلا غاضباً ومحبطاً بهذا الشكل من قبل لأنه شعر بقوة بأن القرار الذي اتخذه بلير بشأن المشاركة في غزو العراق كان خطأ جوهرياً سيؤدي الى تدمير الأشياء التي أنجزها بلير وحكومته في مجال السياسة في جميع أنحاء العالم.وقال هين: لم أسمع في حياتي نلسون مانديلا يتحدث بمثل ذلك الغضب والإحباط.ونشأ هين في جنوب أفريقيا وشارك والداه في حملة ضد نظام التمييز العنصري وكان هين صديق لمانديلا، وقال: أعرف نلسون مانديلا جيداً كان غاضباً جداً على الهاتف بسبب هذه المسألة وشعر بأنه تعرض للخيانة لقد كان ذلك مذهلاً.وأشار الى أن تلك التصريحات جاءت في مكالمة رسمية مضيفاً أنه أبلغ بلير بمشاعر مانديلا.

