مشروع ساركوزي المتوسطي
د. ياسر سعد
بدأت الأحد القمة التأسيسية للإتحاد من أجل المتوسط أعمالها في باريس مثيرة معها موجة من الاعتراضات الحقوقية التي اعتبرت أن ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان البعد الأساسي المُغيب في ذلك المشروع الجديد. فقد توجهت الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان والفدرالية الدولية لروابط حقوق الإنسان ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بنداء مشترك إلى القمة، انتقدت فيه "التركيز على المشاريع الاقتصادية فحسب والتغاضي عن تطلع شعوب المنطقة الذين يتوقون للتنمية، كما يتوقون أيضا إلى التمتع بالحريات الأساسية التي هم محرومون منها فعليا". الاعتراض الحقوقي يكتسب أهمية مضاعفة هنا, فمشروع الاتحاد المتوسطي كان في أولويات حملة ساركوزي الانتخابية وهو يدافع عن ضرورة تجديد التفكير في السياسة الخارجية الفرنسية جنبا إلى جنب مع وعوده الجازمة بتبني دبلوماسية جديدة لبلاده تراعي حقوق الإنسان في المقام الأساسي.
وكما تخلى الرئيس نيكولا ساركوزي عن وعوده في مسائل حقوق الإنسان وهو يسعى لعقد الصفقات التجارية وتقوية النفوذ الفرنسي فإن مشروعه الآخر تعرض لتغييرات كبيرة, جعلت منه نسخة غير متجددة عن إعلان برشلونة. المشروع الفرنسي والذي كان يفترض أن يضم الدول الأوربية الواقعة على المتوسط توسع ليشمل جميع دول الاتحاد الأوروبي بعد الرفض الألماني خشية من أن تؤدي الفكرة إلى انقسام أوروبا بين تلك التي تعمل داخل الاتحاد الأوروبي وتلك التي تعمل مع المتوسط. مما أثار حفيظة الرئيس القذافي والذي أعلن مقاطعة بلاده للمشروع موجها له انتقادات حادة ومعتبرا أنه يسعى لتكريس الانقسام الأفريقي والعربي.
ساركوزي الذي كان من المعارضين بشدة لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي أراد من مشروعه إيجاد صيغة بديلة للعلاقات مع تركيا وهو ما رفضته أنقرة بشدة. كما أراد أن ينتقل بالسياسة الفرنسية بعيدا عن مرحلة سلفه شيراك وأن يضيف عليها بصماته الخاصة ليكون رائدا للمشروع وهو ما أخفق فيه أيضا.
غايات وآليات "الاتحاد من أجل المتوسط" يكتنفها الغموض, وإن كان من أهدافه المعلنة إرساء فضاء متوسطي، ومعالجة التدهور البيئي للمتوسط, ومكافحة الإرهاب ومحاربة الهجرة غير المشروعة من الجنوب للشمال.
مشروع ساركوزي الصديق الحميم لإسرائيل, يعمل على ضمها في مشاريع إقليمية لتصبح أمرا واقعا وليكرس التطبيع العربي معها بالرغم من عدم التزامها بمبادرات السلام وتماديها في ممارساتها القمعية بحق الفلسطينيين والاستفزازية من جهة الاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري. إسرائيل أعلنت بطبيعة الحال عن دعمها المطلق للمشروع، وقال الناطق باسم حكومتها مارك ريغيف: "لقد اعتبرت إسرائيل على الدوام أنه في مصلحة كل شعوب المتوسط تعزيز تعاونها ولذلك نحن نرحب بالمشاركة في الاتحاد من أجل المتوسط" . وأكد ريغيف على الأهمية التي يشكلها هذا اللقاء الدولي بالنسبة لإسرائيل مشيرًا إلى أنها"المرة الأولى التي يجتمع فيها قادة من منطقة المتوسط على أعلى مستوى".
الرئيس الفرنسي والذي يواجه انتقادات قاسية محليا من خصومه ويخسر الدعم الإعلامي الذي كان يتمتع به وتنخفض شعبيته بشكل كبير في أوساط الرأي العام الفرنسي والأوروبي, يحاول في هذا المؤتمر أن يعزز مكانته الأوربية والدولية وأن يختطف الدور التركي لجهة رعاية المفاوضات الإسرائيلية-السورية مما يكسبه بريقا سياسيا هو في أمس الحاجة له.
أهداف الحضور العربي في المؤتمر في حقيقتها أبعد ما تكون عن غاياته المعلنة. فبعض الدول العربية والتي تواجه مصاعب اقتصادية وسياسية داخلية تحاول الإمساك بطوق النجاة الأوربي والهرب من الفشل الداخلي لمشروع خارجي. الرئيس السوري متلهف لكسر عزلته باتجاه باريس مطلقا التصريحات التي تمتدح ساركوزي وسياسته الجديدة. أما السلطة الفلسطينية فهي تحاول لاهثة إيجاد دعم غربي في مواجهة الاستفراد والاستخفاف الإسرائيلي بها.