جحر الطائفية الذي لدغ منه شعب سورية
يراد للأمة العربية كلها ، أن تلدغ منه !
عبدالله القحطاني
1)
· إنه هو هو .. الجحر ذاته ، بملامحه وصفاته ، ووسائله وأساليبه .. الذي لدغ منه شعب سورية ، الطيّب البريء .. قبل خمسة وأربعين عاماً ! يراد منه ، اليوم ، لدغ الأمّة العربية كلها ، من محيطها إلى خليجها .. بل لدغ العالم الإسلامي كله ، من طنجة حتى جاكرتا !
· الشعارات التي رفعها الرفاق البعثيون ، يوم احتلوا سورية بانقلابهم العسكري ، في الثامن من آذار، عام /1963 / كانت برّاقة ، تدغدغ أحلام الجماهير، في أيّ شعب عربي : أمّة عربية واحدة .. ذات رسالة خالدة / وحدة .. حرّية.. اشتراكية !/.
· وتحت هذه الشعارات الفضفاضة ، التي تستوعب الأمّة من محيطها إلى خليجها .. كانت الامور في سورية ، تجري في اتّجاه آخر : يُمنع أيّ مواطن ، من ذكر المذهب أو الطائفة ! لأن ذلك يؤدّي إلى تمزيق الوحدة الوطنية .. بينما الرفاق ، من بعض الطوائف ، يمارسون الطائفية بشكل خفيّ ، ويدعمون كل فرد ينتمي إلى طوائفهم ، في أيّ مجال : في التوظيف ، وفي القبول في الكليات العسكرية ، وفي البعثات الدراسية ..! حتى وصل الأمر ، في سنوات متأخّرة ، إلى تحديد نسب للقبول في الكليات العسكرية ، لا يكاد يصدّقها عاقل ! إذ يقبل في الدفعة الواحدة ألف متقدّم ، على سبيل المثال ! ولدى التدقيق في انتماءاتهم الطائفية ، يكتـشَف أن نسبة تسعين بالمئة منهم ، من طائفة واحدة ، تمثّل عشرة بالمئة من السكان ! ومَن يذكرهذا الأمر، من قريب أو بعيد .. يعَدّ مثيراً للنزعات الطائفية .. ويعاقب عقاباً شديداً ! حتى صارت الأكثرية الساحقة من ضبّاط الجيش ، من طائفة واحدة .. لاسيّما في القطعات الضاربة ! أمّا الوحدات الإدارية ، ففيها نسب كبيرة من الضباط ، المنتمين إلى طوائف أخرى ، لاسيّما طائفة الأغلبية السنّية !
· وحين شكّل الرفاق ، الميليشيات التي تحمي حكمهم ، في بدايات استيلائهم على السلطة .. بدأ النظر إلى اختيار الضبّاط على أساس طائفي ، يأخذ أبعاده .. ثم بدأ يزداد بمرور الزمن ، حتى تشكّلت ميليشيات كاملة ، تعدّ بعشرات الآلاف ، من طائفة معيّنة تحديداً ، بكل من فيها ، من ضبّاط ، وصفّ ضبّاط ، وجنود .. مثل : سرايا الدفاع ، وسرايا الصراع ، والحرس الجمهوري ، والوحدات الخاصّة ..! وإذا وجِد أفراد قليلون ، في هذه الميليشيات ، من طوائف أخرى.. فهم إنّما يوضعون فيها، للسخرة ، وبعض الأعمال العادية البسيطة ، من حراسة ، وقيادة سيّارة ، وخدمة في مكاتب الضبّاط ، أو في بيوتهم !
· اليوم .. قوّة النظام الحاكم في سورية ، مستمدّة من هذه الميليشيات ، تحديداً ! ومنها تستمَدّ سائر القوى الأخرى ، بما فيها قوّة أجهزة المخابرات ، التي ترهب الناس في بيوتها وأماكن عملها ! فهي القوّة التنفيذية ، اليومية ، لقوّة الميليشيات ! والمخابرات هي التي تسيّر شؤون الدولة ، وتعيّن الوزراء والموظّفين ، كباراً وصغاراً .. وتتحكّم بمصدر رزق كل مواطن ، في أيّة بقعة في البلاد !
· وإلى اليوم ، يقال لكل مَن يشير إلى الممارسات الطائفية للزمرة الحاكمة: إنك مخرّب، تثير النزعات الطائفية ، وتوهن عزيمة الأمّة ..!
2)
اليوم .. تُرفع الشعارات ذاتها .. لكن بنكهة إسلامية ! وممّن تُرفع !؟ من دولة خارج الوطن العربي كله ، على حدوده الشرقية ! لكنها تظهر الحرص عليه ، أكثر ممّا يحرص هو على نفسه ! وتتحرّق لتحرير بلاده ، أكثر ممّا يتحرّق هو لتحريرها ! إنها جمهورية إيران الإسلامية !
· شعار تحرير فلسطين اليوم ، لم يعد عربياً ، بل إسلامياً ! ولم يعد ينطلق من عاصمة عربية ، بل من عاصمة فارسية !
· شعار مجابهة المشروع الصهيو أمريكي ، لم يعد عربياً ، بل فارسياً !
· شعار الوحدة ، لم يعد عربياً ، بل إسلامياً .. يسعى حاملوه إلى وحدة الأمّة الإسلامية! لكن .. تحت أيّة راية !؟ إنها راية الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، التي تجابه الشيطان الأمريكي الأكبر!
· ولعلّ أغرب ما في المسألة ، اليوم ، أن الكثيرين من حملة الشعارات القومية ، العربية .. قد تخلّوا عن شعاراتهم ، وانساقوا وراء حملة الشعارات الجديدة ، في سبيل تحرير الأمّة العربية من ضعفها وعجزها .. وتحرير فلسطين من براثن الصهاينة !
· ما يفعله ساسة الفرس ، في العراق ، وفي لبنان ، وفي سورية .. وما يؤجّجونه من أحقاد طائفية ، ومن تبشير مذهبي في العالم العربي .. كل ذلك جميل ورائع ، في نظر المتحمّسين العرب ، من حملة الشعارات القومية ، سابقاً ، ومن بعض حملة الشعارات الإسلامية لاحقاً !
· ما يصرّح به رجال ، مثل محمد علي أبطحي ، معاون الرئيس الإيراني ، من أن أمريكا لم تكن تستطيع احتلال أفغانستان والعراق ، لولا مساعدة إيران .. ما يصرّح به أبطحي ، من هذا الكلام .. لايعني شيئاً للمتحمّسين العرب ، المدافعين عن إيران ، حامية الحمى العربي ، ومحرّرة فلسطين ، وقاهرة الصهاينة والأمريكان !
· أيّة إشارة امتعاض ، إلى ما تفعله أجهزة الفرس في إيران ، من ذبح أهل السنّة ومحاصرتهم .. ومن ذبح القوميات الأخرى ، من عربية وكردية وتركمانية .. وأيّة إشارة استنكار ، إلى ما تفعله أجهزة الفرس ، في العراق و سورية ولبنان واليمن.. أيّة إشارة إلى سلوك الفرس ، الطائفي المقيت .. هنا ، أوهناك .. إنّما هي إثارة لحساسيات طائفية مرفوضة ..! يقصَد منها تهديم كيان الأمّة الإسلامية ، وتمزيق وحدتها .. بنظر المحامين ، المتطوّعين للدفاع عن وحدة الأمّة الإسلامية ! وبعض هؤلاء المتطوعين ، يعملون بالمجّان لوجه الله ! وبعضهم يعملون لوجوه كثيرة ، قد يكون منها وجه الله ، في حسابهم .. وقد لا يكون !
وحسبنا الله .. ونعم الوكيل !