خلافات روسية-أمريكية

د. ياسر سعد

[email protected]

هل تتجه العلاقات الروسية-الأمريكية إلى مزيد من التوتر والمواجهة لتعيدنا لمرحلة الحرب الباردة في فترة ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتي؟ الرئيس الروسي ميدفيديف أكد خلال لقائه  نظيره الأمريكي بوش على هامش قمة الثمانية في اليابان أن المخططات الأمريكية الخاصة بتجهيز ما يسمى بالموقع الثالث للدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا تثير قلق روسيا.

كما هددت روسيا برد عسكري على إقامة محطة رادار أمريكية في الأراضي التشيكية في إطار منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية, معتبرة أن توقيع هذا الاتفاق يزيد الوضع الأمني في أوروبا والعالم تعقيدا. وصدر الرد الروسي الرسمي بعيد توقيع الاتفاق يوم الثلاثاء في براغ. البنتاجون اعتبر التهديد الروسي بالرد بالوسائل العسكرية على نشر نظاما للدفاع الصاروخي قرب حدودها يستهدف إثارة قلق شركاء واشنطن الأوروبيين.

من جهة أخرى اتهمت روسيا الأربعاء الولايات المتحدة بتغطية الاستفزازات الجورجية في منطقتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين اللتين تشهدان أعمال عنف. وتبادلت روسيا وجورجيا الاتهامات حول المسؤولية عن سلسلة الانفجارات التي حدثت مؤخرا في ابخازيا. وقال مسؤولون جورجيون إن هذا يعني أن "الانفصاليين" في ابخازيا لا يستطيعون حفظ الأمن بمساعدة القوات الروسية، ودعوا إلى استقدام قوات دولية. في حين نددت وزيرة الخارجية الأمريكية رايس بما وصفته بالتحرشات الروسية التي "فاقمت الوضع" في منطقة النزاع الجورجي الابخازي، ودعت إلى ضرورة معاملة جورجيا كدولة مستقلة.

روسيا تشعر بأن التواجد العسكري الأمريكي في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز يشكل تهديدا لمصالحها القومية. التوسع الأمريكي كان من أهم الأسباب التي أدت بروسيا في نهاية العام الماضي إلى تعليق مشاركتها في معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في القارة الأوربية والتي تم التوصل إليها بين الاتحاد السوفييتي السابق وحلف الناتو. الموقف الروسي اعتبرته الخارجية الأمريكية حينها بأنه ضار بعملية الحد من التسلح وأسفت له.

روسيا ليست مرتاحة من الطريقة التي تعامل وما يزال بها الغرب بقيادة الولايات المتحدة معها في العديد من القضايا مثل نفوذها في الجمهوريات السوفيتية السابقة ومصالحها وروابطها التاريخية فيما يتعلق بالاعتراف باستقلال كوسوفا.

الأسباب التي أدت إلى مواقف روسية أكثر حدة وصراحة وأقرب للمواجهة عديدة, منها ارتفاع عائدات أسعار النفط والغاز والتي ساهمت في نمو الاقتصاد الروسي مما تسبب في تراجع واضح في قدرة الغرب على التأثير في السلوك الروسي حيث لم تعد روسيا بحاجة إلى المساعدات والقروض كما كان الحال في التسعينيات. زيادة حضور روسيا في أسواق الطاقة عزز قدراتها الإستراتيجية على الساحة الدولية وهيأ لها إمكانية تحقيق مكاسب إستراتيجية في علاقاتها الدولية.

الإخفاقات الأمريكية في تشكيل الشرق الأوسط الجديد والتورط في المستنقع العراقي والذي استهلك الكثير من القدرات العسكرية الأمريكية عوامل ساهمت في تقوية الموقف الروسي على الساحة الدولية. الفشل الأمريكي في رعاية مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية والتعثر الكبير في القرن الأفريقي والانتكاسات الأخلاقية الأمريكية في مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات عناصر أدت لتراجع الدور الأمريكي عالميا. في مؤتمر صحفي منذ عامين جمع بين الرئيسين الروسي والأمريكي, رد بوتين ساخرا على مخاوف بوش  بشأن الديمقراطية في روسيا برفضه التام بأن تتحول روسيا إلى دولة ديمقراطية على غرار تلك التي يتمتع بها العراقيون.

روسيا ترقب بمشاعر مختلطة وهي ترقب تعثر حلف الناتو الكبير في أفغانستان والخلافات الشديدة بين أعضائه حولها والتي حسب وزير الدفاع الأمريكي قد تؤدي لتفكيك الحلف. ففي الوقت الذي تتخوف فيه موسكو من تصاعد المد الإسلامي في المنطقة فإنها لا تتعاطف كثيرا مع حلف يتمدد ويتوسع حولها ويبتلع جمهوريات كانت في يوم تدور في فلكها.